سوق كتب بالية بطرابلس.. وأطفال بلا مدارس يتكدسون بالشوارع

الأسر غير قادرة على استيعاب التحولات الكبيرة في أسعار المستلزمات المدرسية (علي علّوش)
الأسر غير قادرة على استيعاب التحولات الكبيرة في أسعار المستلزمات المدرسية (علي علّوش)


تنتشر قرب ساحة النجمة في طرابلس مكتبات متلاصقة على رصيف واحد، وتكتظ في هذه الأيام الصعبة من بدء العام الدراسي بمئات أسر تصطحب أولادها بحثًا لهم عن كتب مستعملة. وهم يحملون أكياساً تحوي كتباً مدرسية استعملها أولادهم في السنوات الفائتة التي بالكاد تعلموا فيها، ويريدون استبدالها بكتب مستعملة للعام الدراسي الحالي، ودفع أقل مبلغ ممكن لقاء استبدالها.

ويقول أحد العاملين في هذه المكتبات الطرابلسية: "صرنا نشتهي دخول آباء يطلبون شراء كتب جديدة لأبنائهم".


راشيل من شكا

وهذه راشيل جاءت من شكا إلى طرابلس، باحثة عن كتب مستعملة لبنات شقيقتها اللواتي يبدأن عامهن الدراسي الأسبوع المقبل. تقول وهي تبحث في أكوامٍ الكتب: "كنا من زمان نسمع أن طرابلس بي الفقير. وقد حلّ الفقر كما لا نعرفه سابقاً". وتحمل راشيل بيديها بعض نسخ الكتب المهترئة، كما لو أنها عثرت على كنز.

وهي تشكو لـ "المدن" ويلات الانهيار الاقتصادي الذي سلب من الأهل وأولادهم فرحة تحضير العودة إلى المدارس، بحسبها. وتقول: "كنا في السنوات الماضية نبدأ التحضير للعام الدراسي قبل نحو شهر. نشتري الكتب والقرطاسية الجديدة، وما تحتاجه بناتنا من ثياب مدرسية وأحذية رياضية. أما الآن فبالكاد نفتش عن كتب مستعملة لاستبدالها بكتبنا المدرسية القديمة، ونكتفي بدفع فرق بسيط نجده باهظاً في أيام القلة هذه. فمداخيلنا لم تعد تكفي لشراء قوتنا اليومي".


جهان من ببنين

وجهان قدور جاءت بدورها من بلدة ببنين العكارية إلى سوق الكتب في طرابلس. وتحمل بيدها لوائح الكتب المدرسية لأولادها الستة في مدارس شبه مجانية. تجد بعض النسخ المستعملة، لكنها لا تشتريها. تخرج خائبة وحزينة، بعد سجالها الطويل والمرير مع صاحب المكتبة الذي لم يتنازل عن السعر الذي طلبه.

وقالت جهان لـ "المدن": جئت إلى السوق وفي حقيبتي 500 ألف ليرة لشراء حاجات أولادي من الكتب والقرطاسية، لكنها لا تكفي. ولا أدري ماذا أفعل.

وتشكو من رفع المدارس أقساطها. فبعدما كانت مدرسة أبنائها شبه المجانية تتقاضى 3 ملايين ليرة على تعليمهم سنويًا، تطالب اليوم بـ 8 ملايين ليرة. وتعبر عن معاناتها بغضب: "كيف نسدد هذه المستحقات كلها وراتب زوجي الشهري من عمله مليون ليرة؟! من يقف إلى جانبنا من هذه الطبقة الحاكمة التي أفلست البلد ونهبته وأفقرتنا، ولا يزورنا النواب إلا في الانتخابات؟ وهل المطلوب أن نحرم أبناءنا من التعلم ونكتفي بتوفير الطعام لهم؟".


تفاقم طبقية التعليم

ويقول صاحب إحدى المكتبات لـ "المدن" إن الأسر غير قادرة على استيعاب التحولات الكبيرة في أسعار المستلزمات المدرسية. وأن أصحاب المكتبات يمضون يومياً ساعات بشرح وتوضيح ملابسات هذا التحول.

فمن جهة، هم يلتزمون بالتسعيرة المعتمدة لدى دور النشر. وهي تستند إلى طرح وزارة الاقتصاد اعتماد نسبة 45 في المئة من سعر الكتب على سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي تجاوز أخيرا 17.5 ألف ليرة للدولار. ومن جهة أخرى، ارتفعت أسعار القرطاسية أكثر من 100 في المئة، لأنها مستوردة من الخارج بالدولار الأميركي. وحتى هذا الوقت ما زالت المكتبات شبه فارغة من كتب المدارس الرسمية، في انتظار طرحها في الأسواق.

ويكرس هذا الوضع طبقية التعليم في لبنان ويفاقمها ويرفعها إلى ذروة غير مسبوقة. فهو لم يعد متاحاً إلا لفئات محدودة دون سواها. ولم يعد يسع تلامذة وطلاباً كثيرين الانتقال بالباصات إلى مدارسهم. فألوف الأسر تعجز عن توفير بدل نقل لأبنائها، بعدما صار يعادل الأقساط المدرسية نفسها سنويا، بسبب رفع الدعم عن المحروقات.


حق العودة إلى المدارس

جولة سريعة في شوارع مدينة طرابلس وأحيائها الشعبية، التي يعيش أكثر من 75 في المئة من سكانها تحت الفقر المتعدد الأبعاد، بين أن كثرة الأطفال والأولاد ينتشرون في الأزقة والشوارع.

بعضهم يجوبون الطرق للتسول بوجوه شاحبة. آخرون يلعبون هرباً من ضيق منازلهم وعتمتها نتيجة انقطاع التيار الكهربائي. وهم على هذه ينتظرون "حق العودة" إلى المدارس الرسمية التي ما زالت أبوابها مغلقة، في انتظار الحلول التي تعمل وزارة التربية عليها. وهي تأخرت كثيرًا في وضع خطة تحاكي حجم الأزمة الحالية.

تعليقات: