عدنان سمور: الإنتصار بالأخلاق

المهندس عدنان إبراهيم سمور
المهندس عدنان إبراهيم سمور


ما يجري في منطقتنا من صراع بين قوى ناهضة في مجتمعات المستضعفين الذين يعانون منذ ما يزيد عل الخمس مئة عام نتيجة تعاقب احتلال بلادهم من قبل قوى ظالمة كل همها السيطرة ونهب الثروات وبين قوى الهيمنة الإستعمارية المعاصرة صاحبة التجارب العميقة تاريخيا في اضطهاد وإخضاع الشعوب المستضعفة على إمتداد العالم وقد وصل هذا الصراع اليوم إلى مرحلة بدأت تظهر فيها بشائر نصر الشعوب الناهضة في منطقتنا وهنا أي في مرحلة إقتراب تحقق الإقتدار والتمكن والسيطرة لمحور المقاومة على أعدائه وامتلاك اسباب القوة المادية الحاسمة المتمثلة بالسلاح والعديد والمال والمؤسسات والبنى التحتية المتينة والمتماسكة يبدأ ظهور النوايا المبيتة لدى قادة وجماهير مجتمع المقاومة وينكشف المستور الذي اضطروا الى تخبئته وإخفائه في مراحل الضعف السابقة والتي اتهمهم بها اعداءهم ومنافسيهم وحاولوا توقعها بكل ما اوتوا من قوة واقتدار وإعلام وخداع وتضليل وتشويه وتشهير وكيد ونكاية . والذي يجري اليوم كشف أن قيادة وعناصر ومجتمع المقاومة أنتجوا منهجا جديدا إبداعيا في المقاومة الأخلاقية حتى الإنتصار الحاسم وهذا أسلوب لم يألفه البشر إلا في حالات نادرة من التاريخ .

ومن هذه الحالات النادرة كانت تجربة رسول الرحمة محمد ص الذي توقع أبو سفيان وعتاة قريش ان هدفه من وراء مشروع نبوته ودعوته الى الإسلام الحنيف هي تزعم قريش والإستئثار بمقدراتها ومواردها ونفوذها بين القبائل لذلك عرضوا عليه تقاسم هذه الغنائم ومشاركته بها فقال كلمته الشهيره يومها"والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما فعلت".

فاتهموه بالجنون واتهموه بالكذب والسحر وشتى أنواع الرذيلة ودارت الأيام وطال الصراع ومكَّن الله رسوله من قريش وبدل ان تصدق توقعات ابو سفيان واصدقاؤه العتاة إذ برسول الله يفاجىء العالم بموقفه المتسامح المتجاوز لكل الأحقاد والضغائن وخسارة الأحبة الغوالي كحمزة وجعفر وياسر وسميا وشهداء أعزاء بكاهم دما وإحترق قلبه لأجلهم وقال لقريش الظالمة " إذهبوا فانتم الطلقاء " وقال " من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن ".

وهذا ما فعله حزب الله بعد تحرير العام الفين إقتداء برسول الرحمة في الشريط المحتل وأهدى انتصاره وتضحياته الى كل لبنان والى كل اللبنانيين وهذا ما فعله حزب الله مع كل الذين حاربوه في الداخل خلال تاريخه الطويل وهذا ما يفعله اليوم في احتضان مجتمع المستضعفين كل المستضعفين على امتداد الوطن من أقصى شماله مرورا بجبله وصولا إلى أقصى الجنوب وترى قيادة حزب الله تفكر بأمن الوطن وتأمين الغذاء والدواء للناس وتخطط لتدفئتهم في فصل الشتاء وتعوض على شهداء وجرحى حادثة التليل في شمال لبنان عندما قصرت الدولة في أداء واجبها معهم هناك . وتحمي نفط لبنان في بحره بكل قوة وعزة وتقدم المبادرات الإنقاذية دون كلل أو ملل ويرفض السياسيون في بلادي معظم هذه المبادرات فقط لخوفهم من تهديدات سفيرة اميركا في لبنان ولا يتعضون ولا يخجلون من ارتهانهم وضعفهم وجبنهم امام مواطنيهم وامام مقاوميهم وتتجاوز المقاومة وتتفهم رغم اقتدارها ، كل ذلك حرصا على وحدة البلد والمصير المشترك الذي ارتضيناه في هذا الوطن النهائي لنا ولهم ولأبنائنا وأبنائهم .

عندما يشاهد المرء تصرفات بهذا المستوى من قبل المقاومة وسيدها ومجتمعها ويشاهد اداء اخصامها عندما جاءتهم فرصة الإستقواء بأعداء الوطن على شركائهم في الوطن افتعلوا المجازر في صبرا وشاتيلا وفي تل الزعتر وفي مواقع كثيرة وعندما نشاهد اداء الصهاينة مع الفلسطينيين المعذبين المضطهدين حيث السجون والتعذيب والحصار الأمني والإقتصادي وتدمير العمران وعدم اتاحة الفرصة لإعادة الإعمار وعندما نرى ما فعلت اميركا في العراق وسوريا من جرائم ومجازر ومعتقلات تعذيب وما تفعل في اليمن وافغانستان وليبيا من تدمير وتخريب وتمزيق ونشر للرعب يظهر الفرق واضحا جليا بين مدرسة ليس لديها الا القوة والقسوة والهيمنة كأدوات لتحقيق الأنتصار وليس للأخلاق لديهم دور إلا في استخدامها للدعاية والتضليل ورفعها شعارا فارغا من اي مضمون او حقيقة،هذه المدرسة هي مدرسة قوى الهيمنة والإستعمار والتسلط على العالم. أما مدرسة مجتمع المستضعفين المؤمنين في منطقتنا فإن الأخلاق أصيلة في بنيتها الفكرية والعقائدية وهذه الأخلاق باتت تشكل ترسانة توظف في مشروع المقاومة وتحقق إنتصارات حاسمة من خلال كشفها زيف الأعداء وقبحهم وسوء سريرتهم ونواياهم إتجاه المجتمعات الطامحة الى التحرر والنهضة والتقدم وهذا السلاح الأخلاقي بات اليوم يفهم بوضوح وبدلالات جديدة مبنية على قراءة جديدة لحديث رسول الرحمة محمد ص الذي قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فمكارم الأخلاق تحفظ العلاقات الودية التراحمية والحياة الطيبة لبني البشر كما تبرز مصداقية الشعوب المؤمنة المضحية وتفضح مؤامرات وإشاعات وأضاليل الأعداء.

قال تعالى في كتابه المجيد

"الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر"

صدق الله العظيم

عدنان إبراهيم سمور

باحث عن الحقيقة

17/09/2021

تعليقات: