جوزيف عون يدشن حملته الرئاسية: حكم عسكري واعتقال صحافي



ديكتاتورية الجيش وعسسه

ابراهيم الأمين

عندما تتصرّف أعلى سلطة قضائية بهذا القدر من الانحياز السياسي والطائفي، فتَستخِفّ بعقول أهل العلم والقانون، وتتجاهل مصير البلاد والعباد كرمى لعيون دول عدوّة ترعى قاضياً لا يهتم لرأي ويواصل جنونه، بعيداً عن أي نوع من المساءلة والمحاسبة،

وعندما يقبل قضاة من رتب عالية الخضوع لضغط سفير أو زعيم أو حفنة من زعران السفارات أو سلطات من يتحدّثون باسم الله ويمسكون بمفاتيح الجنة،

وعندما يصمت قضاة عن كل أنواع التمييز العنصري طبقياً واجتماعياً وسياسياً وطائفياً ووظيفياً ضد زملاء لهم أو ضدّ مواطنين متضرّرين أو مشكّكين بحيادية قاض،

وعندما تصبح السلطات القضائية، كاملة، رهينة رغبات بعض أهلها ممن يطمحون الى مواقع بارزة في الدولة على شاكلة رئيس أو وزير أو نائب، وممّن يقبلون بالتعدّي على حرمة الدماء والعمل غبّ الطلب عند حاكم يصدر أوامره من خلف البحار،

وعندما تتحوّل المنظّمات المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالحريات العامة وحقوق الإنسان إلى شريكة في الجرائم بصمتها أو تحيّزها أو حيادها السلبي...

عندها يكون لبنان أمام حالة القهر اللامحدود بكل أنواعه، وعندها ليس علينا أن نستغرب تصرّف محكمة عسكرية استثنائية غير قادرة على أداء واجبها المفترض بها تنفيذه باستقلالية عن إمرة واليها العسكري.

رئيس المحكمة العسكرية، العميد منير شحادة، يعرف أنه خالف القانون عندما قبل النظر في ادّعاء ضد صحافيٍ للاشتباه في أنه ارتكب جريمة رأي. لكن رئيس المحكمة العسكرية يقول صراحة، من دون خجل أو وجل، إنه غير قادر على الوقوف محايداً أمام ادعاء يمسّ هيبة الجيش وقائده، وهو لن يفعل ذلك خشية أن يظهر ضعيفاً، بينما قبل مدّعون عامون بالمهمة نفسها. وهو يعرف أنه أسقط كل الحياد البديهي الذي يفترض به أن يتمسّك به عندما يجلس على قوس ليصدر حكماً فيه قهر أو تعسّف بحق مواطن، فكيف وهو يعرف، كما نعرف نحن، أن ملاحقة الزميل رضوان مرتضى أمام المحكمة العسكرية ليست سوى فعل انتقامي شخصي تولّاه قائد الجيش العماد جوزيف عون.

جوزيف عون مواطن عادي، ويبقى مواطناً عادياً حتى لو شغل منصب قائد الجيش. وهو يعمل بإمرة الشعب، وموظف يتقاضى راتبه من المواطنين، ويفترض به أن يكون أول من يحترم نصوص الدستور والقوانين. لكنه، مع الأسف، يعتبر نفسه فوق كل السلطات، وفي موقع يخوّله القيام بكل ما يريد من دون سؤال أو رقابة أو نقاش، ولا يقيم وزناً لكل السلطات الدستورية. فلا هو مهتمّ برأي رئيس للجمهورية أو رئيس للحكومة أو وزير للدفاع، ولا هو مهتم أصلاً برأي مجلس النواب، ولا يحترم الصحافة ولا كل من يخالفه الرأي. وهو يقصد عواصم العالم ليستجدي تمويلاً مباشراً، ويقبل بتلقّي هبات مالية مباشرة من دول وحكومات وأشخاص، ويضعها في حسابات لا يمكن لغيره إدارتها، ثم ينفق ما يراه مناسباً على من يراه مناسباً. وفوق كل ذلك، يريدنا أن نتهيّأ لاستقباله، قريباً، رئيساً جديداً للعصفورية اللبنانية.

ما قررته المحكمة العسكرية، أمس، من حكم بالسجن على الزميل مرتضى، ليس سوى جريمة كبيرة بحق الجيش والقضاء والصحافة والحريات. وهو رسالة تهديد لنا، في «الأخبار» وفي الجسم الصحافي، وتلويح لنا بالويل والثبور إن سألنا أو دقّقنا في ما تقوم به مؤسسة عسكرية تعاني الأمرّين في ظل هذه القيادة.

ما قررته المحكمة العسكرية سنتعامل معه على شكل دعوة صريحة، لنا، بأن نرفع الصوت والسقف الى أعلى. وليس بيد هذه المحكمة، ومن خلفها الجيش، سوى إصدار مزيد من الأحكام، وإرسال العسس لملاحقتنا في بيوتنا ومكاتبنا، باسم القانون الأجوف الذي بات واجباً مقاومته وعدم الانصياع لشروطه. وليس بيد هؤلاء الطغاة إلا اللجوء إلى مزيد من البطش والقمع، لأننا لن نقبل مراعاة أحد بعد اليوم، وسنذهب الى أقصى ما نقدر عليه، في المراقبة والتدقيق والقول الصريح، سواء أعجب كلامنا من أعجبه أو أغضب من يريد أن يغضب.

ببساطة شديدة، لن نقبل بسلطة الأميركيين القائمة بواسطة جوزيف عون وعسسه، ولن نتوقف عن فضحهم ومقاومة بطشهم وقهرهم.

أما الذين يسكنون القصور الباردة كالقبور، شركاء كانوا في أصل الجريمة أو واضعي أقنعة أو صامتين، فهؤلاء ليسوا أقلّ من شركاء صغار في هذه الجريمة...

جوزيف عون، أرسل عسسك لاعتقال رضوان مرتضى، واعتقال من تريد منا. افعل ذلك بالطريقة التي تحلو لك. لكن، ثق بأنك لن تحظى منّا بلحظة صمت عن موبقاتك كيفما سرت ونطقت وتحركت!


الحكم على رضوان مرتضى بالسجن: صدر عن «مكتب القائد»

حسن عليق

في عام 1949، أصدرت المحكمة العسكرية حكماً بسجن رئيس تحرير جريدة «النهار» غسان تويني لثلاثة أشهر. صدر ذلك الحكم، إثر جريمة ارتكبتها المحكمة نفسها، حين قضت بإعدام الزعيم أنطون سعادة. وكان تويني قد كتب مقالاً اعتبرته السلطة حينذاك مسّاً بها وبهيبة مؤسساتها الأمنية والعسكرية. في ذلك الزمن الذي يوصف بـ«الجميل» (في هذا الوصف الكثير من المازوشية) كان الإعلام يخضع للرقابة. وكانت الصحف تصدر أحياناً تاركة مساحة بيضاء بعدما قصّ الرقيب مضمونها. والحكم على صحافي بالسجن، كان يُعدّ «عادياً»، إلى حد ما. أما في عام 2021، فتبدو قيادة الجيش خارج الزمن، بعدما انتزعت الصحافة، على مرّ العقود، حق الامتناع عن سجن الصحافي متى كان الجُرم الذي يُلاحَق فيه مرتبطاً بمهنته، فضلاً عن حق التقاضي أمام محكمة المطبوعات حصراً. في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، أمر قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة بأن يُصدر حُكماً بسجن صحافي بسبب كلمة قالها في مقابلة تلفزيونية. وتلك الكلمة التي قالها الزميل رضوان مرتضى، فيها توصيف لطريقة تعامل الجيش مع قضية بحجم وجود 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ما أدى إلى انفجارها والتسبب بواحدة من أكبر الكوارث التي حلّت بالعاصمة خارج أوقات الحروب والاجتياحات.

لم يُخفِ شحادة في الأشهر والأسابيع الماضية واقع انه ينفّذ أمراً عسكرياً، لا إجراءً قانونياً

رئيس المحكمة العسكرية (أعضاء هيئة المحكمة وممثل النيابة العامة هم مجرّد «كومبارس») امتثل لأمر قائد الجيش، وأصدر حُكماً غيابياً بسجن الزميل مرتضى مدة سنة وشهر! السجن لسنة وشهر، عقوبة رأت المحكمة أن مرتضى يستحقها، بسبب ارتكابه جرم قول كلمة.

المحاكمة جرت غيابياً. ولم تراعِ أي أصل من أصول العدالة:

أولاً، لم يتبلّغ الزميل مرتضى بوجوب مثوله أمام المحكمة، لضمان حقه في الدفاع عن نفسه.

ثانياً، المحاكمة كانت صوريّة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ عدلية. فالمحكمة العسكرية ليست الجهة الصالحة لمحاكمة الصحافيين. ثمّة محكمة اسمها «محكمة المطبوعات»، هي المختصة بالنظر في جرائم النشر والقول. لكن المحكمة العسكرية قررت وضع يدها على القضية، امتثالاً لأمر قائد الجيش، لا أكثر. ولم يُخفِ شحادة في الأشهر والأسابيع الماضية واقع أنه ينفّذ أمراً عسكرياً، لا إجراءً قانونياً. تحدّث عن الإحراج أمام رئيسه، كونه ضابطاً مُطالَباً بالدفاع عن هيبة المؤسسة التي أهدرتها كلمة (كلمة واحدة لا أكثر) خرجت من فم صحافي كان يعلّق على واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ العاصمة.

ثالثاً، ثمة شيء من «الخصومة» بين الزميل مرتضى ورئيس المحكمة العسكرية، نتيجة الكتابة عن عدد من المخالفات التي ترتكبها المحكمة الاستثنائية، وآخرها قبل 9 أيام (يوم 18 تشرين الثاني 2021)، في تقرير نشرته «الأخبار» عن «تبرئة «عرّاب» تفجيرات انتحارية بوساطة سياسية ــــ دينية». وحمّل مرتضى مسؤولية الحكم لرئيس المحكمة شخصياً. رئيس محكمة يحترم الحدّ الأدنى من أصول العدالة، كان ينبغي أن يتنحّى عن متابعة النظر في الدعوى المقامة من قائد الجيش شخصياً ضد الصحافي نفسه، بجرم المسّ بهيبة المؤسسة العسكرية. هذا عدا عن أن المحكمة كانت ملزمة بإعلان عدم اختصاصها النظر في جرائم القول والنشر، لأنها تدخل في الاختصاص الحصري لمحكمة المطبوعات. لكنها محكمة استثنائية في بلد أول من يخالف القانون فيه، هم المؤتمنون على تطبيقه.

لكن... من الواجب عدم تضييع الوجهة. هذا الحكم لم يُصدره العميد منير شحادة، بل أصدره العماد جوزيف عون شخصياً. ومشكلة الأخير معنا في «الأخبار»، ومع الزميل رضوان، أننا نقول ما لا يقوله الآخرون. اعتاد عون التطبيل حيثما كان. واعتاد أنّ كلمته، كما كلمة «مكتب القائد»، لا تُردّ، وخاصة في الإعلام.


نقابة المحرّرين: مخالفة لاختصاص محكمة المطبوعات

استغربت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، في بيان أصدرته ليل أمس، «صدور حكم غيابي عن المحكمة العسكرية بحبس الزميل رضوان مرتضى بما يخالف اختصاص محكمة المطبوعات، وهي المحكمة الخاصة بالنظر في جميع القضايا المتعلقة بجرائم المطبوعات وفقاً لأحكام المادة ٢٨ من المرسوم الاشتراعي الرقم ١٠٤ /٧٧المعدّل بالقانون الرقم ٣٣٠ بتاريخ ١٨ /١٩٩٤ الذي ألغى التوقيف الاحتياطي في جرائم المطبوعات وعقوبة حبس الصحافيين من معظم أحكامه». وأعلنت النقابة تكليف مستشارها القانوني المحامي أنطون الحويس «درس هذا الملف وإمكان الطعن به وسلوك طرق المراجعة القانونية في شأنه»، رافضة أن «يشكل هذا القرار سابقة. ولن تسكت النقابة عن أيّ استهداف أو ظلامة بحق الإعلاميين».

تعليقات: