“فضيحة” تجنيس – توطين تلوح في الأفق من الشمال؟.. القضاء تحرّك


كأن ما ينقص بعد هو التجنيس، حتى تكتمل المصيبة وتصل الى ذروتها! او كأن كل ما نعيشه هو توطئة لمرحلة جذرية ستغيّر كيان لبنان وهويته وشكله وديموغرافيته؟

قبل ايام، لاحت في الأفق “فضيحة” من منطقة البداوي في الشمال، بعدما تبيّن ان ثمة بطاقات تعريف تعطى لسوريين وفلسطينيين هناك، على انهم مكتومو قيد! وبالطبع، فان الأصابع اتجهت نحو عدد من المخاتير، فتحرّك القضاء على الفور

والسؤال: هل في هذه المسألة خطورة ما على صعيد الوطن، بمعنى انها لا تنحصر في منطقة شمالية واحدة، وانها ليست فقط من مسؤولية مختار واحد وفعله؟

منذ ان علم المعنيون بالامر، تحركت قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار، وأوقفت مختار البداوي ومتورطين، وأبلغت وزارة الداخلية بالمسألة

نصار تكشف لـ”النهار” ان “التحقيق سيتوسع للتوصل الى معرفة خلفيات الموضوع بالكامل”

نصّار والتحقيقات

هي الصدفة أوصلت الى اكتشاف هذه الفضيحة التي تهدد كيان الوطن بكامله، وليس منطقة شمالية فحسب. فماذا في التفاصيل؟

قبل فترة، كانت المديرية العامة لأمن الدولة تحقق في ملف تزوير وتهريب، وفيما كانت العناصر المولجة تستجوب احد المتورطين، وهو سوري الجنسية يدعى خالد عودة، حصلت مصادفة غريبة مكّنت امن الدولة من كشف قضية أخرى لا بل فضيحة لا تقل خطورة، اذ تلقّى عودة في اثناء استجوابه، رسالة من مختار البداوي حسام البداوي تفيد ان الأوراق التي طلبها عودة قد انتهت

وعلى الأثر، توسعت مديرية امن الدولة في الامر، واكتشفت ان هذه الأوراق هي بطاقات تعريف تعطى عادة من مختار المحلة ل#مكتومي القيد، وليس لسوريين او لاجئين!

والأخطر في الموضوع ان خالد عودة هو شقيق محمد عودة الذي يعتبر احد الارهابيين الموقوفين في احداث عرسال الشهيرة، وان اهله مطلوبون من النظام السوري… لا بل اكثر، ان خالد عودة يعمل على شبكة تهريب الناس من الشمال. اما مختار البداوي فقد اعطى بطاقات التعريف لخالد عودة ولكل عائلته ايضا!

هذه الرواية تؤكدها القاضية نصار التي تحركت على الفور، وأوقفت مختار البداوي وعودة وغيرهما وباشرت التحقيق معهم

وتؤكد نصّار لـ”النهار” انها ضبطت في حوزة المختار مجموعة اخراجات قيد وبطاقات تعريف “على بياض” (أي انها مجهزة كي تُملأ حسب الطلب ومقابل بدل مالي)، والأخطر ان لا ارقام تسلسلية لهذه البطاقات، (وهذا برسم وزارة الداخلية)، فضلا عن وثائق زواج. أي ان المختار حضّر عدّة الشغل بكاملها!

والخطورة ان تعطى بطاقات التعريف هذه للاجئين سوريين وفلسطينيين، فيما هي معدّة لمكتومي القيد فقط، فما علاقة الامر بأي احتمال مرتقب لتجنيس فتوطين؟

إشكالية مكتومي القيد

قانونا، ان “مكتوم القيد” مصطلح معتمد في المجتمع اللبناني، وهو يعني أن أي شخص لبناني (وجب التشديد على عبارة لبناني)، يستحق الحصول على هوية لبنانية، إلا أنه حرم منها لأسباب مختلفة. وهذه الفئة تعتبر كبيرة من سكان الأطراف، غالبيتها غير مسجلة في سجلات الأحوال الشخصية اللبنانية. لذلك، تعرّف عنهم “بطاقة تعريف” من مختار المحلّة

بوضوح، ان مكتومي القيد حالة مختلفة تماما وكليا عن حالة اللاجئين السوريين والفلسطينيين. ومكتومو القيد هم الأشخاص الذين يستحقون الجنسية اللبنانية بحكم القانون، والذين اهمل قيدهم في إحصاء العام 1932، وبالتالي اجازت لهم المادة 19 من المرسوم الرقم 1/ 128827/ 1932 اجراء قيدهم في ما بعد، في سجلات الإحصاء اللبنانية، ضمن مهل إضافية استثنائية

ولطالما زُجّت مشكلة مكتومي القيد في حسابات سياسية، أدت إلى غياب شبه كامل لأي إحصاءات رسمية لأعدادهم، فاختلط الموضوع بينهم وبين أي مرسوم تجنيس يحضّر له، اذ درجت العادة في لبنان ان يتمتع مكتومو القيد بأفضلية الحصول على الجنسية اللبنانية، في أي مرسوم تجنيس يوقعه رئيس الجمهورية. من هنا، التخوف من ان يشمل أي مرسوم تجنيس مستقبلي حاملي بطاقات التعريف من غير اللبنانيين، أي ان كل سوري او فلسطيني يحصل على بطاقة تعريف على انه لبناني مكتوم القيد، يمكنه ان يستفيد من هذا المرسوم! وهنا الخطورة – الفضيحة!

ونصار التي تدرك جيدا سرية التحقيق، تعرف في الوقت نفسه ما تكشفه امام الرأي العام من اجل التنبه مما اذا كانت القضية كبيرة وتخفي خلفيات ما تكون لها علاقة مباشرة بأي “تجنيس مبطن لا بل بتوطين مبطن”، لا سيما انه تبين ان ثمة فلسطينيين مستفيدين أيضا من بطاقات التعريف هذه، وان ثمة مخاتير آخرين قد يكونون متورطين، الى جانب مختار البداوي

كل هذه المعطيات والأعداد التي استفادت من ” بطاقات التعريف” ستتكشف في التحقيقات اللاحقة التي تتوسع حاليا للتوصل الى “معرفة خلفيات الموضوع”

ونصار التي أوقفت المختار وصادرت الاختام وداتا الاتصالات، ومنعته من العمل الى حين الانتهاء من التحقيق، ابلغت قرارها الى وزارة الداخلية والبلديات، وهي تسأل: “هل الموضوع متعلق فقط بحب المال ام بغباء، ام ان القضية اكبر بكثير؟ هذا ما سيكشفه التحقيق”

“النهار” اتصلت بوزارة الداخلية، واكتفى الوزير محمد فهمي بالقول: “الموضوع لدى القضاء، ولا يمكن التعليق عليه حفاظا على سلامة التحقيق”. المشكلة الأكبر حين نعلم ان ثمة ولادات لاطفال لاجئين تمت في لبنان، خلال الأعوام الأخيرة، غير مسجلة مع مفوضية شؤون اللاجئين والوزارات المعنية، فهل ستعطى لهؤلاء أيضا “بطاقات تعريف” على انهم “مكتومو قيد”؟! وكم سيصبح عدد المستفيدين مستقبلا؟!

في زمن الفوضى، قد يمرّر كل شيء… فوسط الهمّ اليومي لتأمين لقمة العيش الغالية، وحبّة الدواء المفقودة المكدّسة في المخازن، والشباب اللبناني الذي هاجر او يفتش عن هجرة قريبة، قد “تُطبخ” كل الفضائح من تجنيس الى توطين… الى ان “نصبح” بالفعل على وطن فقدناه، وقد لا يعود كما كان بهويته وتعدده وديموغرافيته!

فأهلا وسهلا بكم في لبنان الذي سيعيش فيه “غير اللبنانيين”!!

تعليقات: