ريف سليمان: الرفق جوهرة..

الكاتبة ريف سليمان
الكاتبة ريف سليمان


كان عمري ٧ سنوات عندما سمعت عن طلاق عمتي ومجيئها للإقامة في بيتنا.. توقعت أن أرى إنسانة حزينة من ردود أفعال أمي لكن المفاجأة أن عمتي كانت مبتسمة..

عندما كبرت عرفت أن زوجها طلقها لعدم إنجابها ولكنها لم تكن ناقمة حتى عليه وكانت تقول في ثقة:

الحق معه ، هو محتاج للخلفة...

أمي كانت تصاب بارتفاع الضغط لأن عمتي ليست ناقمة على زوجها الذي طلقها.. لكن عمتي كانت تقول جملة غريبة

"الرفق جوهرة" لم أكن أفهمها لكني مع الوقت فهمت..

عمتي إنسانة رفيقة تربت على التماس الأعذار وأن الرفق بالآخرين هو أهم شيء وكانت تعاون أمي في تربيتنا.. تحكي القصص وتساعد في الرعاية بلا أي عصبية.. وعندما كانت أمي تجري ورائي لتضربني كانت عمتي تقول :

هذا سندك حد يضرب سنده ،فتتراجع أمي..

طالما أحببت عمتي رغم أنها من ناحية الشكل ليست بالجميلة.. والمدهش أن زوجها بقي يتواصل ويريد إعادتها إلى عصمته وكان قد أنجب من زوجة أخرى لكنها اعتذرت...

سمعته يقول لها : أريدك أن تربي أبنائي لكن ردها: الله يوفقك

أمي الغالية كانت عصبية وعمتي كانت هادئة.. أصاب أمي مرض احتاجت معه إلى ملازمة المستشفى وعمتي قامت برعايتنا اثناء غيابها .. عمتي كانت تقول دائماً هذه العبارة: "الرفق جوهرة"

فهمت انها تعني الهدوء .. لا تضرب ولا تنفعل ولا تعادي

وكانت تقول أن الإنسان أحوج مخلوق إلى الرفق ...

عمتي هي التي علمتني الصلاة ...قلت لها :أليس ربنا عظيم ?

طيب لماذا يحتاج منا الصلاة بماذا ستنفعه ...قالت بهدوء: الذي يتصل بملك الملوك هو الذي يستفيد أم الملك يا صغيري نحن نصلي من اجلنا ، نحن نحتاجها

أخي كان عالي الصوت وكانت تقول له دوماً أحب صوتك الرائع المنخفض وكان يندهش ثم فجأة بدأ يخفضه

عادت أمي من المستشفى لتجدني أصلي وأخي قد كف عن ارتفاع الصوت

رأيت مرة عمتي تتأمل صورة زفافها .. سألتها إنتِ زعلانة لإنك لم تنجبي ...قالت :هي الخلفة بيد من؟ قلت .. بيد الله

قالت في يقين .. الله لا يريد بي إلا خيرا أنا لست منزعجه

بصراحة كنت أشعر في بعض الأحيان إنها مفتقدة لزوجها لكنها ليست راضية بالرجوع إليه رغم آلحاحه عليها بالعودة إليه ..

لا أنسى يوم عاد إلى بيتنا يومها جلس معها ومع أبي

وأعمامي .. لاقناعها بالعودة إليه ، كان نادماً على الطلاق

قلت لها ارجعي له .. كانت تبكي في حجرتها طبطبت عليها ..

قالت لي: لا اريد تضييعه هو وأطفاله لكن زوجها كان مصراً على إعادتها ...

سألته لماذا ؟ قال لي لا يوجد مثلها .. كانت أهم من كل شيء لكن أنا كنت غبي عندما طلقتها أصرت على عدم العودة كنت بجوارها

عندما تلقت اتصالا من زوجته الثانية صارخة متوعدة أبعدي عنه وردت عمتي برفق حاضر وأغلقت الخط...كنتُ منفجراً ( لماذا لم تصرخي؟) قالت بالدموع ( زوجة خائفه على زوجها )

تدهورت الحالة النفسية لزوج عمتي ..حتى اضطرت زوجته إلى الاتصال بعمتي ترجوها العودة إليه .. كنت مندهشا

أعلم أن عمتي تحبه .. وعندما عادت إليه ردت الحياة إلى نفسه لكن المدهش ... هو أن كراهية زوجته لعمتي بدأت في الازدياد مع تحريض أولادها ضد عمتي ،لكن عمتي كانت تصبر وتحتضنهم .. تعلقوا بها أكثر من أمهم،ثم تعلقت بها زوجة زوجها عمتي كانت توصيه خيرا بها وكانت تقول لها أنتِ الودود الولود وأنا عاقر

عمتي قصة من الصبر والإنسانية المكتملة .. اليوم بعد أن توفاها الله فجأة أقف على دفنها وإلى جواري زوجها الباكي

وأبناؤه الثلاثة .. وأخي وأتذكر كلماتها .. "الرفق جوهرة"

تعليقات: