كيف واجهت ايسلندا أزمة مالية مشابهة لأزمة لبنان؟


رغم استفحال الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، لم تبادر القوى السياسية المتحكمة بالنشاط المالي والاقتصادي الى وضع حلول عملية ومنطقية يمكن أن تسهم في الحد من الانهيار، بل على العكس، تسعى هذه القوى إلى تعميق الأزمة من خلال الاستمرار بنفس العقلية القديمة والعقيمة المتحكمة في ادارة الشؤون الاقتصادية والمالية والنقدية والتي بدورها ساهمت في تدمير الاقتصاد الوطني من جهة وفي إفقار المواطنين والمودعين اللبنانيين من جهة أخرى. واذا نظرنا إلى أزمات مشابهة حصلت في العديد من دول العالم والى كيفية معالجتها من قبل السلطات المعنية فيها، يتبين لنا أن الحلول موجودة وممكنة وخاصةً أن لبنان بلد صغير من حيث المساحة وعدد السكان، علمًا أنه كان وما يزال يمتلك مقومات الخروج من الأزمة.

ولكن مع الأسف معظم القوى صاحبة القرار لا نية لها بذلك لعوامل داخلية متعلقة بتحقيق مصالحها على حساب مصلحة الشعب اللبناني وخارجية متعلقة بالتماهي مع السياسة الاميركية التي تمنع أي حلول بنيوية واستراتيجية لأزمات لبنان الاقتصادية والمالية العالقة.


النموذج الايسلندي والحل الأمثل

مرت ايسلندا بأزمة مالية واقتصادية ضخمة جدًا وذلك بين عامي 2008 و2011. وتعتبر هذه الأزمة المالية والمصرفية شبيهة جدًا بالازمة المالية اللبنانية من حيث الشكل والمضمون حيث عانت الدولة من عدم القدرة على سداد ديونها، كما عانت المصارف من عدم القدرة على الالتزام بتسديد الودائع. إلا أن ايسلندا سرعان ما عملت على معالجة الأزمة من خلال الاجراءات العملية التالية:

1- فتح تحقيق قضائي فوري مع الاستعانة بخبراء دوليين.

2- فتح تحقيق برلماني أنتج تقريرًا مفصلًا عن اسباب ونتائج الازمة مع تحديد المسؤوليات.

3- تغيير في الطبقة السياسية التي كانت حاكمة طيلة سنوات والتي تعتبر مسؤولة عن الأزمة.

4- رفع السرية المصرفية بشكل مطلق وذلك ترافق مع وضع تشريعات مصرفية جديدة.

5- إقرار قانون الكابيتال كونترول فوراً لضبط السحوبات والتحويلات.

6- تقنين كمية الاستيراد وتحديدها من أجل الحفاظ على العملات الصعبة.

7- اصلاح مالي يقضي بملاحقة مكامن الهدر المختلفة من أجل زيادة ايرادات الخزينة.

8- تأميم بنوك كبيرة اظهرت التحقيقات تورط اصحابها بحصول الازمة مما ساهم في اعادة الثقة في القطاع المصرفي.

9- اتهام 100 مسؤول عن الأزمة من رؤساء ومسؤولين ومصرفيين واصدار عقوبات مختلفة في حقهم تصل الى مصادرة ممتلكاتهم.

10- رد الودائع لجميع المودعين بالكامل بعد اصدار قانون يحفظها وينظم سدادها وفق جدول زمني.


السلطة اللبنانية عمقت الأزمة بدل معالجتها

في مقابل ما عرضناه من حلول عملية قامت بها السلطات الايسلندية، وضعت القوى السياسية في لبنان فور وقوع الأزمة عراقيل أمام أي حلول فعلية تساهم في معالجة الازمة حيث لم تعمل الى اليوم على تطبيق التدقيق الجنائي مع استعمال أساليب مماطلة مختلفة في كل مرة. كذلك لم يشكل البرلمان اللبناني أي لجنة تحقيق مع تماهٍ نيابي خطير مع السلطة النقدية والمالية التي كانت السبب في حصول الازمة. لم يلجأ لبنان الى إجراء أي اصلاحات هيكلية في الموازنة بل على العكس استمر باتباع اسلوب الموازنات العقيم نفسه، بالاضافة الى ذلك واللائحة تطول، لم يقر لبنان حتى اليوم قانون كابيتال كونترول حقيقيًا وعمليًا يساهم في تنظيم ما تبقى من ودائع، عدا عن صرف أكثر من 11 مليار دولار من أموال المودعين على الدعم.


إذاً المشكلة الحقيقية تكمن في عقلية من يدير أزمتنا اليوم علماً وللمفارقة التاريخية أن من يدير هذه الازمة هو نفسه من افتعلها. من هنا يمكننا التأكد أن لا نية حقيقية للحل لان المطلوب بالنسبة لهؤلاء فقط هو تحميل المواطنين والمودعين كل الخسائر حتى لا تمس ثرواتهم المجمعة من خيرات وحقوق اللبنانيين المنهوبة.


* المصدر: موقع العهد الاخباري


هذا الفيديو، الذي أعده الاعلامي آدم شمس الدين والذي يحكي كيف واجهت ايسلندا أزمتها المالية المشابهة لأزمة لبنان، سرعان ما جرى سحبه عن السوشال ميديا بضغوط من المرجح أن يكون وراءها عدد من المصارف اللبنانية وشركاؤهم من أصحاب النفوذ في السلطة:

تعليقات: