مجزرة بحق غابات عكار


منذ مدّة، وأشجار غابات #عكار التي فتكت نيران الحرائق بأجزاء أساسيّة منها، وخاصّة تلك التي حصلت في غابات القبيّات وعندقت وأكروم والرويمة ووادي جهنم وفنيدق وعكار العتيقة وجديدة القيطع وسفينة القيطع وبزال وغيرها من المناطق، ورُمّدت بنتيجتها عشرات آلاف الأشجار في مئات الهكتارات من الغطاء الأخضر. تتعرّض هذه الغابات اليوم أيضاً، لأبشع أنواع القطع الجائر على يد تجّار مجهولين وآخرين معروفين، يعبثون بثروة هذه المنطقة الحرجية دون رادع أو خوف من قانون، ويقطعون أشجارها الدهرية المعمّرة تحت حجّة الحاجة إلى الحطب للتدفئة، وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعار المحروقات، وعدم توفّرها في السوق المحلية. ليرتفع بذلك سعر طنّ الحطب الى مستوى سعر المازوت، الأمر الذي بات يهدّد غابات بأكملها، تتسابق على الفتك بها مناشر الحطابين، التي يملأ ضجيجها الغابات، في ظلّ غياب شبه كلّي لأيّ عين مراقبة من قبل الأجهزة الأمنية، والوزارات المعنيّة، كوزارتي الزراعة والبيئة، والبلديات.

في وقت تجهد الجمعيات والهيئات والمجالس البيئية في سبيل وقف حال النزف الحاصلة والعمل على حماية ما تبقّى من المساحات الخضراء.

ويشار إلى أنّ أحراج بلدة فنيدق في أعالي عكار، تعرّضت يوم أمس وخلال الأيام الماضية، لأعمال القطع الجائر التي طاولت هذه المرة أشجار اللّزاب والشوح الدهرية، وغيرها من الأشجار الحرجيّة، بهدف الإتجار غير المشروع بالحطب.

وتعليقاً على ما تشهده غابات فنيدق من قطع جائر وانتهاك غير مسبوق للثروة الحرجية، قال رئيس بلدية فنيدق الشيخ سميح عبد الحي: "سعينا منذ أسابيع إلى تشكيل لجنة هدفها مراقبة الاحراج ومنع القطع العشوائي للأشجار المعمرة والنادرة". و"تابعنا هذا الأمر مع وزير الزراعة السابق لمساعدتنا بشتّى الطرق والوسائل، وطالبنا الجهات الأمنية أن تقوم بالعمل معنا لهذا الغرص سيّما وانّ هذه الثروة هي وطنية قبل أيّ أمر آخر".

ولفت إلى أنّه "يوجد لدينا عنصران فقط مولجان بالأحراج، ولا يمكن لهما ضبط وتغطية المساحة الشاسعه للغابات، وما يزيد من تعقيد الأمر فقدان المحروقات ونفاذها من خزّانات البلدية حتى للآليات الصغيرة مما يجعل التنقل صعباً وغير متاح حتى للشرطة".

أضاف: "لقد توجّهنا بنداءات إلى الجهات المعنية للعمل على تأمين المازوت للمواطنين بغرض التدفئة حتى نُسقط الذرائع عن قاطعي الأشجار بحجّة التدفئة. وفي ظلّ هذا التجاهل من قبل المسؤولين لمطالبنا، نقف عاجزين، وهذا ما ذكرناه سابقاً عن حماية الغابة وأشجارها".

هذا وأطلق عبد الحيّ نداء استغاثة أخيراً حيث قال: "نضع هذا الأمر بين يدي كلّ غيور على هذه الثروة، أن يمدّ لنا يد المساعدة، قبل أن تقع الكارثة التي لا مفرّ، من حدوثها في ظلّ الفتك الجائر بأشجار عمرها مئات السنوات".

من جهته، رئيس مجلس البيئة في القبيات - عكار الدكتور انطون ضاهر قال: "لطالما شكّلت الغابة مصدر الطاقة الوحيد للبشرية جمعاء، حتّى الثورة الصناعية. بقي أهلنا وأجدادنا يلجؤون إلى موارد الغابة من أجل التدفئة، الطهي، غسل الثياب وكلّ عمل يتطلّب طاقة ما، وذلك حتّى منتصف القرن الماضي، وفي بعض الأماكن حتى السبعينات، كان خشب الغابة سابقاً هو نفط اليوم، الذي من أجله تقف ساعات في الطوابير التي لا تنتهي".

وأضاف: "على الرغم من هذا الاتّكال الأساسيّ في السابق على هذه الموارد الطبيعية، بقيت الغابة بألف خير وورّثها الأجداد إلى الأحفاد سليمة مزدهرة. والسرّ في ذلك أنّهم كانوا يعرفون كيف كان عليهم أن يتعاملوا مع الأشجار من أجل استدامة هذه الطاقة المتجدّدة. فكانوا يعرفون كيفية تفريد السنديان وتشحيل الصنوبر. لم يلجؤوا قط إلى القطع في سبيل ربح سريع، و كان كلّ بيت يأخذ ما يلزم حاجته فقط من دون التسبّب بضرر جسيم للشجرة التي، إن ماتت، سيموت مورد الطاقة الذي لا مورد غيره في ذلك الزمن".

وتابع ضاهر: "أمّا اليوم، فلقد اندثرت ثقافة التعامل المستدام مع الغابة التي لم تعد تشكّل للبعض سوى مصدر نفع مادّي آني، على شكل ضروب الانتفاع غير المشروع من تهريب وغشّ وما إلى ذلك من أشكال الفساد المستشري.

فيقطعون الشجرة المعمّرة ويبيعونها لكسب نصف مليون ليرة، وانتهى البيان".

أمّا كيف سنستمرّ في السنة القادمة، فهذا سؤال غالباً ما يكون جوابه: (خلّينا عايشين وبكرا منشوف).

ولفت ضاهر إلى أنّه "وفي ظلّ أزمة الطاقة الحالية المستفحلة، لا بد لنا من العودة إلى الغابة الكريمة المعطاء من أجل أن نمضي فصل الشتاء. لكن ما نشهده في بعض الغابات لا يطمئن أبداً. وهذا القطع للأشجار في غابة عودين التي احترقت، مع العلم أن قانون الغابات يحرّم ذلك، وأن بقاء هذه الأشجار الميتة أساسيّ لعودة الاخضرار ولتثبيت التربة ولحماية صغار الاشجار التي نبتت أو ستنبت. وأيضاً للمساعدة في عودة الحيوانات إلى الغابة، مع ما لكلّ حيوان من دور أساسي في التوازن الأيكولوجي في الغابة. تقطع هذه الأشجار على مرأى وعلم من كلّ السلطات المحلية والوطنية من دون أيّ ردة فعل. وفي غابات عكار العتيقة هناك حملات تشحيل للصنوبر من أجل التدفئة. الفكرة جيدة والالتزام بعدم قطع جذوع الشجر جدي. لكن المشكلة أنّ التشحيل قاس جداً، وغير مراقب في بعض الأحراج، إذ لا يجوز أن نشحّل أكثر من ثلث ارتفاع الشجرة، في حين هناك من شحّل ستة أمتار في صنوبرة تاركاً منها متراً واحداً من فوق، مهدّداً إياها باليباس القريب. وفي أحراج القمّوعة يجري قطع أشجار شوح وعزر ولزاب وصنوبر، بالرغم من جهود البلدية لمنع القطع".

أضاف: "برأينا يجب أن يصدر قانون جديد من المجلس النيابي يعدّل فيه القانون القديم، موقّتاً لمدة سنة، يُسمح من خلاله للمواطنين بالتفريد في غابات السنديان والتشحيل في غابات الصنوبر، على أن تقوم وزارة الزراعة بواسطة مآمير الأحراج، بتحديد مناطق هذه الأعمال والتطبيق يكون أيضاً بالتعاون مع البلديات وقوى الأمن والجمعيات المحلية".


تعليقات: