الأمـن يتهيأ لإتلاف الحشيشة ...والمزارع يتهيّب المواجهة

مزارعان في حقل مزروع بالحشيشة في البقاع الشمالي
مزارعان في حقل مزروع بالحشيشة في البقاع الشمالي


زراعة الحشيشة. إنها الجريمة التي لم توفّر الدولة لمزارعي

البقاع الشمالي بديلاً منها، والتي تستعد القوى الأمنية لإتلافها هذا العام. في المقابل، يعدّ المزارعون العدة للدفاع عن «أرزاقهم»، مطالبين بدعم الدولة للتخلي عن الممنوعات

البقاع ــ

عود على بدء، ملف إتلاف حشيشة الكيف في البقاع إلى الواجهة من جديد، وفي طياته «وجعة رأس» للقوى الأمنية، و«ترقب حذر» من المزارع، فيما التاجر يتهيّب لموسم جديد بعد الذي تمكّن من حصاده العام الماضي، عندما حاولت القوى الأمنية إتلاف الحشيشة واصطدمت مع زارعيها في عدد من قرى بعلبك ـــ الهرمل، فقررت صرف النظر عن الموضوع.

وإذا كانت القوى الأمنية تتهيأ لمرحلة الكشف والإتلاف أواخر الشهر المقبل، فإن المزارع أمعن اهتماماً بالحشيشة، فأمّن لها الري حتى يغدق عليه الدونم بدل القنطارين ثلاثة. وبما أن قنطار الحشيشة يعطي من هقتين إلى ثلاث (الهقة 1200 غ)، فإن الموسم سيكون جيداً وليس مرضياً كما في العام الماضي. وبالتالي، بات المزارع جاهزاً للمواجهة والدفاع عن «رزقه».

مصدر أمني رفيع أكّد لـ«الأخبار» أن القوة الأمنية مصممة على إتلاف الزراعات الممنوعة بداية آب المقبل. بدوره، أشار مصدر في البقاع إلى أن الأراضي التي زرعت بالحشيشة هذا العام تتراوح مساحتها بين 45 و50 ألف دونم، في حين أن المساحة المزروعة بالأفيون لم تتعدّ مئة دونم.

ولفت المصدر إلى أن مستحقات أصحاب الجرارات الزراعية الذين شاركوا بعمليات الإتلاف سابقاً دُفِعَت لهم، باستثناء عدد قليل جداً ستُدفع حقوقهم قريباً.

تجدر الإشارة إلى أن أصحاب الجرارات التي تستأجرها القوى الأمنية لإتلاف الحشيشة اشتكوا خلال العام الماضي من عدم دفع الدولة لمستحقاتهم عن الأعوام الثلاثة السابقة. وإضافة إلى ذلك، تلقى عدد منهم تهديدات في العام الماضي من أشخاص يشتبه في أنهم مزارعون كبار للحشيشة. وفضلاً عن ذلك، كان الجيش اللبناني منشغلاً في معارك نهر البارد، مما حال دون مؤازرته قوى الأمن الداخلي في الإتلاف. وبعد تعرّض «القوة التالفة» لإطلاق نار، تأجلت عملية التلف فتمكن المزارعون من قطف محاصيلهم.

من جهتهم، مزارعو حشيشة الكيف لم يتغيّر رأيهم بالإتلاف عما كان عليه في الأعوام الماضية، وهو يرتكز على «المواجهة ما لم تتعامل الدولة بجدية مع مشكلاتهم الزراعية ووضع حلول لها». وأكد أحد المزارعين أن موسم الأفيون «مرّ على خير»، معرباً عن اعتقاده بأن الحشيشة لن تُتلفَ أيضاً. وأشار إلى أن «عدداً كبيراً من مزارعي حشيشة الكيف ليس لديه سجل إجرامي، وهم يزرعونها حتى لا يجوع أبناؤهم»، مضيفاً أن المزارعين يترقّبون ما ستؤول إليه الأمور، «والسلاح سيدافع عن الرزق لأنه غال... انشحطنا من كتر الديون وما حدا عم يحس فينا».

مزارع آخر سكن خيمة أقامها عند أطراف حقله، وإلى جانبه بندقية «سمينوف»، أشار إلى أنه لا ينكر اضطراره مواجهة القوى الأمنية لو حاولت إتلاف «رزقه»، قائلاً «إن الدولة لا تقدّم لنا شيئاً. نزرع بطاطا أو قمحاً فلا تدعمنا ولا تساعدنا على التصريف، فكيف تريدني ألا أزرع الحشيشة أو الأفيون؟». وأشار حامل «السيمينوف» إلى أن الحشيشة لا تحتاج سوى إلى رش «القنبز» (الكيلو 1500 ليرة) من دون أسمدة أو مبيدات «ولا منروح ولا منجي، التاجر بيخادها بموسم القطاف». وطالب المزارع «الدولة بتحمل مسؤولياتها تجاه المزارع البقاعي، وعندها لن نزرعها وإن فعلنا فليأخذونا إلى السجن».

وإذا كان المزارع يحقق الأرباح لمجرد زراعة حشيشة الكيف وتأمين حمياتها حتى النضوج، فإن التجار يقع عليهم عبء التصريف الذي يبدو صعباً ويحتاج دوماً إلى مسارب جديدة وطرق مبتكرة، إضافة إلى سرية فائقة.

أحد التجار في بعلبك ـــ الهرمل أوضح لـ«الأخبار» أن هناك صعوبة حالياً في تصدير كميات كبيرة من الحشيشة إلى الخارج، وأن بعض التجار يعاني من كساد البضاعة فيما لو بقيت حتى العام المقبل، حتى إن بعضها قد «يُترّب» (يتلف) ما لم يكن موضباً بشكل جيد، مرجحاً مرورها هذا العام أيضاً «لانشغال الدولة بالحكومة والأحداث الأمنية».

وأشار إلى أن عمليات التهريب كانت تتم غالبيتها عبر الحوض الخامس في مرفأ بيروت، قبل التخلي عنها بسبب تشديد الإجراءات الأمنية. وأردف أن «التهريب اليوم يتم من خلال معابر مختلفة براً إلى سوريا ومنها إلى الأردن الذي يمثّل نقطة العبور إلى دول الخليج».

وكشف عن إحدى طرق التهريب التي اكتُشفت لاحقاً وضُبطت، وهي «توضيب الحشيشة بكميات لا تتجاوز الأوقية في أكياس محكمة الإقفال، وربطها بنبتة الملفوف قبل نضوجها. وبعد فترة الري، وتكوّن أوراق الملفوف وبدء التفافها حول الوسط الموجودة فيه الحشيشة، يُجنى المحصول بشكل طبيعي ليشحن بعدها ويصدر إلى الخارج».

وذكر التاجر أن سعر الهقة كان العام الماضي بحدود 800 $، أما اليوم فقد تراجع سعرها كثيراً، مسجلاً سعراً يتراوح بين 150 و200$ فقط، وعزا السبب إلى عدم توافر القدرة على التصريف بشكل مريح، وبالتالي لا طلب من التجار. نافياً أن يكون الاستعمال الداخلي للحشيشة «يتجاوز 2% على الرغم من الربح الوفير الذي تحققه، حيث يبلغ سعر «صاروخ الحشيشة» (السيجارة) 20 ألف ليرة، وبزنة لا تتعدى الغرام ونصف»، والسبب في عدم اعتماد هذه الطريقة هو «الخوف من أن يفشي المتعاطي اسم التاجر».

حقول الحشيشة ستكون محط أنظار من جديد مع الأيام المقبلة، خاصة مع اقتراب موعد القطاف نهاية آب المقبل، فهل سينصف المزارع وتلغى زراعة حشيشة الكيف؟ أم سنتابع لعبة إتلاف فمواجهة، فلا إتلاف؟

مزارعون مسلّحون في البقاع
مزارعون مسلّحون في البقاع


تعليقات: