نقاش الكابيتال كونترول يتجدّد: ليس فقط حبس الودائع

من المتوقّع أن تتسارع الخطوات باتجاه إقرار القانون (طاولة مستديرة لمناقشة الكابيتال كونترول - مجلس النواب)
من المتوقّع أن تتسارع الخطوات باتجاه إقرار القانون (طاولة مستديرة لمناقشة الكابيتال كونترول - مجلس النواب)


في أروقة المجلس النيابي، تجدّد النقاش حول مسودّة مشروع قانون الكابيتال كونترول، التي تم طرحها في لجنة المال والموازنة قبل الانتخابات النيابيّة. لكن هذه المرّة، انتقل البحث في مشروع القانون من لجنة المال والموازنة إلى طاولة مستديرة دعا إليها نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب، وحضرها مجموعة من المتخصصّين وممثلّي الجهات المعنيّة بمشروع القانون، لجمع الملاحظات حول المسودّة المطروحة وتلخيصها، ومن ثم تقديمها للنوّاب قبل مراجعة مشروع القانون وتعديله والتصويت عليه. وبينما يُفترض أن يتم استكمال جلسات الطاولة المستديرة بعد عطلة العيد، اقتصرت الجلسة الأولى على نقاش مستفيض حول كيفيّة مقاربة القانون في الشكل والأهداف، على أن تُخصص الجلسات اللاحقة للدخول في تفاصيله بندًا بندًا.

مع الإشارة إلى أنّ دور الطاولة المستديرة يبقى حتّى اللحظة دورًا استشاريًّا، إلا أنّ طبيعة النقاش الذي جرى أظهر بوضوح طبيعة الأولويّات التي يحملها كل طرف في ما يخص مشروع القانون وما يجب أن يحققه، بل وطبيعة التباين في فهم أدوات الكابيتال كونترول نفسها. ولهذا السبب بالتحديد، كان من الواضح أن حصول هذا النقاش بحد ذاته سمح بتظهير الفرز الحاصل حول مشروع القانون قبل إعادة طرحه للتعديل في المجلس النيابي، من خلال الطروحات التي عبّر فيها الحاضرون عن مصالح وهواجس الأطراف التي يمثلونها، أو عن خلفياتهم وأولويّاتهم في ما يخص القانون.


مقاربة الحكومة المتسرّعة للكابيتال كونترول

قبل الانتخابات النيابيّة، سارعت الحكومة إلى إرسال مرسوم مشروع الكابيتال كونترول إلى المجلس النيابي، فيما سارع عدد من النوّاب إلى مواكبة الخطوة عبر الضغط لإقراره بالسرعة القصوى. الهدف الأساسي من محاولة تمريره بهذه الصورة في ذلك الوقت، تمثّل في خلق غطاء تشريعي للضوابط المفروضة على الودائع في النظام المصرفي، في ظل الدعاوى التي بدأت المحاكم الأوروبيّة بإصدار الأحكام بشأنها. وبذلك، كان من الواضح أن مقاربة الحكومة للقانون انطلقت منذ البداية من هاجس قوننة الضوابط المفروضة على المودعين أصلًا كأمر واقع، بدل مقاربته بتأنٍّ كجزء من خطّة أو رؤية اقتصاديّة شاملة. وعلى أي حال، لم يمر مشروع القانون في ذلك الوقت قبل الانتخابات النيابيّة، بالنظر إلى الضغط الشعبي والنقابي الرافض لمقاربة القانون من هذه الزاوية بالتحديد.

مقاربة الحكومة المتسرّعة لملف الكابيتال كونترول ظهرت سريعًا في مندرجات مشروع القانون، الذي اقتصرت مفاعيله على التمييز بين ودائع ما قبل تشرين الأوّل 2019 والأموال الجديدة التي وردت إلى المصارف بعد هذا التاريخ. وبينما يستثني مشروع القانون الأموال الجديدة من أي ضوابط على السحوبات، يلجأ مشروع القانون إلى تكريس صلاحيّة استنسابيّة للجنة خاصّة تملك حق البت بالتحويلات التي يمكن إجراؤها. كما نصّت المسودّة على إعفاء المصارف من أي دعاوى قانونيّة ناشئة أو يمكن أن تنشأ في المستقبل في المحاكم المحليّة أو الأجنبيّة، أو من أي أحكام قضائيّة صادرة ما لم تكن مبرمة ولا تقبل النقد.

وفي ما يخص حسابات ما قبل 17 تشرين الأوّل 2019، حدد مشروع القانون مبلغ 1000 دولار أميركي كحد أقصى للحسوبات التي يمكن إجراؤها من كل حسابات، فيما أعطى اللجنة الاستثنائيّة صلاحيّة تحديد السقف الفعلي دون هذا الحد الأقصى. كما لم يعطِ مشروع القانون أي ضمانات بخصوص سعر الصرف الذي سيُعتمد لإجراء هذه السحوبات بالليرة، بغياب أي رؤية واضحة لمسألة توحيد أسعار الصرف.


الكابيتال كونترول: إدارة السيولة لا قوننة حبس الودائع

بخلاف المقاربة المتسرّعة التي ذهبت إليها الحكومة قبل الانتخابات، وبخلاف المقاربات التي تحاول الدفع باتجاه إقرار القانون بالسرعة القصوى كما هو اليوم، لا يُفترض أن تقتصر مفاعيل قانون الكابيتال كونترول على هذا النوع من البنود، التي تنحصر أهدافها بإعفاء المصارف من إلتزاماتها اتجاه المودعين، من دون فرض مسار يمكن أن يفضي إلى عودة الانتظام إلى القطاع المصرفي وسداد الودائع.

من الناحية العمليّة، يمثّل الكابيتال كونترول أحد الإجراءات التي يتم اللجوء إليها في العادة خلال فترات الأزمات، لتنظيم حركة السيولة –بالعملات الأجنبيّة خصوصًا- والتعامل مع أزمات ميزان المدفوعات. ولهذا السبب، يُفترض أن يسعى القانون إلى وضع ضوابط على عمليّات تحويل الأموال بمختلف أشكالها، بالإضافة إلى الضوابط على عمليّات شراء العملات الأجنبيّة وبيعها، وهو ما يفرض اتصال القانون بمسألة توحيد أسعار الصرف. وبما أن الكابيتال كونترول يمثّل إجراءً مؤقّتاً بطبيعته، يُفترض أن يتم حصر مفاعيله بإطار زمني محدد، على أن يتم التدرّج خلال هذا الوقت برفع القيود الفروضة على حركة الرساميل.

باختصار، ثمّة فارق شاسع بين قوننة القيود على ودائع ما قبل 17 تشرين الأوّل 2019، وتمييزها عن الأموال الجديدة، كما تنص مسودّة مشروع القانون الحاليّة، وعمليّة إدارة السيولة المتبقية ووضع ضوابط على حركتها، بالتوازي مع توحيد أسعار الصرف، كما يُفترض أن يكون الحال في أي مشروع للكابيتال كونترول. وإدارة السيولة المتبقية، بمختلف أشكالها، تمثّل عمليّة أوسع وأشمل من تشريع حبس الودائع، بل وتمثّل عمليّة ذات أهداف مختلفة تمامًا عن هدف الاكتفاء بحماية المصارف من الدعاوى القانونيّة في الخارج. فعلى سبيل المثال، يحدد الكابيتال كونترول في العادة آليّات استعمال الاحتياطات المتبقية، والدولارات الواردة إلى المصرف المركزي بمختلف أشكالها، وعمليّات القطع الشرعيّة، وطريقة استعمال الدولارات المودعة لدى المصارف المراسلة، وكيفيّة ضبط عمليّات التحويل وتنظيمها، وآليّات حصول المؤسسات العامّة على الدولارات وغيرها.

ولهذا السبب بالتحديد، يُفترض أن يأتي قانون الكابيتال كونترول من ضمن رؤية ماليّة واقتصاديّة شاملة، تضع خريطة طريق لاستعادة الانتظام في القطاع المالي، على أن يتم تصميم الضوابط على حركة السيولة في البلاد في ضوء هذه الخطّة وبالتكامل معها. كما يُفترض أن تتكامل عمليّة رفع القيود عن التحويلات والتبادلات الماليّة مع استعادة الانتظام في القطاع المصرفي، واستعادة قدرة على الإيفاء بالتزاماته.


الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي

تحتاج المصارف الكابيتال كونترول لحماية نفسها من الدعاوى الأجنبيّة، في الوقت الذي يخشى فيه المودعون من تأبيد عمليّة حبس الودائع بمجرّد تشريعها في هذا القانون. ولهذا السبب، من المفترض أن يتم ربط إقرار الكابيتال كونترول بسلّة من القوانين الأخرى، التي تضمن للمودع قدرة القطاع المصرفي على سداد الودائع في المستقبل، بعد المرور بفترة الضوابط على حركة السيولة في المصارف اللبنانيّة. وأهم هذه القوانين، التي يفترض أن يتم ربط إقرار الكابيتال كونترول بإقرارها، هو القانون الطارئ لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والذي يحدد معايير وآليّة عمليّة الهيكلة، وقدر الخسائر التي ستتحمّلها المصارف من رساميلها خلال هذه العمليّة. وبذلك، يكون تمرير الضوابط الاستثنائيّة على التحاويل متلازمًا مع عمليّة تنظيف الميزانيّات من الخسائر، أي مع عمليّة العودة للسداد للمودعين.

في خلاصة الأمر، من المتوقّع أن تتسارع الخطوات باتجاه إقرار القانون بعد عطلة العيد، لكون القانون مذكوراً من ضمن التفاهم المبدئي المعقود على مستوى الموظفين مع صندوق النقد. إلا أنّ هذا التفاهم ربط إقرار القانون بعمليّة توحيد أسعار الصرف، من ضمن مسار ضبط عمليّات الحساب الجاري. وبذلك، لا بد أن تتم إعادة النظر بمضامين مشروع القانون الذي وضعته الحكومة، ليتواءم مع رؤية صندوق النقد لهذا القانون، والتي تفرض تكامله مع الرؤية الماليّة الشاملة، واستهدافه إدارة كل العمليّات الماليّة التي تستنزف ما تبقى من دولارات في البلاد.

تعليقات: