تفاقم أزمات النقل والاتصالات والطاقة... والضغط مستمرّ على المودعين

حكومة بيع الوهم والأصول: تدمير قطاعَي النقل والاتصالات
حكومة بيع الوهم والأصول: تدمير قطاعَي النقل والاتصالات


تحالف السلطة والمال يواصل سرقة الناس..

حكومة بيع الوهم والأصول: تدمير قطاعَي النقل والاتصالات..


انعدام الخطة المركزية للدولة في معالجة تداعيات الأزمة القائمة، مردّه إصرار تحالف السلطة السياسية مع الفريق المالي والاقتصادي على رفض تحمل المسؤولية عن الكارثة المستمرة بحق الناس. لا يكتفي هؤلاء بإصرارهم على نفس آليات التفكير والعمل، بل يريدون تحميل الناس كلفة الخسارة على أكثر من صعيد. مرة بسرقة الودائع وتوظيفها في مشاريع خارجية فاشلة، أو تضييعها في سياسات توظيف داخلية أكثر فشلاً، ثم في عملية قص الشعر العشوائية التي تصيب أصحاب الأرصدة الأقل، وتترك الكبار في مرحلة الانتظار للتعويض عنهم من خلال بيعهم أصول الدولة.

لكن في هذه المرحلة الانتقالية، حيث لا استراتيجية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي غير شراء الوقت ورشوة الناس ببعض الخدمات من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية، هذا إن حصلت، يبدو أن الفريق الحاكم يستسهل «تشليح» الناس ما بقي معهم من مدخرات، من خلال آليات عمل تفرضها تعاميم حاكم مصرف لبنان وتزيد عليها إدارات المصارف، أو من خلال تمهيد الأجواء لفرض زيادة كبيرة على كلفة الخدمات البديهية للناس في مواجهة متطلبات حياتهم اليومية.

على مدى أشهر قليلة، فُرضت على الناس أسعار مفتوحة للمشتقات النفطية، جعلت أي عائلة لبنانية تحتاج الى ما قيمته ضعفَي الحد الأدنى للأجور كبدل نقل فقط، كما تحتاج الى مبلغ مماثل لشراء ما معدله 12 ساعة تغذية من الكهرباء يومياً، وفرضت تسعيرات غير محددة السقف للفواتير الطبية وأسعار الأدوية، وتركت الباب مشرعاً أمام مافيا التعليم الخاص لرفع استنسابي لكلفة الأقساط، وها هي الحكومة تستعد وتختبر الناس، في ملفين أكثر خطورة: زيادة سعر تعرفة الكهرباء التي لم تصل بعد التغذية فيها الى أكثر من 4 ساعات يومياً، والتمهيد لزيادة كلفة الاتصالات الهاتفية على أنواعها، بالإضافة الى خدمات الإنترنت. ورغم أن النفي والتوضيحات لا تتوقف على لسان المسؤولين، إلا أن مرجعاً بارزاً أكد لـ«الأخبار» أن البحث حول تعديلات بدلات النقل والأجور والمنح التعليمية لموظفي القطاعين العام والخاص، لن تتم من دون تعديلات موازية على إيرادات الخزينة. وما يعرفه اللبنانيون منذ قيام هذه البلاد، أن زيادة الإيرادات تكون من خلال زيادة الرسوم والضرائب، من دون أي توزيع عادل على الفئات الاجتماعية، فيما لم يعد هناك سوى كتلة غنية صغيرة جداً، بينما جرى دمج الطبقات المتوسطة والدنيا في كتلة واحدة تبحث عن خلاصها بالهجرة قبل أي شيء آخر.

ووسط كل النقاش حول الخيارات البديلة، لا تظهر الحكومة أي استعداد عملاني للبحث في استراتيجيات إنقاذية، ولا سيما في القطاعات التي تتطلب علاجات فورية وعاجلة مثل النقل والكهرباء والاتصالات، بما يساعد على مواجهة ارتفاع أعباء المواصلات عند الناس وتأثير ذلك على الدورة الاقتصادية، ولا في تعديل آلية إنتاج الطاقة الكهربائية العادية أو البديلة، وترك القطاعات الحيوية لـ«بلد الخدمات» تنهار وتموت ببطء.


«المركزي» يضرب المقترضين

في هذه الأثناء، تبيّن أن المصارف اللبنانية كانت قد تبلغت من مصرف لبنان خفض حصصها من بيع الدولارات بنسبة 80 في المئة. وبدورها عكست المصارف هذا القرار في تعاملاتها مع الزبائن وبدأت تضيّق عليهم وتطلب منهم تسديد أقساط قروض التجزئة والسكن، بالدولار وليس بالليرة بحجّة أن مصرف لبنان توقف عن بيعها الدولارات.

قانونياً، لا يمكن المصارف أن ترفض قبول الليرة اللبنانية التي تحمل قوّة إبرائية. وبالتالي لا يمكنها رفض الليرة اللبنانية لتسديد القروض الممنوحة للزبائن بالعملات الأجنبية. وطالما أن مصرف لبنان والمصارف لا تعترف بعد بانهيار سعر الصرف، فلا يمكنهما احتساب قيمة الأقساط بسعر صرف يفوق 1507.5 ليرات وسطياً، وإلا عليهما أن يعترفا بأن الودائع أيضاً أصبحت بسعر الصرف هذا.

أما ما يقوم به مصرف لبنان لجهة خفض «كوتا» المصارف من الدولارات، فلا قيمة فعلية لإجراء كهذا، إذ إن هذه الدولارات التي يبيعها المصرف المركزي للمصارف، هي إما من أموال المصارف الموظفة لديه، أو أن يخلق عملة محلية لا يملكها، وفي كلتا الحالتين ينطبق على هذه الدولارات تعبير «الدولار المحلّي» الذي أتاح مصرف لبنان المتاجرة فيه بسعر يقلّ عن سعر الدولار في السوق الفعلية. والمشكلة أن مصرف لبنان المسؤول الأول والمباشر والحصري بموجب قانون النقد والتسليف عن تنظيم السوق المصرفية، لكنه بدلاً من الانصراف لمعالجة المشكلات الناجمة عن انهيار سعر الصرف وسلوك المصارف المشين في تعاملها مع الزبائن، يعمل على إغراق الاقتصاد بأسعار متعددة لليرة، تاركاً المودعين والمقترضين للمصير الأقوى. وفي المحصلة، صار القويّ يأكل الضعيف، وكالعادة فإن المصارف، على رغم إفلاسها غير المعلن، لا تزال صاحبة النفوذ الأقوى وهي تأكل الضعفاء من صغار المقترضين محاولةً أن تفرض عليهم شراء شيكات بالدولار من السوق لتسديد أقساط ديونهم، وشراء الدولارات النقدية لتسديد أقساط التأمين الملازمة لقروضهم.

حجّة سلامة لخفض بيع الدولارات للمصارف، كما ينقل عنه، أن بعض المصارف «لا توزّع كلّ الكوتا التي تحصل عليها على الزبائن»، مشيراً إلى أن بعضهم استخدم هذه «الكوتا» للمتاجرة بالشيكات المصرفية بالدولار أو لتكوين مؤونات لتغطية خسائر متوقعة في ميزانياتهم، أو لتغطية الخسائر في رؤوس أموالهم بالدولار... لكن حجّة مصرف لبنان التي يروّج لها تثبت أنه ليس أهلاً لإدارة السوق. فمن واجباته منع المصارف من القيام بعمليات متاجرة لم يسمح لهم بها، ومن مسؤوليته ومسؤولية لجنة الرقابة على المصارف مراقبة المصارف وردعها عن القيام بأمور تمسّ بأصول العمل المصرفي، لكنه لا يجد حرجاً في سياق قيامه بهذه الواجبات من الإمعان في ضرب المودعين والاقتصاص منهم، ولا يجد حرجاً في ترك المصارف تمارس سلوكها الانتقامي من المقترضين وصغار المقترضين تحديداً. من واجبات مصرف لبنان حماية المقترضين أيضاً وإجبار المصارف على قبول الليرة اللبنانية طبقاً للقوانين المرعية الإجراء، وقمع المصارف المخالفة، إلا إذا كان يهتمّ حصراً بحماية المصارف ومساعدتها على الانتقام من الزبائن.


هل بدأ العمل بخطة إفلاس القطاع الخلوي تمهيداً لبيعه؟

رلى إبراهيم

رسمياً، تنفي وزارة الاتصالات نيتها رفع كلفة الاتصالات واحتسابها على سعر 3900 ليرة للدولار. الأسباب عديدة أبرزها عدم استعداد أي طرف لتحمل تبعات ذلك قبل الانتخابات النيابية. لكن ذلك لا يعني أن لا خطط للزيادة. ويحذّر خبراء اتصالات من تعمّد إفلاس القطاع ثم بيعه بسعر بخس

مع تفاقم الأزمة وتسارع انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، لا يتوقف الحديث عن زيادة تعرفة الهاتف الخلوي. لكن الكلام لا يصدر عن جهة رسمية. وربما الخشية في ذلك تعود إلى كون حراك 17 تشرين اشتعل على خلفية ما قام به وزير الاتصالات السابق محمد شقير حين اقترح فرض تعرفة على خدمة الواتساب. يتكرر المشهد نفسه اليوم حول احتمال رفع تسعيرة الخلوي أو بالأحرى تسعيرها بالدولار لا بالليرة اللبنانية، علماً أن الفاتورة تصدر بالدولار أصلاً، لكن الشركتين لا تزالان تتقاضيانها على أساس السعر الرسمي للدولار، أي 1515 ليرة لبنانية.

ما يعزّز نظرية اتخاذ قرار بزيادة التعرفة هو وقوع شركتَي «ألفا» و«تاتش» في أزمة تأمين المازوت وآلية الدفع، في ظل عدم موافقة مصرف لبنان على تأمين الدولارات للشركتين بحسب سعر المنصة واضطرارهما منذ بدء تسعير المازوت بالدولار، إلى تأمين دولارات من السوق بينما القانون يمنعهما من ممارسة هذا العمل. يضاف إلى ذلك، ارتفاع فاتورة استهلاك المازوت مقابل ثبات في الإيرادات، ما يتسبب بعجز، لا سيما عندما تصبح فاتورة المازوت تفوق حجم الإيرادات والأرباح.

وزير الاتصالات جوني قرم نفى لـ«الأخبار» أن يكون مشروع تحويل الفواتير الخلوية إلى الدولار على سعر 3900 ليرة وارداً، كما نفى أي زيادة في التعرفة، مشيراً إلى أن أيّ من الشركتين المشغلتين للقطاع لم تطرحا عليه هذه الفرضية، وأن مشروعاً مماثلاً بحاجة إلى قرار من مجلس وزراء وتنسيق مع وزيرَي المالية والاقتصاد، ولا يتم بشكل فردي. ويربط الحديث عن زيادة التعرفة بلغط يتعلّق ببدء تقاضي كلفة الاتصالات الخارجية وخدمة التجوال الدولي (الروميغ) بالدولار «حتى لا نقع في خسارة».

ولفت قرم إلى أن «مصرف لبنان وافق أخيراً على تسديد الشركتين ثمن المازوت لمنشآت النفط بالليرة اللبنانية على أن يقوم هو بتحويلها إلى الدولار، لكن وفق سعر السوق». أما في ما خصّ الحديث عن صمود الشركتين لغاية الربع الثاني من العام المقبل قبل الدخول في عجز، فيقول إن «تسعة شهور تُعدّ وقتاً طويلاً ونحن نعدّ خطة للقطاع من ضمنها إيجاد مصادر إيرادات إضافية من دون رفع التعرفة».

أما رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسين الحاج حسن فيعتبر أن هذه الخطوة إيجابية وتصب في مصلحة القطاع، انطلاقاً من أن الدفع مباشرة للمنشآت يخفض من التكاليف التي يذهب جزء منها للموردين. ويحذر الحاج حسن من أن الوضع الحالي للشركتين ينبئ بالخطر، إذ إنهما بعدما كانا يحققا إيرادات تصل إلى 2200 مليار ليرة أو ما يوازي 1.5 مليار دولار على السعر الرسمي، فإن هذا المبلع، حتى مع زيادة العائدات بالليرة، انخفض إلى نحو 120 مليون دولار.


لا زيادة قريبة في أسعار الاتصالات والقطاع سيصمد 9 أشهر

في موازاة كلام قرم والحاج حسن، تشير مصادر شركتي الهاتف الخلوي إلى أن تكلفة المازوت الجديدة تشكل نصف ما يدخل من إيرادات والنصف الباقي يجري صرفه ما بين مصاريف صيانة ورواتب وعقود إيجار ونفقات نقل وغيرها. بالتالي، «استمرار سعر المازوت بالارتفاع فيما الإيرادات ثابتة سيؤدي إلى مشكلة قريباً». والحل؟ «في النهاية، سنكون أمام خيارين، إما اعتماد سعر صرف للدولار يوازي 3900 ليرة، أو الدخول في عجز سينعكس سلباً على الخدمات ويؤدي حتما إلى انهيار القطاع الخلوي لعدم القدرة على دفع نفقات الكهرباء والصيانة والإيجارات والاشتراكات».

خبراء في قطاع الاتصالات يبدون رأياً مختلفاً، ويعتقدون أنه يمكن الموازنة ما بين أوضاع المشتركين التي انحدرت خصوصاً من يتقاضى الحدّ الأدنى ولا يمكن له تحمّل زيادة التعرفة، وبين نوع الخدمة التي تقدمها الشركتان مقابل المبالغ المدفوعة. ووفق هؤلاء الخبراء، فإن «30 في المئة من مدخول الشركتين يُدفع على المازوت وهي نسبة مرتفعة حتى لو بقيت نفسها ولم ترتفع. كما أن «ألفا» و«تاتش» لم تدفعا للشركات أو الموردين مستحقاتهم منذ فترة طويلة سوى بنسب قليلة»، وقد تراكمت عليهما الديون. لذلك يكمن الحلّ في «احتساب الفاتورة على أساس سعر صرف يوازي 3900 ليرة لبنانية مقابل تحسين نوع الخدمات سواء من ناحية زيادة أيام السماح أو زيادة صلاحية بطاقات التشريج. ويمكن التفكير في عروضات كثيرة تفيد المشترك وتعطيه محفزات إضافية مقابل المبلغ المدفوع من جهة وتساهم في إعادة نهوض القطاع من جهة أخرى».

لكن أصحاب هذا الرأي يحذرون من أن أي أمر خلاف ذلك، «يجعلنا أمام عملية نهب للناس، في حال رفعنا التسعيرة مقابل العروض والخدمات نفسها وعلى رداءتها. ثمة ما يتعلّق أيضاً بواجبات الوزير»، إذ تقول المصادر إن في مجلس النواب عشرات الملفات حول الفساد في عقود شركتي الاتصالات مع أطراف أخرى. ويفترض بوزير الاتصالات أن «يكون شغله الرئيس مركزاً على مراجعة هذه العقود وإيقاف الهدر المنظم للأموال العامة ووقف كل العقود الوهمية أو تلك التي لا تحوي سوى على تنفيعات».

وتقلل المصادر من أهمية موافقة مصرف لبنان على دفع الدولار للمنشآت النفطية مقابل المبلغ الذي تدفعه الشركتان بالليرة اللبنانية، ذلك لأن الشركتين لا تتعاملان بشكل مباشر مع المنشآت بل من خلال مورد خاص، وكانتا تدفعان له بالليرة. حتى أن الكمية التي تمت تعبئتها خلال الشهر الماضي بلغت نحو مليونَي ليتر. لذلك، يتخوّف الخبراء من أن يكون ثمة خطة معدّة مسبقاً لإيصال الشركتين إلى عجز منظم يهدف إلى أمرين: إما اللجوء إلى مصرف لبنان لطلب سلفة مالية، ما يضعهما تحت رحمة المصرف بحيث يمكن له وضع اليد عليهما في حال تراكم الديون وعدم القدرة على تسديدها بما يحولهما إلى «ميدل إيست» أخرى، أو في أحسن الأحوال خفض قيمتهما تمهيداً لبيعهما للقطاع الخاص بسعر بخس. وهو ما يصب في النهاية في مصلحة المصارف التي سبق أن جعلت من بيع القطاع جزءاً من خطتها لتغطية خسائرها وخسائر مصرف لبنان.


النقل المشترك ليس أولوية الحكومة

ليا القزي

تتعامل الحكومة مع النقل المشترك كما لو أنّه ترفٌ تستطيع ترحيله إلى «المستقبل»، وعوض إيجاد حلول مدروسة للمجتمع، تدرس دعم صفيحة البنزين لفئة مُحدّدة هي السائقون العموميون بما يؤدّي عملياً إلى دعم أرباح كارتيل المحروقات، وتتجاهل تداعيات الأزمة على حاجات انتقال الأفراد والسلع

طرأ عامل جديد يجعل ملف النقل المشترك أكثر أولوية. إذ سجّل سعر صفيحة البنزين ارتفاعاً كبيراً ليتجاوز 300 ألف ليرة. النقل يمثّل ثقلاً أساسياً، إلا أن المسؤولين السياسيين يرون أن «الدولة» تمثّل مطيّة لتأمين وحماية مصالح فئة قليلة من الناس، في مقابل التآمر على عامة السكان وحرمانهم من أبسط حقوقهم.

انطلاقاً من أن النقل «حاجة» و«حقّ»، فإن مقاربة السلطة بعيدة كل البعد عما يجب أن يكون عليه هذا الحق. تطوير نظام نقل مشترك بكلفة منخفضة للناس، يعدّ مكوّناً رئيسياً لأي استراتيجية حماية اجتماعية مفترضة. إنما على أرض الواقع، «تستسهل» الحكومة التوقّف عن دعم استيراد البنزين من دون دراسة الانعكاسات على حاجات المجتمع والدورة الاقتصادية. فارتدادات الارتفاع الكبير في الأسعار، المُرشّح إلى مزيد من التضخّم، ستؤثّر على كلّ الحلقة الإنتاجية في البلد. ستصيب هذه الارتدادات أصحاب المبادرات الفردية والأعمال الصغيرة والمتوسطة. بعضهم أقفل مصالحه. كما أن المؤسسات العامة والخاصة اعتمدت التقنين في أيام العمل حتى لا يتكبّد الموظف كلفة انتقال تفوق راتبه الأساسي... ومع الأيام، ستظهر آثار أكثر عُمقاً في المجتمع، كالزيادة في نسبة الفقر المدقع الذي يقيس مدى وصول السكان للحاجات الأساسية مثل التعليم، الصحة، الخدمات العامة، السكن، النقل وسواها. في عام 2021 ارتفعت نسبة الفقر المدقع بحسب «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)» إلى 82% مقارنة مع 42% في 2019.

وبدلاً من أن تكون مقاربة اتحادات ونقابات النقل البرّي واضحة تجاه إعادة تفعيل النقل المشترك، إلا أنها تعاملت مع الأمر من زاوية فئوية تتعلق بالكلفة المترتبة على سائقي التاكسي. فهؤلاء أصيبوا بفعل تسعير صفيحة البنزين على أساس سعر الصرف في السوق الحرّة، كما أصيبت الغالبية الفقيرة من المقيمين في لبنان. لكن مصالح الاتحادات تتماهى مع مصالح قوى السلطة في استبدال أي خطّة للنقل المشترك بمصلحة فئوية تتضمن دعم سائقي السيارات العمومية. هكذا عُلّق الإضراب الذي كان مقرراً يوم الأربعاء الماضي بعد تسوية تتعلق بالدعم. تتضمن دعم السائقين بصفائح بنزين ومازوت بأسعار مُخفّضة، وبمنحهم 500 ألف ليرة شهرياً، ودمجهم ضمن الفئات المستفيدة من البطاقة التمويلية.


حمية: غياب التمويل يمنع إيجاد حلول بديلة للنقل

هكذا أصبحت السلطة تضرب الفقراء بالفقراء. سائقو السيارات العمومية في مواجهة أصحاب المداخيل المتوسطة والمنخفضة وسائر الفقراء العالقين مع وسيلة تنقّل حصلوا عليها بقروض مصرفية، إلا أن كلفة تشغيلها وصيانتها باتت باهظة.

ورغم أن وزير النقل والأشغال العامة علي حمية يوافق على أهمية النقل المشترك، إلا أنه أيضاً يوافق على أن تعامل الدولة معه بقي هامشياً. وفي اتصال مع «الأخبار» يقول حمية إنّه عَرض مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والمدير الإقليمي لدائرة المشرق في مجموعة البنك الدولي ساروج كومارجا «العمل على استراتيجية النقل وخطوات بعيدة المدى»، طالباً منهما تبنّي النقل العام «للتمكّن من إطلاق مشروع شراء الباصات وإنشاء محطات الركاب في بيروت الكبرى، وربط المشروع مع المناطق اللبنانية كافة». برأيه، لا يمكن التغافل عن كلفة انتقال الفرد من عكار إلى بيروت بـ 100 ألف ليرة مقارنة مع 6 آلاف ليرة سابقاً. وحين لا يصل موظّف القطاع العام إلى مكتبه بسبب هذه الكلفة الهائلة «فإن هذا جزء من تفكيك الدولة». بالنسبة إلى حمية، القصة عالقة على غياب مصدر التمويل للمشروع، «فنحن إما أن نلجأ إلى أموال السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، أو إلى قرض البنك الدولي، أو إلى هبات». ففي ما خصّ أموال السحب الخاصة، من غير المفهوم سبب عدم رغبة الحكومة في استخدامها لمواجهة حالة الطوارئ، أما قرض البنك الدولي بقيمة 295 مليون دولار، وكان مخصصاً لتمويل مشروع الباص السريع، فلم يبق منه في وزارة الأشغال سوى 40 مليون دولار، بعدما حُوّلت منه 255 مليون دولار لتمويل البطاقة التمويلية. وفي موضوع الهبات، لم تُبدِ أي جهة حماستها لذلك، ولم تُقدّم السفيرة الفرنسية آن غريو جواباً لحميّة بشأن تقديم بلادها باصات للدولة اللبنانية.

ارتفاع كلفة المازوت يستنفد أغلب إيرادات شركتي الخلوي (هيثم الموسوي)
ارتفاع كلفة المازوت يستنفد أغلب إيرادات شركتي الخلوي (هيثم الموسوي)


وزير النقل والأشغال العامة علي حمية
وزير النقل والأشغال العامة علي حمية


تعليقات: