يوسف غزاوي: كلمة في رثاء الفقيد الأستاذ أمين قانصو (كفررمّان)


كان خبر رحيل الصديق والأخ المحبّ الأستاذ أمين قانصو (أبو أحمد) من أقسى ما سمعتُه في حياتي من أنباء حزينة. لم يكن الفقيدُ إنسانًا عاديًّا، بالمعنى الوجوديّ، أو صديقًا عابرًا، أو جارًا بالضرورة المكانيّة، بل كان كائنًا يحمل كلّ الصفات الجميلة والحسنة التي يُمكن أن تجتمع في شخص واحد. لم يكن أمين قانصو فردًا في مجتمع، بل كان مجتمعًا في فرد. كانت كفررمّان بالنسبة إليه عائلته، وحبّه، وساحته، الوطنيّة والثقافيّة، وإنسانيّته، وكلمته الموزونة شعرًا وعبقًا وأريجًا.

كان محبًّا للفنّ والثقافة واللغة والشعر إلى حدّ الوله، لأنّ الفنّ والعلم بالنسبة إليه يُجسّدان الجمال والعطاء الإلهيّ المزروع في قلب الإنسان وأفئدته. لا ننسى دورَه في بناء وتجهيز مكتبة مدرسة البلدة بما استطاع إليه سبيلا...

كان مفعمًا نشاطًا وهمّة؛ لطالما أحبّ أن يقيم معارض فنّيّة ومن بينها معرضًا تشكيليّا لإبنة كفررمّان، الفنانة التشكيليّة الدكتورة سوزان حسن شكرون، رفيقة أولاده، جارته، وزميلته في التعليم الرسميّ في مدرسة البلدة منذ عقدين..

كانت طموحاتُه ومشاريعُه كثيرةً لخدمة هذه البلدة المعطاءة، لكنّ الوقائع والظروف قد تعاكس المرء، ولا تسمح له بتحقيق ما يسمو إليه..

أبى أبو أحمد أن يمرّ مرور الكرام في هذه الحياة؛ فكان أبًا داعمًا لعائلةٍ متعلّمةٍ معطاءةٍ طموحة. وكان صديقًا ودودًا لأهل بلدته، هذه البلدة التي تسجّل حضورًا وطنيًّا لافتًا في هذا الجنوب الصامد البطل، وهذا الوطن المتألّم.. توزّع أبناءُ أبي أحمد في أنحاء العالم للتخصّص والعمل، بين الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا. كان بإمكانه السفر إلى هذه الدول للعيش فيها بسلام وراحة بال، لكنّه رفض هذا الشيء لأنّ بالَه لا يهدأ إلّا في وطنه وبلدته. تقومُ فلسفتُه على البقاء في الوطن للدفاع عنه ضدّ الفساد، وضد العدوّ المتربص فينا داخليًّا وخارجيًّا..

كان مواطنًا درجة أولى، اتفق الجميع على محبّته وصداقته. لكنّه الموتُ الذي يُفاجئنا دون إذن منّا، أصرّ على خطفه..

صحيح أنّ الموتَ يُنهي حياةً، لكنّه لا يُنهي علاقةً بين الفقيد وبين من بقي حيًّا.. لا نفهم الموت إلا بعد أن يضعَ يديه على شخص نحبّه.

لا توجد كلمة وداع بيننا يا أستاذ أمين لأنّك ستبقى دائمًا في قلوبنا. ستفتقدُك عائلتك كثيرًا لأنّها لن تجد حضنًا أكثر دفأً من حضنك. ذكراك ستبقى حيّة لأنّ حياتَك كانت مثالًا للتضحية والعطاء والحبّ.

أعترفُ أنّنا فقدنا صديقًا وجارًا طيّبًا صادقًا محبًّا وحنونًا.

سنراك، أبا أحمد، في تغريدة الطيور وخضرة اشجارك التي تزنّر منزلك. كنتُ كلّما ألتقيك ألتقي مضيفًا محبّا عبر حركة يديه التي تذهب باتجاه القلب بأن تفضّل، فأجالس إنسانًا ظريفًا، شاعرًا، معطاءً، يحبّ الجميع.. كان ناشطًا أيضًا عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، ولا سيّما الفيسبوك منها، ليُحاكي العصر وتقنيّاته، مفعمًا باللايكات والتعليقات والنوادر الظريفة والقصص الإنسانيّة المعبّرة..

كان الأستاذ أمين خير زميل في التعليم، كما يقول زملاؤه، في المدرسة الرسميّة. كان بمثابة الحاضن، لمن هم أصغر منه سنًّا، وهم جدد في الوظيفة، الموجّه لهم بقلب كبير ومنفتح.. كان طيّب المعشر، ودودًا لا يتنفّس إلا الكلمة الجميلة والطيّبة..

أمّا علاقته برفيقة دربه أمّ أحمد فكانت استثناءً؛ فإذا خاطبها استعمل كلمات الحبّ والتقدير والاحترام والغزل الرقيق. لم نرَ ونسمع مثيلًا لها بين زوجين محبّين. إنسحب الأمرُ على علاقته بأولاده الذين اعتزّ بهم أيما اعتزاز..

كان شغوفًا بالحياة متحدّيًا المرضَ، لا يهابُه. لم يستسلم لجبروته ووجعه. أكمل حياته بشكلها الطبيعيّ.. لكنّ هذا الصراع، في نهاية الأمر، كان النصر فيه للموت الذي سيأتينا عاجلًا أم آجلًا.. إنّها سنّة الحياة يا أبا أحمد..

لن أقول وداعًا، فأنت موجود في هواءِ كفررمّان وشوارعِها وساحاتِها وناسِها وخضرتهِا وشدوِ طيورِها وصمودِ منازلِها، ونضالِ أبنائِها، وفي كلّ حبّةِ ترابٍ فيها.. أحبّتْك كفررمّان، وأحببتَها بدورك، حتى الرمق الأخير.. لعائلتك وذويك ومحبّيك تعازينا الحارّة.. لروحك الرحمة يا صديقي..

تعليقات: