الصيادلة وأطباء الاسنان: «خبيصة» حزبية وطائفية


لم يكن مشهدا الإنتخابات في نقابتي الصيادلة وأطباء الأسنان يشبه ما يسمونه اصطلاحاً «أعراساً ديمقراطية». فقد كانت هذه الإستحقاقات التي يفترض أنها تتعلّق بـ«النخبة اللبنانية» أقرب إلى «التخبيصة» الطائفية والحزبية. وعلى عكس الشعارات التي رافقت إعلان اللوائح، كان يوم الإستحقاق الطويل مغايراً كلياً، فسقطت انتخابات نقابة أطباء الأسنان قبل الوصول إلى خواتيمها. أما نقابة انتخابات نقابة الصيادلة، ورغم أن شيئاً لم يعكّر صفو جولتيها الا الفوضى التي سادتها، فقد أسفرت عن فوز «المستقلين» في لائة ضمّت «كوكتيلاً» حزبياً


«كوكتيل» يفوز بـ«الصيادلة»: الأحزاب نافست الأحزاب

راجانا حمية

معركة حامية شهدتها انتخابات نقابة صيادلة لبنان أمس، انتهت بإعلان مرشح لائحة «نقابتي سندي» جو سلوم نقيباً جديداً بـ 1134 صوتاً في وجه منافسه مرشح لائحة «الصيادلة ينتفضون» فرج سعادة الذي نال 995 صوتاً. لم يكن الفوز سهلاً، إذ لم يكن واضحاً كيف سترسم النهاية، خصوصاً مع تبدّل خريطة التحالفات في الجولة الثانية عما كانت عليه في الجولة الأولى، إذ شهدت مرحلة اختيار النقيب انقلاباً لبعض القوى على حلفائها وخروجاً عن المألوف في بعض تلك التحالفات.

في الجولة الأولى (اختيار أعضاء مجلس النقابة والتقاعد والتأديبي) رست التحالفات على دعم ائتلاف «الثنائي» ــــ وتيار المستقبل لائحة «الضمير المهني»، صبّت أصوات التيار الوطني الحر والكتائب والقوات وبعض المستقلين في لائحة «نقابتي سندي»، والمستقلين في لائحة «الصيادلة ينتفضون»، و«تشكيلة» أحزاب في لائحة «نحو نقابة مستقلة». أما في الجولة الثانية، فقد انقلبت تلك التحالفات رأساً على عقب، إذ دعمت حركة أمل وتيار المستقبل سلوم، واختار حزب الله السير مع حليفه التيار الوطني الحر في دعم مرشح «الصيادلة ينتفضون» فرج سعادة. ورافقت هذه «القلبة» عودة الحماوة إلى الاستحقاق، فعمد كل طرفٍ الى إعادة حشد «المناصرين» طمعاً بالحسم لمصلحته. وبعد ثلاث ساعاتٍ ونصف ساعة من الحماوة، صبّت النتيجة عند التحالف المستجد بين حركة أمل وتيار المستقبل والكتائب.

وقبل أن تحسم الجولة الثانية اسم النقيب، انتهت الجولة الأولى التي استمرت ست ساعات (بعدما لحقها ساعة تمديد بسبب كثافة المقترعين)، بفوز لائحة «نقابتي سندي» بـ 10 مقاعد من أصل 17 مقعداً، موزعة بين المجالس الثلاثة: 6 مقاعد في مجلس النقابة ومقعدان في صندوق التقاعد ومقعدان في المجلس التأديبي. أما بقية المقاعد السبعة، فتوزعت بين خمسة للائحة الضمير المهني التي ترأّسها زياد نصور (4 مقاعد في مجلس النقابة ومقعد في صندوق التقاعد) ومقعدان للائحة «الصيادلة ينتفضون» (واحد في مجلس النقابة وآخر في التقاعد)، فيما لم تنل لائحة «نحو نقابة مستقلة» أي مقعدٍ في أيٍ من المجالس.

لم تكن النتائج كما توقّعها معظم الصيادلة، إذ لم تصل لوائح مكتملة أو شبه مكتملة إلى نهاية السباق، بل كان الواصلون عبارة عن «تجميعة» من ثلاث لوائح. ولئن كان البعض قد توقع حصول مفاجآت، إلا أن تلك التوقعات كانت متأخرة جداً وأتت مع إقفال صناديق الاقتراع، عندما بدأت تصل الأخبار من مندوبي الصناديق عن حصول عملية تشطيب كبيرة. وقد آثر البعض، ومنهم مرشحون، وضع ما حدث في خانة «التنافس على أساس المعرفة»، على ما يقول المرشح الفائز في لائحة «الضمير المهني» فادي حديب. واضاف آخرون سبباً آخر يتعلق بحاجة الصيادلة إلى الكفوئين، على ما يقول جو واكد عضو هيئة الصيدلة في التيار الوطني الحر، فيما فضّل فرع ثالث ردّ الأسباب إلى «النفور الطائفي» من البعض، وهم قلّة. بغض النظر عن الأسباب، فإن ما حدث أمس في انتخابات نقابة الصيادلة كان مفاجئاً بالفعل، إذ لم تستطع أي لائحةٍ أن تعلن فوزها، إذ إن ما وصل هو عبارة عن «كوكتيل» من اللوائح الثلاث الأساسية. وهذه إحدى المفاجآت التي خالف فيها الصيادلة «العرف» في انتخابات نقابتهم، حيث تفوز لائحة كاملة مع بعض الخروق. وهو ما برره نقيب الصيادلة السابق، غسان الأمين، بتعدّد اللوائح خلافاً للمعتاد، «إذ كانت الانتخابات سابقاً تحصر بين لائحتين فقط». أما المفاجأة الأخرى، فهي في خسارة المرشح لمركز نقيب على لائحة «الضمير المهني» زياد نصور بفارق كبير عن المرشحين الآخرين اللذين تأهلا إلى الجولة الثانية، فقد نال نصور ما يقرب من 980 صوتاً، فيما نال سلوم المركز الأول في الجولة الأولى بـ 1484 صوتاً وسعادة،1214 صوتاًً. أما المفاجأة التالية، فهي في «التغييريين» الذين قاموا بدور أساسي في تعديل السائد، وقد تمظهر ذلك في شقّين أساسيين: في الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على القطاع الصيدلاني، وهو ما دفع بكثير من الصيادلة الى تعديل مواقعهم في المعركة في ميلهم لدعم مرشحين يرونهم أكفياء، وفي الصيادلة الشباب الذين كانوا ينتخبون للمرة الأولى والذين كانوا يرغبون في التغيير. وهما عاملان أساسيان لم يحضرا في الانتخابات السابقة.


قلب الصيادلة الشباب الذين انتخبوا للمرة الأولى نتائج الجولة الأولى

في الأرقام، لم تختلف أعداد المشاركين في الاستحقاق الحالي عن الدورات السابقة، لا بل إن البعض يذهب إلى القول بأن رقم الـ 4170 (من أصل ما يقرب من 8000 سددوا اشتراكاتهم) الذين صوّتوا أمس كان طبيعياً، إذا ما أخذ في الاعتبار تنافس أربع لوائح. أما بالنسبة الى تقسيم الأصوات، فقد أشارت المعلومات إلى أن المقترعين انقسموا بين «1350 صوتاً مسيحياً و1300 صوت شيعي و1150 صوتاً سنياً و14 صوتاً علوياً وما يقرب من 140 صوتاً درزياً».

وفي قراءة أولية لتلك الأرقام، أيقن تحالف الأحزاب الذي دعم لائحة «الضمير المهني» أنه قد خسر، بحيث لم تكن خسارة عادية لناحية أنه لم يحصل على العدد الكافي الذي يمكنه من المواجهة في مجلس النقابة. فبالأرقام، لم يأت هذا الأخير سوى بأربعة أعضاء في المجلس وعضو آخر في مجلس التقاعد. وهو ما يصعّب المهمة لاحقاً وخصوصاً في عملية اتخاذ القرارات الحاسمة. أما بالنسبة إلى الأصوات، فلم يكن «التعويل على الصوتين المسيحي والشيعي مبنياً على يقين، فقد خابت التوقعات سواء بالنسبة إلى الصوت المسيحي الذي لم يكن على قدر المتوقع في دعم اللائحة، أو الشيعي الذي ذهب في أكثر من اتجاه». وقد تظهّر ذلك في الفوارق التي سجلت بين بعض الأعضاء في اللائحة نفسها، وهو ما دلّل على «اتفاقات عقدت من تحت الطاولة بين بعض الأطراف»، على ما يقول بعض المتابعين، وإلا فكيف يفسّر الربح الساحق للبعض والخسارة الفادحة للبعض الآخر في اللائحة نفسها؟ وهو ما حدث في أكثر من لائحة.

إلى ذلك، لم تكن بداية اليوم الطويل توحي بما انتهى إليه، فالهدوء الذي صاحب بداية فتح صناديق الاقتراع لم يستمر طويلاً، وانقلب عند العاشرة والنصف صباحاً مهرجاناً كثيفاً، حتى كانت الذروة عند الساعة 12، حيث اقترعت النسبة الأكبر خلال تلك الفترة، ما استدعى تمديد الجولة الأولى لساعة إضافية انتهت عند الثانية ظهراً، قبل أن تصدر النتائج عند الساعة الثالثة إلا ثلثاً.

وفي «استراحة المحارب» ما قبل الجولة الثانية لاختيار النقيب من بين المرشحين: فرج سعادة وجو سلوم، بدأت المشاورات بين «الأحزاب» لمن ستهب أصواتها، وقبل دقائق قليلة من فتح صناديق الاقتراع، توضحت الصورة وانقلبت خريطة «الدعم». فبعدما «خاضت» حركة أمل وتيار المستقبل الجولة الأولى بجانب حزب الله، وكان التيار الوطني الحر يدعم مرشحته على لائحة «نقابتي سندي»، خلطت الأوراق في الجولة الثانية، حيث قرر حزب الله والتيار الوطني الحر و«الصيادلة ينتفضون» دعم سعادة، فيما ذهب المستقبل وأمل والكتائب وداعمو لائحة «نحو نقابة مستقلة» التي ترأّسها ناجي جرمانوس لدعم سلوم. أما النتيجة فكانت فوز سلوم نقيباً بـ 1134 صوتاً مقابل 995 صوتاً نالها فرج سعادة.



الكتائب في معركة «أطباء الأسنان»: ضربني وبكى!

راجانا حمية

للمرة الأولى، تحظى انتخابات نقابة أطباء الأسنان بكل هذا الصخب، وهو ما لم تدرج عليه العادة. إلا أن خبر إلغاء الانتخابات خلال عملية فرز نتائج الجولة الأولى جعلها «تراند» يوم أمس، فانهالت التعليقات والإدانات، من دون رواية واضحة لما حدث في النقابة وتسبب بإلغاء الانتخابات. لكن اللافت أن معظم الإدانات كانت مساقة باتجاه واحد. هكذا مثلاً، حمل رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، مسؤولية «الهرج والمرج» في الانتخابات لـ«عناصر مسلحة من حزب الله من خارج الأطباء الذين اعتدوا على موظفي الفرز وحطموا الصناديق (...) في مشهدٍ لا يبشّر خيراً للانتخابات النيابية المقبلة»... قبل أن تتوالى البيانات من تيار المستقبل إلى الأحرار والشيوعي وغيرهم ممن حمّلوا المسؤولية للطرف عينه.

في المقابل، كانت ثمة رواية للحزب الذي شارك في الانتخابات داعماً لإحدى اللوائح، من دون أن يكون مشاركاً فيها بأي مرشح. وأكد رئيس التجمع الإسلامي لأطباء الأسنان محمد قطايا، أن حزب الله «لم يكن معنياً بالانتخابات، إذ لم يكن لدينا مرشح. أضف إلى ذلك أنه مع انسحاب مرشح التيار الوطني الحر أعلنا انسحابنا وبالتالي لم تعد الانتخابات تعنينا»، و«لم يخض حزب الله هذه المعركة لأنه كان يعرف أنها ذاهبة باتجاه انقسام طائفي واضح».


أججت مرشحة الكتائب الأجواء بعدما تبيّن أنها ليست بين الأوائل

وأوضح قطايا الذي كان حاضراً الاستحقاق منذ الصباح الباكر، أن «الثنائي» دعم لائحة النقيب السابق إيلي المعلوف في وجه لائحتي الكتائب والقوات اللبنانية و«المنتفضين»، وسارت الانتخابات بشكلٍ طبيعي حتى بدء عملية فرز المرحلة الأولى للوائح الثلاث. وكما الحال في الفرز الإلكتروني، كان من المفترض أن تصدر النتائج «في غضون نصف ساعة أو ساعة على أبعد تقدير»، إلا أن ما حدث أن عملية الفرز «وصلت إلى حدود ساعة و40 دقيقة، ما أثار ارتياب الأطباء الذين راودهم الشك من حصول شيء ما في غرف الفرز، خصوصاً أن ذلك أدى إلى انقضاء الوقت المخصص لانتخاب نقيب، وتململ بعض الأطباء وخصوصاً الذين يسكنون في المناطق.

في هذه اللحظة، خرجت مرشحة حزب الكتائب ومرشحة النقيب في لائحة «نقابتي ثورتي» إلى المنبر وقالت بصوت عال إن «ثمة أمراً غير منطقي يجري» وطالبت بإجراء الفرز يدوياً. ولم يكن في تلك الفترة قد جرى سوى فرز نتائج 4 صناديق على دفعات، وهو أمر مخالف، «خصوصاً أن إعلان نتائج الصناديق يكون دفعة واحدة لكل صندوق». وفي تلك اللحظة، بدأ الصخب «وكبرت المطالبة لدى الأطباء، وخصوصاً مناصري المرشحة لإجراء الفرز يدوياً»، ثم بدأ الهرج والمرج. ويشير قطايا إلى أن هناك «فيديوهات مسجلة تبيّن وجود عناصر من خارج النقابة كان بعضهم يجلس كمندوبين على صناديق الاقتراع وليسوا من الأطباء. وقد قام هؤلاء بتكسير صناديق الاقتراع والاعتداء على أحد الأطباء» ما حال دون إتمام المرحلة الثانية وإلغاء الانتخابات. ونفى قطايا أي علاقة لمناصري الحزب بما حدث، «خصوصاً أن ما فرز من الصناديق لا يعبر عن مسار العملية الانتخابية، إذ إن معظم الصناديق التي ينال فيها المعلوف نسبة كبيرة من الأصوات لم يكن قد جرى فرزها بعد ولذلك لم يكن ثمة داعٍ لاستنفار كهذا». وعزا استنفار مرشحة الكتائب إلى «نتائجها المتأخرة، إذ لم تكن من بين العشرة الأوائل، ما دفع بمناصريها لتكسير الصناديق»، محمّلاً المسؤولية مباشرة إلى «النقابة التي سمحت لغير أطباء الأسنان بالدخول إلى حرم صناديق الاقتراع».

تعليقات: