كيف يدرّب الأميركيون مجنّدي قوى الأمن؟


ينفّذ الأميركيون في لبنان مشروعاً، هو الأكبر خارج بلادهم، لتدريب مجنّدي قوى الأمن الداخلي. ومعروف «حساسية» قسم كبير من اللبنانيين تجاه الإدارة الأميركة بسبب دعمها لإسرائيل. لكن الحكومة قبلت هذه «الهبة». ماذا يدرّس الأميركيون رجال الشرطة اللبنانية؟

كان المجنّد «وائل» آتياً إلى مركز عمله بعد 10 أسابيع من الغياب. عاجله أحد الضباط بسؤال هجومي: «أنت من الذين درّبهم الأميركيون؟». «نعم سيدي»، أجاب وائل خجِلاً. فقال له الضابط متهكّماً: «شي بشرّف». المجنّد لم يكن فخوراً بدورة التدريب التي خضع لها في معسكر قوى الأمن الداخلي في الوروار. فمدرّبوه أميركيون، وهؤلاء، بحسب وائل، «مقتنعون بأنني إرهابي، لأنني أؤيّد المقاومة. بلدتي كانت تُقصف بأسلحة أميركية، ولي أقارب مقاومون، إرهابيون بعيون الأميركيين».

الدورة التي تخرّج فيها وائل في الأول من تموز هي جزء من برنامج الدعم الأميركي لقوى الأمن الداخلي. في الدورة ينقسم المجنّدون إلى 4 فصول، في كل واحد 50 مجنّداً. يدرّبهم في كل حصة شرطيان أميركيان متقاعدان، تكون معهما مترجمة، وبحضور ضابط لبناني.

الدروس النظرية والتطبيقية التي خضع لها المجنّدون تحمل عنوان «الطرق الديموقراطية للقيام بأعمال الشرطة». تبدأ الدورة بإعلام المجنّد بـ«معايير السلوك» الواجب اتباعها خلال التدريب، مُفصَّلةً في 89 مادة، تبدأ من النظافة و«طول الأظافر» وصولاً إلى منع المتدرّبين من «استخدام آلات تصوير أو كمبيوتر أو هاتف خلوي يحتوي على آلة تصوير وأي جهاز راديو أو تسجيل أو جهاز تلفزيون»، وذلك بهدف «منع تسرّب بعض المعلومات السرية الاستخبارية كما حصل في العراق».

ومن أهم العناوين التي تُدرَّس للمجندين: حقوق الإنسان ــــ التحقيق الجنائي ــــ استجواب الشهود ــــ التوقيف وإدارة السجناء ــــ تفتيش المركبات والمباني ــــ تقنيات القتال من دون سلاح ــــ الدوريات ــــ الرماية واستخدام المسدس وبندقية كلاشنيكوف وصيانتهما ــــ المخدرات ــــ تنظيم حركة السير ــــ مدخل إلى الإرهاب ــــ الانتحاريون.

تُقَدّم هذه الدروس بأسلوب مبسّط يشجّع المتدرّب على المشاركة وإبداء الرأي. ويرى مختصون أنها تجري وفقاً للمعايير الأكاديمية المعتمدة في كليات الشرطة المتقدمة في العالم. لكن التدقيق في المضمون، يظهر في مكان ما محاولة أميركية لإدخال مفاهيم سياسية تخلط بين الإرهاب والمقاومة. ففي درس «المدخل إلى الإرهاب»، يتضمن الكراس عدداً من الأمثلة التي تُضرَب عن عمليات إرهابية حصلت في العالم، وأبرزها «مجزرة ميونخ» عام 1972، التي نفّذها «إرهابيو أيلول الأسود» وخطفوا فيها رهائن إسرائيليين، فضلاً عن عملية مطار عينتيبي عام 1976، التي نفذها «إرهابيو» الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ومن أبرز ما أثار حفيظة بعض المشاركين في الدورة، هو ما حصل خلال أحد دروس «المخدرات». ففي معرض حديثه عن التهريب، قال مدرّب أميركي في إحدى الحصص إن «حزب الله» يستخدم المخدرات لتجنيد عملاء له في إسرائيل، فاعترض عدد من المجنّدين.

التحفظات لا تقتصر على المتدرّبين. ففي المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يبدي ضباط ورتباء انزعاجهم من التدريب الأميركي. فما يتعلمه المجنّدون، بحسب ضابط رفيع، هو كناية عن «محو أمية أمنية وعسكرية»، ويمكن الضباط والرتباء اللبنانيين العاملين في معهد قوى الأمن الداخلي، والذين يزيد عددهم على 220 رتيباً و60 ضابطاً، القيام به من دون مساعدة أحد.

أما الرأي الآخر في المديرية، فيمثل رأي القيادة، فتحدّث عنه مرجع أمني رفيع قائلاً إن الحكومة اللبنانية قبلت الهبة الأميركية التي تتضمن عتاداً وبرنامج تدريب، «ولا يمكن قيادة المؤسسة، بعد موافقة الحكومة، أن ترفض التدريب وتقبل بالعتاد». وأكّد المرجع أن المديرية بحاجة إلى تدريب المجنّدين الذين استُقطِبوا خلال السنوات الماضية ولم يخضعوا للتأهيل المطلوب. وقلّل المرجع من المخاوف التي تساور البعض من إمكان استغلال الأميركيين هذه الدورات لتجنيد عملاء لهم داخل مؤسسة الشرطة اللبنانية، مشيراً إلى أن المدرّبين هم رجال شرطة وليسوا من الاستخبارات، والمتدرّبون لا يمثّلون أهدافاً استخبارية للتجنيد. ورأى المرجع أن ما يحصّله المجنّدون هو «علمٌ بتقنيات أعلى مما هو لدينا، وليست له أي هوية سياسية، ويشبه إلى حد بعيد إرسال جامعيين للتخصص في الولايات المتحدة».

الأميركيون يدرّبون كل المجنّدين اللبنانيين إذاً، ومن أهم المواضيع التي تُدَرَّس «حقوق الإنسان وعمل الشرطة». وخلال تقديم إحدى الحصص في هذا الموضوع، طَرَحَ مجنّد لبناني على المدرّب الأميركي سؤالاً واحداً: هل ما يجري في السجون الأميركية في العراق وغوانتانامو منسجم مع حقوق الإنسان؟ لم يكن في وسع المدرّب الأميركي سوى رفع الصوت لإنهاء الجدال.

تدريب 9200 شرطي لبناني

في الأول من تمّوز سلّمت القائمة بالأعمال الأميركية شهادات تقدير لمئتي مجنّد أنهوا دورة تدريبية هي الثانية ضمن مشروع مدته 4 سنوات، سيدرِّب الأميركيون خلاله 9200 شرطي لبناني. وهذا المشروع هو جزء من برنامج الدعم الأميركي لقوى الأمن الداخلي البالغة قيمته 60 مليون دولار .

تعليقات: