زراعة المحار.. فن وتجارة


المزارع أشبه ببوتيكات للأثرياء فقط..

نيويورك:

من العيب أن تقوم بإظهار فاتورة من مطعم غراند سنترال أويستر بار عندما تكون واقفا على السواحل الهادئة في أرض قبيلة شاينكوك الهندية.

فقد كان أجداد هذه القبيلة يعيشون على جمع المحار من الشواطئ الشرقية من لونغ آيلاند منذ قرون، من دون مساعدة من المتخصصين ومن دون بطاقات ائتمان.

وقد فكرت مادلين رودجرز، وهي عضو مجلس القبيلة المسؤولة عن إدارة مزرعة المحار التي أنشأتها قبيلة شاينكوك منذ ثلاثة أعوام، في سعر المحار الموجود على طول لونغ آيلاند في مانهاتن دولارين و5 سنتات.

ثم نظرت إلى الخليج، حيث تمتلئ الحقائب والأواني بحوالي 250.000 من المحار، ويتوفر فيها الكثير من اللحم، استعدادا لموسم المحار الذي لا يلقى تقديرا لائقا. ويبدأ هذا الموسم في مايو (أيار) وينتهي في يونيو (حزيران). ومن دون شك سوف تهبط أسعار المحار سريعا. فشهية نيويورك للمحار ممتدة منذ زمن طويل، تزيد وتقل مع الكميات التي تنمو في المزارع القريبة.

وأصبح الآن أمام محبي المحار في نيويورك الذين يرغبون في زراعته في حدائق منازلهم الخلفية خيارات متعددة لم تكن متاحة من قبل.

ومع تشجيع برامج التربية السمكية في الولاية وحركة الغذاء المحلية، بدأ مربو المحار في نيويورك، الذين كانوا في الماضي يعتبرون أنفسهم من الهواة، يعرضون محارهم في الأسواق التجارية المجاورة.

ومنذ عام 2000 وصل عدد المزارع السمكية التي صرحت بها الولاية إلى 51 بعد أن كانت 38، ويتضاعف عدد المحار المنتج فيها.

«يبدو أن الشمال الشرقي هو موقع الأحداث الآن»، هكذا أشار روان جاكوبسن مؤلف «جغرافية المحار»، الذي يدرس أكثر من 200 نوع من المحار في أميركا الشمالية.

وأضاف بأن المحلية الشديدة في كل شيء أدت إلى اكتشاف أماكن زراعة المحار مثل خليج ميكوكس وبيايبس كوف وسادل روك.

وفي المياه المجاورة للونغ آيلاند، يزرع الأشخاص المحار في قطع أراض صغيرة بمساحة 5 أفدنة، ليحتوي على كمية لحم أكبر من محار الأطلنطي المعتاد، كما أنهم يعدونه بالشكل الذي يجعل الصدف نظيفا وغليظا.

وتوفر أساليب الرعاية الجيدة وقاية من الأمراض. ويتفهم زارعو المحار الجدد المتغيرات مثل جودة الماء والمد والجزر والعناية بالصدف واختلاف المواسم. ونتيجة لذلك، يستطيع متناولو المحار التعرف على الخصائص المميزة لكل نوع. ويقول جاكوبسن: «سترى أفضل محار من نوع فيرجينيكا كما لم تره من قبل».. «في الحقيقة، يمكنك انتقاء أسماء معينة».

ونوع المحار الذي يشير إليه هو كراسوستريا فيرجينيكا، أو المحار الشرقي. وتشتهر ثلاثة أنواع من المحار في الساحل الغربي، لكن في الشرق، يفوق فيرجينيكا شهرة الجميع.

وفي مانهاتن وبروكلين، حيث يقدم عدد كبير من المطاعم أنواع المحار الموجود في الساحلين، تضيف بعض المطاعم الكثير من محار نيويورك إلى هذا الخليط.

ويرفض البعض تقديم محار الساحل الغربي. فقد وجد بيتر هوفمان، الطاهي ومالك باك فورتي في مانهاتن، أن هذا المحار كثير الدهون والدسم. وهو يحب ملوحة محار فيرجينيكا، لكن بعد تذوق 20 نوعا من محار الشمال الشرقي، وجد أن مذاق المحار ليس في ملوحته فقط.

ويقول: «كنت دوما أظن أن ما يعجبني في المحار هو ماؤه المالح فقط، لكن عند تناول بعض أنواع المحار بدا الأمر وكأنك تشرب ماء البحر عندما تطيح بك إحدى أمواجه».

الجدير بالذكر أن هوفمان والكثيرين من محبي المحار المحلي يفضلون تناوله باردا مع قليل من التوابل وإضافة قطرة ليمون للتخفيف من الملوحة. وقد أصبح من المهم الآن تسمية المحار بأسماء البحار التي يأتي منها بعد أن ازداد الاهتمام به في منتصف التسعينات.

يقول بوب ريولت، وهو مدير جمعية مربي المحار في الساحل الشرقي، إنه تمت تسمية حوالي 300 نوع من المحار في الساحل الشرقي.. ويقول: «هناك الكثير من مربي المحار الذين وجدوا أنهم يحتاجون إلى اسم من أجل تسويق ناجح». وبالطبع، يثير ذلك غضب متناولي المحار وطهاته، الذين يتفقون على أن بعض هذه الأسماء تقليد أو غير حقيقي.

وعلى سبيل المثال، محار بلو بوينت، فمن المفترض أن يكون مصدره خليج غريت ساوث المحيط بفاير آيلاند والساحل الجنوبي من لونغ آيلاند، حيث كان هذا النوع هو الأفضل في القرن التاسع عشر. لكن النوع الذي يقدمه المطعم باسم بلو بوينت قد يكون من كونيكتيكت أو نيوجيرسي أو حتى فيرجينيا.

ومنع قانون في ولاية نيويورك لعام 1908، بيع أي محار لم يمر عليه ثلاثة أشهر على الأقل في خليج غريت ساوث على أنه بلو بوينت، لكن تم تجاهل هذا القانون.

وقد بدأ كريس كوارتوكيو، وهو مربي محار، في إنتاج ما أسماه بلو بوينت حقيقيا مأخوذا من حوض في خليج غريت ساوث بالقرب من جزيرة كابتري. ويختلف المحار الذي يقدمه عن المحار الموجود في المطاعم أخيرا، حيث إنه ملون ونقي وبه الكثير من الماء المالح بخلاف الآخر.

ومثل الكثير من مربي المحار الجدد، يريد كريس تشجيع زراعة المحار لمساعدة البيئة والاقتصاد في خليج بيكونك ومياه لونغ آيلاند. ويقول إنه يأمل في أن يكون هناك 10 أو 20 مربيا في خليج غريت ساوث باي. ولا يتفق الجميع على أن محار الشمال الشرقي مميز.

ويقول الطاهي مايكل مينا، الذي يستخدم المحار كثيرا في مطاعمه، وبخاصة تلك في لاس فيغاس وكاليفورنيا: «أنا أفضل محار المحيط الهادئ، لأن مذاقه بالنسبة لي أفضل من محار الأطلنطي».

ويوجد آلاف الأنواع من فيرجينيكا، فإذا كان الماء مالحا، كان المحار كذلك أيضا، لذلك يزرع الكثيرون المحار في جانب من الخليج ثم ينقلونه مرتين أو ثلاثا لتحقيق التوازن في المذاق. كما أن كمية الغذاء في الطعام ودرجة حرارة الماء يمكنهما التأثير في كمية اللحم وسرعة النمو.

ويتميز المحار الذي ينمو في قاع البحر مع الكثير من المد والجزر بعضلات أقوى حيث يدفن في الرمال، وذلك عن المحار الذي ينمو في سلة معلقة في المحيط.

وتؤثر الفصول في المحار في نيويورك، فيصل محار فيرجينيكا إلى أفضل مذاقه في أواخر سبتمبر (أيلول)، عندما يحصل على أكبر كمية من الغذاء ليحتفظ بها خلال فصل الشتاء. أما في أواخر الشتاء وأوائل الربيع، فيصبح المحار رطبا ولينا. أما بعد شهر يونيو (حزيران)، فلا يتناول محبو المحار أيا من المحار المحلي، بسبب مذاقه الكريه والمخاوف من المحار الذي ينمو في المياه الحارة.

وفي ما بين ذلك، يأتي الموسم الثاني السري لمحار فيرجينيكا الشمالي الشرقي. ومن أوائل شهر أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، يبدأ المحار في تناول الغذاء ليضع بيضه في الصيف. وتمتلئ أجسامه مما ينتج الكثير من اللحم الذي يعطي مذاقا زبديا في بعض الأحيان.

وتفضل كارين وغريغ ريفارا، ملك وملكة المحار غير الرسميين، محارهما في أية وقت من العام، لكن تفضل ريفارا، محار الربيع بشكل خاص. وقد عملت ريفارا منذ الثمانينات مع مزارعي شاينكوك ومزارعين آخرين، وهي الآن تدير إحدى المزارع القليلة في لونغ آيلاند. وهي تزرع المحار وتبيعه باسم ميستيك، ويحب الطهاة ذلك النوع لتوازن المذاق المالح مع الحلو ولشكله الصلب.

وهي تعمل أيضا مع مجموعة من مربي المحار في خليج بيكونك، ويأملون بحلول الخريف أن ينتجوا أفضل المحار باسم بيكونك بيرلز.

ويعمل زوجها في جامعة كورنيل في مقاطعة سافوك، وهما مسؤولان معا عن إعداد صغار زارعي المحار ليكونوا مزارعين تجاريين، ولإقناع سكان الخليج بأن زراعة المحار في مياه لونغ آيلاند مفيدة للبيئة والاقتصاد.

يقول ريفارا: «لا يعرف الكثيرون مدى صعوبة زراعة المحار، فهم يظنون أنها مثل مشاهدة الأعشاب تنمو».

وهم لا يعرفون أيضا أنهم قد لا يصلون في المقابل إلى عامين، وهو الوقت الذي يحتاجه المحار لكي يصل إلى حجم البيع. ولا يعرفون أيضا أنه من الممكن أن يدمر الكثير من المحصول بسبب الرياح أو الأمراض أو السرقة.

وتركز الآن رودجرز وفريقها المكون من ستة أفراد للتغلب على هذه الصعاب، فيذهب أفراد القبيلة كل يوم عندما يكون الطقس ملائما ليتفقدوا المحار. ويأخذوا المحار الكبير إلى مكان التفريخ الذي تبقى من محاولات دعم زراعة المحار في السبعينات وأوائل الثمانينات، لكن أغلقته صراعات إدارية والموسم المتقلب.

وفي عام 2004، أعادت القبيلة إحياءه من جديد. وقد ساعدت منحة فيدرالية بـ300 ألف دولار على دفع الأجور وشراء بذور المحار والمعدات.

ويعلم زارعو المحار جيدا مدى اهتمام المطاعم والمشترين بالمحار، لكنهم ربما يقفون على الطريق السريع لبيعه للمسافرين بـ75 سنتا أو دولار للواحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»

تعليقات: