إتهام السوريين بأنهم يأكلون خبز اللبنانيين: البيع ببطاقة الهوية

الأزمة تخلق إشكالات بين اللبنانيين والسوريين للحصول على الخبز (مصطفى جمال الدين)
الأزمة تخلق إشكالات بين اللبنانيين والسوريين للحصول على الخبز (مصطفى جمال الدين)


الأحد 2022/06/26

إتهام السوريين بأنهم يأكلون خبز اللبنانيين: البيع ببطاقة الهوية

increase

حجم الخط

decrease

مشاركة عبر

تتفاقم أزمة عدم توفّر الخبز بالكميات الكافية في جميع المناطق، وتتحوَّل مادّة لإشعال الخلافات على أبواب الأفران بين اللبنانيين والنازحين السوريين. وتفاقم بعض التصريحات السياسية تلك الخلافات، إذ تنبش انعكاسات النزوح على الاقتصاد والبنى التحتية، وصولاً إلى رغيف الخبز. ويجد الكثير من اللبنانيين في تلك الخطابات سنداً لمنع السوريين من الحصول على الخبز. وهو ما بدأ يحصل في أكثر من منطقة.


الدعم الملغوم

مذ أقرَّت خطة الدعم وانتشرت السلع المدعومة في السوق، لم تعمد الدولة إلى تنظيم العملية من الاستيراد إلى التوزيع فوصول السلع إلى المستهلكين. بل عملت على حماية مصالح كبار التجّار وتغاضت عن عمليات التهريب، فشحّت السلع المدعومة وانتشرت الطوابير وولِدَ الاقتتال، وصولاً إلى حدّ توزيع السلع المدعومة في بعض السوبرماركت عبر بطاقات الهوية التي تثبت أن الزبون لبنانياً وليس أجنبياً. علماً أن لا قانوناً أو قراراً يمنع شراء الأجانب للسلع المدعومة.

بعد أكثر من عام على انحسار فوضى السلع المدعومة جرّاء اختفائها، يعود عزف النغمة ذاتها مع الخبز. فالشح الضارب في الاتجاهات الأربعة، فَتَحَ للخبز أسواقاً سوداء، وبات الدفاع عن الأمن الغذائي آخر الأوراق التي يملكها القاطنون في لبنان، سواء لبنانيين أو أجانب. وأحد الأساليب المبتدعة للدفاع عن الأمن الغذائي، هو مَنع النازحين السوريين من شراء الخبز المدعوم، وهو ما تسجّله بعض المناطق، وبشكل أساسي في قرى البقاع. أما في الضاحية الجنوبية لبيروت، فشهدت منطقة المريجة سجالاً على باب أحد الأفران، بين لبنانيين وسوريين. فاللبنانيون يعطون لأنفسهم الأولية بالحصول على الخبز المدعوم، فيما يرى السوريون أنهم يشترون الخبز بأموالهم ويقفون لساعات في الطوابير، وبالتالي لهم الحق في الحصول على الخبز أسوة باللبنانيين.

وفي هذه الواقع الآخذ بالانعطاف سريعاً نحو احتمالات سلبية مفتوحة، يظهر بوضوح أن الدعم كان ولا يزال لغماً ينفجر في وجه الناس.


الضغط يزداد

تشتكي المطاحن من عدم توفّر الطحين من جهة، وعدم عدالة توزيع الموجود، من جهة ثانية. الأمر الذي ينعكس بنفس الصورة على الأفران التي تعاني صعوبة انتاج الخبز وضآلة كمياته. ومع تلويح المطاحن والأفران وعِلم المستهلكين برفع الدعم عن الطحين، أي عن ربطة الخبز، لا يزال وزير الاقتصاد أمين سلام يؤكّد استمرار الدعم. لكن هل سيصمد أمام زيادة الضغط وارتفاع حجم الطلب على الخبز؟.

كان سلام قد أكّد يوم الجمعة الماضي أن رفع الدعم يحتاج قراراً من مجلس الوزراء. أما الحل الأنسب في هذا الظرف، فهو التأكّد من توزيع الطحين على الأفران "بطريقة عادلة خلال الـ48 ساعة المقبلة"، أي حتى يوم الأحد 26 حزيران. وعلى أبعد تقدير، من المفترض أن يشهد يوم الاثنين انفراجاً، ولو جزئياً للأزمة.

على أن الأفران تتوقّع العكس. فالطلب يزداد بفعل الخوف من الانقطاع أو رفع الدعم، فضلاً عن الضغط الذي سيولّده قدوم المغتربين، فيصبح السوق بحاجة إلى كميات إضافية من الطحين، لا ينفع معها نظام التبادل الذي اقترحه الوزير، بين المطاحن التي لديها كميات أكبر فيما ضغط الانتاج عليها أقل، مع تلك التي لديها نقص في الطحين وارتفاع في حجم الطلب.


خطر التحريض

لا يمكن إنكار تأثير النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني والبنية التحتية. فحجم النزوح ليس ضئيلاً، بل يقارب المليون ونصف المليون نازح، غالبّيتهم يسكنون في تجمّعات تستفيد من الكهرباء والمياه دون تنظيم ودون دفع كلفة هذا الاستهلاك. وكما تلك الخدمات، فإن حجم استهلاك الخبز ارتفع. ويقدّر وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، أنّ "لبنان يدعم النازحين السوريين بـ9 مليون دولار شهرياً ثمن الخبز".

إلاّ أن النَظَر إلى أزمة الخبز ونقص الخدمات، من زاوية النزوح السوري، يخدم التحريض الذي يبيّن وكأن السوريين يأكلون خبز اللبنانيين، الأمر الذي يجرّ إلى العنف. لكن قد يجد البعض في تصعيد الأمر، فرصة للهروب من المسؤولية الأساسية وهي الفشل في إدارة البلاد ومرافقها منذ ما قبل أزمة النزوح وخلالها. فالساسة لم يكترثوا من البداية إلى أن "أي بلد يقرّر استقبال وافدين، سواء مهاجرين أو نازحين قسراً، عليه التأكّد بأن اقتصاده يرتكز على ثلاثة أسس، وهي النقص الديموغرافي، تأمين عمل للوافدين، وأن لا يتجاوز عدد الوافدين 1 بالمئة من عدد السكان سنوياً"، وذلك وفق ما يؤكّده الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، الذي يرى في حديث لـ"المدن"، أن هذه الشروط "اقتصادية وليست سياسية. ولم يعرها أحد انتباهاً منذ بداية النزوح السوري". ويشير عجاقة إلى أن "الماكينة الاقتصادية تُستَنزَف منذ العام 2011، لكنها تتكامل مع وجود الفساد في الدولة".

أما الحل، فهو معقَّد نظراً للانهيار الراهن. ولم يعد بالامكان الاستناد فقط إلى حلول من قَبيل إعطاء الأولوية في العمل لليد العاملة اللبنانية، مع أنها إجراء مطبّق في أغلب دول العالم. وفي ظل وجود إدارة اقتصادية وسياسية سيئة، يصبح ملف النازحين السوريين ورقة ضغط في الملعب السياسي الداخلي، يرشح منها انفلات وتجاوزات ستطال كافة المناطق اللبنانية، إلى حين اتخاذ قرارات صريحة بدولرة كافة السلع والخدمات، فيخفّ الضغط ولا يُمحى.

تعليقات: