لشراء مسكن في لبنان: 159 عاماً للمقيمين.. والمغتربون يستنكفون

يفضل مغتربون كثيرون الحفاظ على قيمة أموالهم بعيداً من ضخها في المحرقة اللبنانية
يفضل مغتربون كثيرون الحفاظ على قيمة أموالهم بعيداً من ضخها في المحرقة اللبنانية


انقلبت حياة نادر خوري رأساً على عقب في العامين الماضيين. خوري مهندس معماري يتقاضى ما يقارب مليونين و400 ألف ليرة. راتبه هذا كان يكفيه لتأسيس عائلة، قبل انهيار قيمة الليرة. واليوم لا يكفيه أجرة نقل بين مكان عمله وسكنه.

فالانهيار السريع لقيمة الليرة اللبنانية، والذي ناهز 90 في المئة، شكل ضربة قاصمة للشباب اللبناني، خصوصاً خريجي الجامعات الساعين إلى البحث عن فرص عمل لتأسيس مستقبلهم.

وخوري لم يستفد من قروض الإسكان المدعومة، التي توقفت بسبب الأزمة الاقتصادية. ويقول لـ"المدن": كنت أنوي شراء بيت في أحد المشاريع السكنية التي باشرتُ تنفيذها في المكتب الهندسي. لكن المشروع توقف نهائياً بسبب الظروف الراهنة". ويضيف: حاولت الاستفادة من أسعار الشقق التي انهارت في لبنان، لكن قيمة الراتب لا تكفي لشراء متر مربع واحد.

فالأزمة الاقتصادية في لبنان انسحبت بقوة على سوق العقارات، فتوقفت مشاريع كثيرة، وأضطر تجار عقارات إلى بيعها وفق شيكات مصرفية بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية. وصحيح أن التجار حاولوا إيجاد مخرج للحد من خسائرهم، لكن المعادلة تبدو مختلفة للمواطنين.


معادلة خاسرة للمقيمين

تختلف أسعار العقارات في لبنان حسب المناطق. ولكن بسعر وسطي يمكن شراء عقار بسعر 50 ألف دولار في قلب العاصمة. وخصوصاً في الأحياء الشعبية نسبياً، مثل منطقة الطريق الجديدة. ويرتفع السعر إلى 80 ألفاً وحتى 100 ألف دولار في مناطق مار الياس أو الزيدانية.

وللوهلة الأولى تبدو الأسعار متدنية. فقبل العام 2019 كانت أسعار العقارات في قلب العاصمة تفوق 100 ألف دولار، وتصل إلى 300 و500 ألف في مناطق مثل شارع الحمراء، أو فردان. لكن مقاربة كهذه تبدو غير منصفة، ليس بسبب تآكل قيمة الليرة، ولكن لتراجع القدرة الشرائية للبنانيين.

وفي أصول علوم الإدارة، تطبق قاعدة 25/30 للإنفاق على السكن. بمعنى أن بند الانفاق على السكن يجب أن يتراوح بين 25 إلى 30 في المئة من أصل الراتب.

لتطبيق هذه القاعدة على راتب خوري (مليون وأربعمئة ألف ليرة)، يتضح أنه يحتاج إلى 159 سنة لسداد كلفة مسكن. إذ أن 25 في المئة من أساس راتبه تساوي 600 ألف ليرة. وعلى افتراض أن متوسط سعر الشقق في بيروت يبدأ من 50 ألف دولار، أي مليار و150 مليون ليرة (وفق سعر الصرف الحالي يساوي الدولار نحو 23 ألف ليرة)، يحتاج خوري، وفق هذه المعادلة، إلى 159 عاماً حتى يتمكن من شراء منزل. وهو رقم قياسي، يظهر حقيقة نسبة الفجوة بين معدل الرواتب في لبنان وأسعار الشقق التي انخفضت إسمياً بالدولار، لكنها ارتفعت عملياً حسب سعر الليرة اللبنانية.

وحتى بالنسبة إلى اللبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، أو جزء منها بالدولار، فإن شراء عقار قد يعني أن عليهم الانتظار ما لايقل عن 17 عاماً. وعلى افتراض، أن مواطناً فكر بشراء عقار بسعر 50 ألف دولار، فيما يتقاضى 1000 دولار شهرياً، فإن نسبة 25 في المئة، تعني أن عليه الانتظار 16 عاماً و6 أشهر تقريباً كي يتمكن من شراء منزله.


ماذا عن المغتربين؟

قد تبدو أسعار العقارات فرصة مناسبة جداً لشراء المغتربين عقارات، على اعتبار أن رواتبهم لا تزال محافظة نسبياً على قيمتها في الخارج. ما يعني أن شراء شقة بمبلغ 50 ألف دولار قد يكون فرصة العمر. لكن ورغم ذلك، فإن إقبال المغتربين على شراء العقارات في لبنان شبه متوقف. ويعود السبب في ذلك إلى خوف لبنانيي الخارج من صرف الأموال في اقتصاد لبنان المنهار، نتيجة حالة عدم اليقين السياسي، والخوف من أن تتجه الأمور إلى الأسوأ. وبالتالي يفضل مغتربون كثيرون الحفاظ على قيمة أموالهم بعيداً من ضخها في المحرقة اللبنانية بأي شكل من الأشكال.

وهذا الاتجاه يمكن قراءته عملياً في بيانات نقابة المهندسين في لبنان. بحسب آخر إحصاء، لم يتخط عدد المعاملات المسجلة في النقابة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية تشرين الأول الماضي، 13 ألف معاملة في المناطق اللبنانية. ووفق مصدر في نقابة المهندسين، فإن معاملات التسجيل لا تعني بالضرورة شراء عقار وتسجيله، بل هي عبارة عن معاملات سابقة، لم يتمكن أصحاب العقارات من تسجيل عقاراتهم بسبب ارتفاع قيمة الرسوم عليها. ولذا يحاولون في هذا الفترة الاستفادة من تسجيل عقاراتهم حسب سعر الصرف السابق 1515 ليرة، قبل أن تتجه رسوم التسجيل إلى الارتفاع مستقبلاً.

تعليقات: