حرج بكاسين: الأول في الشرق الأوسط وفيه 100 ألف شجرة صنوبر


حرج بكاسين متنزه لعائلات جزين ومنطقتها·· لكنه يحتاج إلى الإهتمام

عبد الله سعد: نسعى لصيانة الثروة الوطنية والحؤول دون خطر إحتراقها

حرج بكاسين الأكبر في الشرق الأوسط

الجنوب ? مكتب "اللـواء": يُعتبر حرج بكاسين - قضاء جزين، وإحدى أهم المحميات الطبيعية في لبنان والأكبر في الجنوب، إذ تبلغ مساحته حوالى 4 ملايين متر مربع، وهو مربع الشكل تقريباً ضلعه 4 كلم، ويضم أكثر من 100 ألف شجرة مثمرة، مما جعله يحتل المرتبة الأولى بين أحراج الصنوبر المثمرة في الشرق الأوسط·

وللصنوبر "البكاسيني" ميزة خاصة، فليس له منافس إذا عرف الواحد قيمته، لأن النكهة الموجودة فيه ليست موجودة في العالم كله، وهو مطلوب في المملكة العربية السعودية والكويت وجميع الدول العربية، لكنه يواجه منافسة من الصنوبر التركي، الذي تستخدمه محال صناعة الحلويات، لأن كلفته أقل نسبياً، لكن ربات البيوت والمطابخ اللبنانية تفضله لأنه ألذ بكثير·

مهمة لا يضاهيها بثقلها أية مهمة أخرى للمجلس البلدي، الذي يسعى دؤوباً للقيام بكل ما من شأنه المحافظة على سلامة هذه الغابة من الأخطار التي تهددها، بالرغم من الأوضاع المادية السيئة التي لا تلبي طموح المجلس البلدي ولا حاجات الغابة·

عانى الحرج منذ سنوات من الإهمال وتدفق مجاري الصرف الصحي، ولكن سارعت البلدية بالتعاون مع جمعيات محلية ودولية إلى معالجة المشكلة· وكذلك يواجه أخطاراً محدقة ناجمة عن الظروف المناخية كالعواصف والثلوج والحشرات، أو الحرائق·

"لـواء صيدا والجنوب" يسلط الأضواء على حرج الصنوبر في بكاسين، الذي بات رئة خضراء تتنشق نسيمه العليل وهواءه الشافي كل منطقة جزين والجنوب، على إعتباره قبلة الأنظار بالنسبة لأبناء البلدة والمنطقة والجوار·

بكاسين·· والحرج

أعطى هذا الحرج شهرة واسعة لبلدة بكاسين، التي تعددت الأقاويل والتفسيرات حول التسمية، إذ يقال أن الإسم فينيقي وهو مركب من جزءين: - الأول: "بكى": ويعني البلد·

- والثاني: "سين": ويعني الشمس - أي أنها "بلد الشمس"·

تتدرج أراضي بكاسين على السفح الشرقي لجبل ميشا من إرتفاع 1020 م حتى 552، وتتبع إداريا لمحافظة لبنان الجنوبي - قضاء جزين، وتبعد عن مدينة صيدا 32 كلم وعن العاصمة بيروت 75 كلم، وتبلغ مساحتها نحو 50 كلم مربعاً، عدا مزرعة الرمانة وجبل طورا وغيرهما من أملاك البلدة، عدد منازلها نحو 400 وحدة سكنية، وهي ترتفع عن سطح البحر 850 متراً، ولها مجلس بلدي مؤلف من 15 عضواً برئاسة المحامي عبدالله سعد، اضافة إلى مختارين هما: أنطوان جميل نمور وعادل يوسف عطية

ويُمكن الوصول اليها عن طريق صيدا - جزين، فإنطلاقاً من صيدا، تبدو بلدة روم كأنها أعلى مرتفع يطل على البحر، ومن روم، بين أشجار الصنوبر تنساب الطريق المؤدية إلى ضهور بكاسين، على مستوى واحد تقريباً فوق التلال وبين المرتفعات المتصلة بجبل ميشا، والذي على سفحه الشرقي، تنتشر منازل بكاسين يقابله جبل آخر، هو جبل نيحا، الذي تربض بين توماته بلدة جزين·

أما الحرج، فهو يقع جنوبي البلدة ويفصلها عن جزين، وتمتد منه فروع بتدين اللقش والحمصية وقيتولة والمكنونية حتى حيطورة وسناي، ويعتبر المورد الأساسي لخزينة البلدية، ويضمّن إنتاجه سنوياً بملايين الليرات، لذا كانت عيون المسؤولين وعامة الشعب منفتحة عليه دوماً·

يتضمن حرج بكاسين نحو 120 ألف شجرة معمرة تتوزع في غالبيتها على الصنوبر، ومنها أيضاً السنـديان والحـور، وقد تمت زراعة هذه الأشجار المثمرة وتحديداً الصنوبر على عهد فخر الدين المعني·

وفي داخل الحرج الذي تبلغ مساحته حوالى 4 ملايين متر مربع، حوالى 13 نبعاًً تشرب منها بلدة بكاسين، وتعتبر مصدر مياهها الرئيسي، وقد أعلن الحرج بقرار وزاري محمية بيئية خلال عهد وزير البيئة شوقي فاخوري في العام 1996·

تاريخ·· وإستثمار

في أيام الأتراك كان الحرج ملكاً لأهالي جزين، إلا أن البلدة أبت أن تدفع ضريبة للدولة التركية - أي "الميري" كما كانت تسمى في ذاك الوقت، فتطوّعت بلدة بكاسين، بمجموعة من عائداتها، فدفعت الميري، وبالتالي إستملكت الحرج، وهكذا أصبح الحرج في العام 1899 ملكاً لـ 12 عائلة من بكاسين قاموا بتقديمه في وقت لاحق للبلدية، التي أنشئت في البلدة، فأصبح ملكاً للبلدية منذ ذلك الوقت، ولها الحق بإستغلال موارده واستثماره·

واليوم، تقوم البلدية ببيع الثمر عبر مزاد علني، على أن يقوم المستثمر هو بقطف الثمر "على أمه" من الشجر وبيعه ولا دخل للبلدية به، والمردود وفق قانون البلديات يخصص الثلث لصندوق التحريش لحساب البلدية يوضع أمانات لدى وزارة المالية، ثم يصرف على إحتياجات الحرج مثل صيانته وتشحيله وتنظيفه وشق طرقات فيه، أما الثلثين الباقيين فهما من نصيب البلدية ويشكلان العمود الفقري المالي لها، وإلا لما إستطاعت فعل أي شيء له·

ويمتد موسم قطاف ثمره لأكثر من 7 أشهر، فهو يشمل 3 أجيال متتالية منه تلتقي على شجرة واحدة، أما رحلة حبة الصنوبر من الشجرة إلى الأسواق فطويلة بطول أشهر الموسم، فهناك شجرة تحمل 50 كوزاً، وشجرة تحمل 10 أكواز·

أما مراحل ما بعد القطاف، فهي عادة تجمع الأثمار على أسطح البيوت، وفي أوائل شهر أيار يتم البدء بفلشها على السطوح حتى يفتّح الكوز، فيجمع ويرسل إلى آلة الفرز، وعندما يفرز الحص عن الكوز يشمس ويخزّن بالمستودعات، ثم يغسل ويصول ويرسل إلى الكسارات تكسره وتسوّقه·

معاناة·· ومنتزه

عانى الحرج منذ سنوات من الإهمال الرسمي ومن تدفق مجاري الصرف الصحي من نحو 75 منزلاً، حيث هددت الأشجار وينابيع المياه العذبة التي تغذي البلدة، بيد أن البلدية سارعت بالتعاون مع جمعيات محلية ودولية إلى معالجة المشكلة·

وفي فصليّ الربيع والصيف، يتحوّل الحرج إلى منتزه للراحة والإستجمام والتمتع بجمال الطبيعة الخلابة، تقصده عائلات البلدة والمناطق المجاورة وصولاً إلى صيدا، نظراً لمناخه الجاف والصحي المشبع بالأوكسجين على مدار الساعة: ليلاً نهاراً، تنتشر فيه الروائح الزكية ويلفحه النسيم العليل بعيداً عن الرطوبة، لكنه بين الحين والآخر يواجه أخطاراً منها ما هو ناجم عن الظروف المناخية كالعواصف والثلوج أو من الحشرات التي تصيب شجرة الصنوبر، ومنها ما هو ناجم من أعمال بشرية مثل الحرائق التي كانت تخلّفها موائد النزهات تحت أفياء الصنوبر والتلوث سواءً الناجم من رمي النفايات الصلبة أو من تسرّب مياه الصرف الصحي والمياه المبتذلة·

سعد

ويقول رئيس بلدية بكاسين المحامي عبد الله سعد: إن صيانة هذه الثروة الوطنية والحؤول دون خطر إحتراقها مهمة لا يضاهيها بثقلها أية مهمة أخرى للمجلس البلدي، الذي يسعى دؤوباً للقيام بكل ما من شأنه المحافظة على سلامة هذه الغابة من الأخطار التي تهددها، بالرغم من الأوضاع المادية السيئة التي لا تلبي طموح المجلس البلدي ولا حاجات الغابة·

وأضاف: لقد إتجه المجلس البلدي نحو الجمعيات الدولية طالباً المساعدة على حماية هذه الغابة والإعتناء بها، فكان له مع مقاطعة P.A.C.A في جنوب فرنسا مرحلة تعاون أدت إلى تدريب بعض أبناء البلدة على القطاف والتشحيل، وتأهيل طريق ضمن الحرج لهواة المشي، وتنظيف منطقة معينة من أرضه، كما كان للإختصاصيين في المقاطعة دراسة عن كيفية الإعتناء بها وإدارتـــــها "Plan de gestion "·

وأوضح سعد "أنه بعد ذلك أثمر التعاون بين "إتحاد بلديات منطقة جزين" و"الإتحاد الأوروبي" على إقرار مشروع بيت الغابة - Maison de La foret في حرج بكاسين الذي من شأنه تطوير الإنتفاع بالحرج والأحراج المجاورة في السياحة البيئية وتسهيلها امام هواة الطبيعة وروادها، بعدما إستدرج الإتحاد الأوروبي عروضاً لتلزيم الدراسة التفصيلية للمشروع وكلفته تمهيداً لتنفيذ الأشغال اللازمة"·

وأشاد بدور الجيش اللبناني قائلاً: لن ننسى في هذا المجال ما قام به الجيش اللبناني من أعمال تنظيف في الحرج من جراء ما تسببت به العواصف الثلجية، بعدما كان المجلس البلدي قد شق عدة طرقات ضمن الحرج من شأنها فصل مناطق منه عن بعضها، الأمر الذي يحول دون إمتداد الحرائق ويسمح بوصول سيارات الإطفاء إلى داخله عند الحاجة"·

وقال سعد: أكثر من ذلك لقد إستحدث المجلس البلدي حاضنة لزرع بذور الصنوبر ونقل النصوب بعد فترة وزرعها في المساحات الفارغة ضمن الحرج، وذلك بقصد تجديده بصورة دائمة، وقد تجاوزت أعمال الزرع 10 آلاف شجرة حتى تاريخه، فضلاً عن أعمال تشحيل ما يربو على خمسة وعشرين ألف شجرة·

وأكد "أن المجلس البلدي يسعى بكل جهد لإيجاد مصادر تمويل تسمح بتخصيص مساحات معينة لرواد "البيكنيك" Pic-nic" ، وتأهيلها بشكل لا يحرم هؤلاء الرواد من الإستمتاع بطبيعة الحرج دون أن تبقى الأشجار تحت رحمة الجمر والنار"·

وتابع: إن الحرج جار قانونياً وفعلياً على ملكية بلدية بكاسين، ولكنه يعتبر في الواقع ثروة وطنية توجب على الدولة والمؤسسات والجمعيات البيئية مساعدة البلدية بكل ما يلزم لحمايته وصيانته وتنظيف أرضه وتشحيل الأشجار وتأمين كل الإحتياطات والسبل اللازمة للحؤول دون تعرضه لمخاطر الحريق·

وختم سعد بالقول: إن المجلس البلدي، إذ يطلق نداءاته المتكررة للمساعدة بهذا الخصوص ويأمل أن تصل هذه النداءات سريعاً إلى آذان كل المهتمين بالبيئة وفي طليعتهم وزير الزراعة، والسفارات والجمعيات البيئية عله يستطيع بمساعدتهم أن يقوم بما يجب لصيانة هذا الحرج والمحافظة عليه وتأهيله بصورة دائمة، فإذا كان العالم بأسره يسعى لمحاربة التصحر، فمن باب أولى أن نتعاون على تطوير هذه الثروة الحرجية والحؤول دون إنقراضها·

ثريا حسن زعيتر Th@janobiyat.com

مدخل بلدة بكاسين
مدخل بلدة بكاسين


تعليقات: