الملابس من جيل إلى جيل.. و«الرتي» يطاول حتى الأحذية


فرضت الأزمة الاقتصادية وتقلّص خدمات الكهرباء والوقود إحياء حِرَف كانت في طور الزوال. فقد أعاد ارتفاع الأسعار تحريك عجلة ماكينات الخياطة وأدوات الرتي والصباغ، لترميم وتصليح الملابس والأحذية المستعملة، بدلاً من شراء الجديدة منها. وإن كان التصليح أوفر بالنسبة إلى الزبون، فإن سعره ليس كافياً للخياطين.

الخياط عادل فهيم، يملك محلاً في الأشرفية منذ سنوات طويلة، يقول: «العمل مُضاعف عمّا قبل. ولكن المدخول قليل جداً مقارنةً مع سعر صرف الدولار والتكاليف التي أتكبّدها». فالعدّة التي يشتريها، كالإبرة والبكرة وغيرهما، والتي تدخل في صلب عمله، تُباع في المحلات وفق سعر الصرف في السوق السوداء. فضلاً عن أن الانقطاع المستمر للكهرباء يقلّص الإنتاجية، ما يدفعه إلى العمل ساعات مضاعفة وحتى وقت متأخر، لإنجاز طلبات الزبائن.

وما يهوّن الكلفة على فهيم، هو ازدياد حجم العمل بعد سنوات من الركود. وهو يؤكد: «منذ بدء الأزمة، أصبح 80 في المئة من العمل ينحصر بتصليح الملابس القديمة جداً، بعضها مهترئ، وقرّر أصحابها إصلاحها وارتداءها من جديد بدلاً من شراء أخرى أكثر كلفة». وعلى حدّ تعبيره، تكشف طلبات الزبائن عن تراجع مستوى المعيشة، حتى إن «البعض يحضر ملابسه الداخلية لإصلاحها!»

يماشي فهيم ذوق الزبون، ويأخذ في الاعتبار إمكاناته المحدودة. فيعرض عليه أفكاراً لتغيير شكل الملابس، كإلغاء أكمام وتقصير الثوب أو إضافة أزرار وتطريز: «من بين الزبائن، هناك من يطلب التغيير في قطعة الملابس نفسها مرات عدّة، لارتدائها في مناسبات مختلفة والاقتصاد في مصاريفهم»، على حدّ قوله.

ويلاحظ الخياطون خلال عملهم، عودة ظاهرة انتقال الملابس من جيل إلى جيل. وهي استجدّت بشكل لافت. فمن لدى والده مثلاً بزّة لم تعُد تناسبه، يجلبها إلى الخياط ليرتديها بعد تعديلها وفق الحاجة. وهنا يلفت فهيم إلى أن «كلفة العمل مقبولة لدى الزبون، لكنّه يتطلب جهداً من الخياط».

عودة «رتي» الثياب

ومن بين الخياطين، أولئك الذين ورثوا المهنة عن أهلهم أو أجدادهم. وهذا حال دنيز زغيب التي اكتسبت خبرة والدتها، قبل أن تطوّرها عن طريق التخصص في هذا المجال في فرنسا.

تعمل زغيب في رتي الثياب منذ سبعة وعشرين عاماً، ويقصدها الزبائن من مناطق مختلفة. وفي الفترة الأخيرة، ازداد عملها في رتي الملابس والأحذية أيضاً.

فانخفاض القدرة الشرائية، جعل اللبنانيين يتأقلمون مع الأزمة. وعملاً بالمثل القائل «الحاجة أمّ الاختراع»، لم يكتفِ البعض بترميم ملابسهم، بل قاموا بتغيير لونها لتبدو كأنها جديدة. فازدهر عمل المصابغ.

منذ 40 عاماً، يدير مارون يزبك مصبغة في جبيل. وقد شهد عمله، أخيراً، تحسّناً ضئيلاً بنسبة 30 في المئة، ليس فقط بفضل الأعراس والمناسبات الاجتماعية والسيّاح، بل بسبب إعادة تلوين وتجديد الملابس أيضاً. في الإطار، يشير يزبك إلى أن «غالبية الملابس التي يضعها الزبائن لديه لغسلها أو كيّها ليست جديدة».

وكغيره، يعاني من التكاليف الكثيرة المتوجب عليه دفعها مقابل العمل الضئيل. يحاول أن تكون أسعاره مقبولة، وأن تناسب القدرة الاقتصادية للزبائن، رغم أنه يشتري مواد التنظيف والمساحيق التي يستخدمها في المصبغة بالدولار الطازج، لأنها مستوردة من ألمانيا والهند.


تعليقات: