أصبح عندي الآن DSL!

أصبح عندنا الآن «DSL» يمكننا أن نحارب فيه كل من يريد النيل من قدرات أبناء الأرز في الابتكار الالكتروني أو دخول عصر المعرفة الرقمية. يمكن اليوم أن ينام اللبنانيون قريري العين فقد أصبحوا قادرين على دخول الانترنت من باب نطاقه العريض بعد أن كانوا لسنوات حبيسي «الدايل ـ أب» وتحت رحمة خط الهاتف وخطر انقطاع الاتصال كلما أرادوا تنزيل حزمة معلومات عن الانترنت أو إرسال بريد إلكتروني ثقيل بعض الشيء. لا مشكلة إن كانت كل الدول العربية قد سبقتنا إليه، الصديقة منها والشقيقة، منذ سنوات، المهم أننا لحقنا بها اليوم. لكن السؤال الذي يطرح، وقد انتفت نظرياً أسباب «النق» حول بطء الشبكة، هل أن هذا الخبر سوف يرفع من عدد مستخدمي الانترنت في لبنان إلى أكثر من 700 ألف مستخدم؟ لا سيما وأن الأخبار المتداولة حول المشاكل التقنية التي ما زالت تواجه مزودي الخدمة تتحدث عن قدرة محدودة للاشتراكات في المرحلة الأولى بحيث لا تتعدى 3000 مشترك. والسؤال الأهم هل هذا الواقع سيدفع مزودي خدمات الانترنت ووزارة الاتصالات إلى الاتعاظ من تجارب دول مجاورة وخفض كلفة الانترنت عبر الهاتف Dial-up بحيث يشجع ذلك من هو غير قادر على دخول عصر الخدمة السريعة، إما بسبب كلفتها، أو لعدم قدرة الشركات على تلبية احتياجاته، على الاعتماد على الخدمة القديمة؟

صحيح أن الكثيرين كانوا يحلمون بهذا اليوم الذي يصبح دخول الانترنت والتنقل فيه أسهل إلا أن بعض الأرقام المنشورة مؤخراً تشير إلى أن هذه الخدمة ستكون، على الأقل في المدى المنظور، محصورة بذوي الدخول العالية. فحساب بسيط لكلفة الحصول على سرعة K256 (وهي السرعة الوسطية الأدنى للمستخدم المنزلي) يشير إلى أن المستخدم سيدفع 100 دولار أول مرة ثم حوالى 40 دولاراً شهرياً للحصول على هذه الخدمة. صحيح أن الكلفة الشهرية لا تزيد إلا قليلاً عما يدفعه المشترك اليوم في خدمة الإنترنت عبر الهاتف إلا أن ذلك لا ينفي الحاجة إلى إعادة النظر في أسعار الخدمتين.

وللمقارنة تشير أرقام دراسات لسوق الانترنت في المنطقة العربية إلى أن معدل كلفة الاشتراك للحصول على سرعة 256 كيلوبيت في المنطقة العربية يصل إلى 80 دولاراً شهرياً. مع العلم أن أعلى كلفة شهرية سجلت في سوريا (135 $) والأقل كلفة في مصر (17$). والدولتان تقدّمان هذه الخدمة بالإضافة إلى 11 دولة عربية أخرى منذ أكثر من 3 سنوات. ولعل الحديث عن المثال المصري يظهر قليلاً صعوبة الموقف في لبنان. فقد اعتمدت مصر منذ حوالى الخمس سنوات مبدأ مجانية الإنترنت أي أن شركات مزودي خدمة «الدايل ـ أب» عبر الهاتف لا تتقاضى أي رسوم شهرية من المستهلك. وتنحصر قيمة الفاتورة بعدد ساعات الاستهلاك عبر الهاتف وهو ما يدفعه المستخدم مع فاتورة هاتفه العادي وإنما بتعرفة للدقيقة لا تتعدّى نصف قيمة تعرفة دقيقة التخابر العادية. وتأتي أرباح الشركات التي تقدّم الخدمة من خلال الحصول على نسبة من قيمة كل فاتورة إنترنت تتقاضاها شركة الهاتف الثابت. ونجاح هذه التجربة دفعت عدداً من الدول العربية إلى التفكير في اعتمادها.

ومع دخول خدمة الانترنت السريع «DSL» إلى مصر بقيت الحال على ما هي عليه بالنسبة «للدايل ـ أب» وإنما بدأت أسعار الخدمة في الانترنت السريع تتناقص مع الوقت حتى وصلت اليوم كلفة الحصول على سرعة 256 كيلوبيت إلى حوالى 17 دولاراً شهرياً فقط مما يجعل الخدمة في مصر هي الأقل كلفة في المنطقة. هذا مع العلم أن الحديث يتزايد عن قرب طرح سرعة 512 كيلوبيت في مصر بالسعر نفسه أي 17 دولاراً شهرياً خلال الأشهر القليلة المقبلة. ناهيك عن أن التنافس بين الشركات يتزايد، ليس في سعر الخدمة وإنما في نوعيتها ونوعية الخدمات الملحقة بها لا سيما خدمة الصوت والصورة عبر الانترنت، وهي خدمة يبدو أنها ستبقى بعيدة عن اللبنانيين بسبب سياسة احتكار الاتصالات الصوتية لأوجيرو فقط.

إلى ذلك فالسؤال الآخر الذي يمكن طرحه هو حول قدرة خدمة «DSL» على منافسة خدمات الانترنت اللاسلكي عبر الأقمار الاصطناعية التي شهدت انتشاراً واسعاً في لبنان في السنوات الأخيرة بسبب ضعف خدمة الانترنت عبر الهاتف. وبالمقارنة أيضاً بين كلفة هذه الخدمة وكلفة «DSL» نجد أنهما متقاربتان مما يعني أن مزودي «DSL» عليهم القيام بما هو أكثر من مجرد تأمين الخدمة من أجل منافسة مزودي الخدمة اللاسلكية.

هذا مع العلم أن الاشتراك في أي سرعة من سرعات الـ«DSL» لا يعني في الواقع الحصول على هذه السرعة في تنزيل المعلومات أو إرسالها. فهذه النقطة ترتبط بمدى قرب أو بعد المستهلك من مركز تقديم الخدمة أو السنترال وكذلك بعدد المستخدمين الذين يدخلون شبكة المزود في الوقت نفسه. ومع ذلك فهي تبقى أسرع من الإنترنت عبر الهاتف وأقل حرقاً للأعصاب والوقت.

وإذا كنا جادين للدخول في «اقتصاد المعرفة» كما قال وزير الاتصالات خلال إطلاق الخدمة فإن الاتصال السريع والمتوفر بأسعار مقبولة للناس، بالإضافة إلى أجهزة الكومبيوتر الزهيدة الثمن هو ما نحتاج أن يكون متوفراً لأكبر شريحة من المواطنين وإلا يكون هذا الكلام مجرد ضرب من ضروب الشعر لا يساهم فعلاً في دخول اللبنانيين عصر المعرفة الرقمية لا سيما وأن فاتورة الهاتف العادي والخلوي هي من بين الأعلى في المنطقة، فما بالك إذا ما أضيفت إليها فاتورة الانترنت؟

تعليقات: