مصارف أجنبية تمتنع عن تحويل الأموال إلى لبنان

المصارف اللبنانية متورطة في ما آلت إليه الأحوال في البلاد
المصارف اللبنانية متورطة في ما آلت إليه الأحوال في البلاد


لا تستعجل المصارف المُراسِلة Correspondent Banks إعادة تفعيل علاقاتها بالمصارف اللبنانية. فأسباب تقليص العلاقة وصولاً إلى قطعها، ما زالت على حالها. كما أن حكومة حسان دياب زادت الوضع سوءاً بقرارها عدم دفع سندات اليوروبوند، وحكومة نجيب ميقاتي مشكوك بقدرتها على ابتداع المعجزات قبل الانتخابات النيابية في آذار المقبل.

وعدم الاستعجال يزيد الضغط على القطاع المصرفي من جهة، وعلى المواطنين والمستثمرين اللبنانيين، ومن يرغب في تحويل الأموال إلى المصارف اللبنانية. فالمصارف الأجنبية تمتنع عن تحويل الأموال إلى المصارف اللبنانية، لأن القناة الوسيطة المتمثلة بالمصارف المراسلة، مسدودة.

الوقائع أقوى من التكتّم

قرار المصارف المراسلة تغيير علاقتها بالمصارف اللبنانية، ليس وليد الانهيار المتسارع منذ نحو سنتين، فالمؤشرات السلبية ملتَمَسة من خلال التصنيفات الائتمانية المتراجعة، بالإضافة إلى التخوّف من استعمال حزب الله المصارف اللبنانية لتغطية حركة أمواله، عن طريق رجال الأعمال المحسوبين عليه والمنضوين تحت لوائه. كما أن المصارف اللبنانية والأجنبية غير قادرة بصورة مطلقة على ضبط هذه الحركة. الأمر الذي ترفضه المصارف المراسلة، وتفضّل تقليص علاقتها مع المصارف اللبنانية، وحتى قطعها بشكل نهائي. وهو ما يجري حالياً. إذ يسجّل لبنانيون امتناع المصارف الأجنبية عن تحويل أموالهم إلى المصارف اللبنانية، بسبب رفض المصارف المراسلة تغطية هذه التحاويل.

المصارف اللبنانية تتحاشى الإعلان عن الرفض. وهي توقّفت عن إعلان قائمة البنوك المراسلة التي تتعامل معها، فلا قائمة محدّثة حالياً، فيما كانت تُنشَر وتحدّث دورياً، فمن مصلحة أي مصرف الإعلان عن المصارف المراسلة التي يتعامل معها، لما لذلك من تأكيد على الثقة الخارجية بهذا البنك. وليست المصارف الصغرى أو الوسطى وحدها من تواجه هذه الأزمة، بل تطال المصارف الكبرى أيضاً.

رغم التكتّم، لا تنفي المصارف اللبنانية موقف المصارف المراسلة. كما أن إعلان التجار وأصحاب الأموال اللبنانيين، عن رفض المصارف الخارجية التحويل، يمنع إنكار الأزمة. فيبقى تلافي الخوض في تفاصيلها بشكل علني، أهون الشرور.

الحكومة عاجزة

يمتد موقف المصارف المراسلة إلى مصرف لبنان، إذ بقي نحو مصرفين أو ثلاثة يقبلون التعامل مع المصرف، ما يُبقي قناة الاستيراد والتصدير مفتوحة، لكن لا شيء مضموناً. الأمر الذي يجعل المخاطر قائمة بالنسبة لتهديد الإستيراد والتصدير وإدخال الدولار إلى لبنان، وهذا ما يضغط على القطاعات الاقتصادية كافة وعلى الواقع الاجتماعي للأسر.

من هذه النافذة، تطل مصادر في جمعية المصارف لتقول في حديث لـ"المدن"، بأن موقف المصارف المراسلة تفاقم جرّاء "عدم دفع الدولة ديونها، وبالتوازي تحرك القضاء اللبناني باتجاه القضاء الفرنسي والسويسري للتحقق من الأموال المحوّلة للخارج، وفتحت الملفات في فرنسا وسويسرا وتبلّغ المصرف المركزي ضرورة معرفة أرقام التحويلات وأسماء أصحابها، ما أفقد المصارف المراسلة الثقة بلبنان، رغم أن التحويلات قانونية، لكنها غير أخلاقية". وأضافت المصادر أن المصارف المراسلة باتت "تتخوّف من مصادر الأموال المحوّلة، فتفضّل عدم تغطية التحويل عن المجازفة بأن تكون التحويلات ناتجة عن عمليات تبييض أموال أو عمليات غير شرعية".

"لا حاجة للمصارف المراسلة بالمجازفة"، تقول المصادر. وتشير إلى أن "لبنان ليس بلداً كبيراً ولا يؤمّن أرباحاً كثيرة، تغري بالتعامل معه". أما التعويل على تفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي لعودة المصارف المراسلة عن قرارها، فهو أمر صعب لأن "أولى مطالب الصندوق هي توحيد سعر صرف العملة، والحكومة لا وقت لديها لتنفيذ مطالب الصندوق قبل الانتخابات النيابية. فضلاً عن أنها لم تضع جدولاً لسداد الديون، حتى على مدى 100 عام".

المصارف متورّطة أيضاً

وإذ ترمي المصادر المسؤولية على الدولة، يتساءل الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي عن دور المصارف في الاقتصاد، وتالياً في إيصالنا إلى الانهيار الحاصل.

ويشرح في حديث لـ"المدن"، أن "الأفراد والشركات يتّجهون للمصارف لتلعب دوراً وسيطاً بين أصحاب الرساميل ومحتاجي المال للاقتراض، سواء للاستثمار أو الاستهلاك. وهذا الدور لم تلعبه المصارف اللبنانية التي لم تسهر على الودائع ولم تسلّم الأموال لمن يستحقها عبر القروض ولمن يستطيع إعادتها، مع فوائد معقولة ومنطقية، بل تواطأت مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في جذب الودائع بفوائد مرتفعة وتوظيفها لدى مصرف لبنان بفوائد أعلى. وبالتالي، خرجت المصارف عن دورها الطبيعي في بناء الاقتصاد وفي إقراض من يجب إقراضه، وفضّلت الدولة الفاسدة على القطاع الخاص المنتج والجدّي، وعلى من لديهم مبادرات واستثمارات للمساهمة في حجم الاقتصاد وتوفير فرص العمل".

شلّ الحركة وارد

"تتوهّم المصارف اللبنانية أن تورّطها غير مكشوف. لكن العالم الخارجي برمّته يعلم ويرى. والمصارف الخارجية تعرف كيف تتعامل المصارف اليوم مع مودعيها، كيف تفرض عليهم شروطاً وكيف تحجب عنهم الدولارات، وهي ممارسات مرفوضة في الخارج. ولذلك، المصارف اللبنانية أصبحت زبوناً متهالكاً بالنسبة للمصارف المراسلة، حتى وإن كانت أموالها مؤمّنة. فالمصارف المراسلة لم تعد تريد التعامل مع المصارف اللبنانية، لأن القطاع المصرفي عبارة عن ثقة وإدارة وأخلاق وإنتاجية ودور بِنَاء وليس هدم".

ولا يستبعد يشوعي قطع المصارف المراسلة المتبقية علاقتها بالمصرف المركزي. ولا تلتفت تلك المصارف لعملية التفاوض مع صندوق النقد بوصفها مدخلاً لحل الأزمة اللبنانية، فمن يفاوض الصندوق هو سبب في الأزمة "ومن داس على رقابنا لا يزال يدوس عليها وعلى أجسادنا".

ويضع يشوعي مغادرة بنك حبيب الباكستاني، في خانة الإطباق على المصرف المركزي. والبنك الباكستاني موجود في لبنان منذ العام 1964. والمغادرة تؤشّر إلى تضييق أفق الاستيراد والتصدير وتحويل الأموال للعائلات.

ماذا بعد؟ "لن يكون مستغرباً لجوء عدد من الشركات إلى تجميع أموالها والاستيراد المباشر وليس تحويل الأموال عبر المصارف. وهذا يُنهي ما تبقّى من اقتصاد، خصوصاً وأن الشركات العالمية المتواجدة في لبنان، لن ترضى الغوص في هذه اللعبة وسط سوق صغير ومتأزّم".

تعليقات: