المحتكرون يقتلوننا والقانون اللبناني يرأف بهم!


عندما تستشري الأزمات، يكثر تجّارها، وهذه حالة كونية معروفة، تزدهر في غالبية البلدان أثناء الحروب والأزمات.

وهذه الفئة عادة ما تمارس ديكتاتوريتها الاقتصادية، مستندة إلى حاجة الناس لها فتتمسك برقابهم وبرزقهم وهي في العادة تبقى منبوذة، وكثيراً ما كانت تواجه مصيراً أسود عند انتهاء الحرب والأزمة. وعلى مرّ الأزمان لجأت الدول إلى وضع تشريعات استباقية في دساتيرها وقوانينها تكافح هذه الظاهرة.

في لبنان ومع اشتداد الأزمة كبرت هذه الفئة وانتشر تجار الأزمات بشكل كبير، لكن المفارقة عندنا ألا قوانين رادعة كما البلدان المتقدمة ولا شعب يحاسب، لا بل يتخذون من هذا الشعب عبر طوائفهم حماية لهم، وهم مدركون أنه مع انتهاء أي أزمة لن يكون هناك بئس المصير إنما استمرارية وربما مكافآت وسلطة.

أفرزت الأزمة التي يعاني منها لبنان سوق احتكار عريضاً، فأصبحت جميع مفاصل الحياة من الأساسيات إلى الكماليات تحت سلطة المحتكرين، من المياه والدواء وليس انتهاء بالمحروقات والكهرباء وغيرها، وجميعهم شكلوا محميات سياسية وطائفية يصعب اختراقها. وإذا حصل ذات يوم، يكون نتيجة خلافات بين بعضهم على النفوذ، ما يلبث أن يعود المحتكر بطلاً باعتبار أن الطائفة مستهدفة خلفه.

شرع القانون اللبناني الاحتكار عبر بعض مواده عبر ما يعرف بالوكالات الحصرية، لكن ما لبث أن ألغاه في المواد وبقي على أرض الواقع، بحيث استفاد التجار من هذا القانون لخلق كارتيلات مالية واقتصادية يصعب اختراقها.

واليوم بدأت الاحتكارات تأخذ أبعاداً جديدة، وخطيرة للغاية، وبدأنا نرى مواد مخصصة لمناطق معينة ووقود مخصصاً لطوائف محددة، وأدوية لمذاهب محددة، وبتدخل شبه رسمي تحت ستار تأمين الحاجات لأبناء هذه المنطقة ولتلك الطائفة، ما يهدد بتفتيت اقتصادي ينضم إلى التفتت السياسي الذي يحل بلبنان، ويفتح باب إحياء الطوائف لمنطق الإدارات المدنية. وطبعاً تقف الدولة المتحللة مكتوفة الأيدي أمام هذا الأمر.

وبالعودة إلى القانون اللبناني، فقد تعاطى القانون مع المحتكرين بكثير من الرأفة، ما شجع عملية الاحتكارات.

وبحسب المحامي جهاد إسماعيل يُقصد بالاحتكار كل عمل من شأنه سوء استغلال المركز الاقتصادي للحد من المنافسة المشروعة، بهدف جني أرباح خيالية، وبصورة مخالفة للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها السوق بالاستناد إلى قاعدة العرض والطلب. ويمكن تعريفه بأنه حبس الشيء والامتناع عن بيعه، رغم شدة حاجة الناس إليه، حتى يرتفع سعره أو ينقطع عن السوق، وذلك لغرض اقتصادي أو سياسي أو غيرهما.

ويقول لـ"النهار": "يعتبر القانون اللبناني أن الاحتكار جنحة، لا جناية. وهي من أخفّ الجرائم عقوبة. فالعقوبة لا تجيز التوقيف الاحتياطي إذا أراد القاضي تطبيق النص على حرفيته إذا كانت العقوبة لا تتجاوز السجن لسنة واحدة."

ويضف: "في المادة 685 من قانون العقوبات، تنطبق على المحتكر عندما يكون قادراً على التأثير في سعر السوق عبر ضبط البضاعة للتلاعب بالعرض والطلب. هذه المادة تتراوح العقوبة فيها بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية. وقد حددت المادة 43 من المرسوم الاشتراعي رقم 37/38 عقوبة جرائم الاحتكار بالغرامة من عشرة ملايين إلى مئة مليون ليرة، وبالسجن من 10 أيام إلى ثلاثة أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وعند التكرار تضاعف العقوبة.

ويشير إلى أنه ورغم أن غالبية التشريعات الداخلية والدولية حظّرت وجود أي نوع من أنواع الاحتكار بصورة مخالفة للقوانين المرعية الإجراء، فقد اختلف المفهوم القانوني للاحتكار في تلك التشريعات، ومنها:

- الولايات المتحدة الأميركية: نصّت المادة الثانية من قانون شيرمان على حظر احتكار أو محاولة احتكار أي عمل من الأعمال التجارية بين الولايات المتحدة أو مع الدول الأجنبية، واعتبرت أن القيام بذلك يعتبر جناية يعاقب عليها بالغرامة التي قد تصل إلى مليون دولار للشخص المعنوي ومئة ألف دولار للشخص الطبيعي، أو بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بكلا هاتين العقوبتين حسب تقدير المحكمة.

- القانون الأوروبي: حظرت المادة 68 من اتفاقية السوق الأوروبية إساءة استغلال المركز المسيطر للملتزم أو للمشروع في السوق المشتركة للتأثير على التجارة بين الدول الأعضاء، بقصد بيع أو شراء المنتوجات بأسعار أو بشروط غير عادلة، أو خفض كمية الإنتاج إضراراً بالعملاء، أو فرض مراكز تنافسية سيئة على العملاء، أو فرض شروط لا تتفق مع العادات التجارية.

واعتبرت محكمة العدل الأوروبية أن المركز المسيطر هو الذي يؤدي إلى امتلاك مقدرة اقتصادية تمكّن التاجر من تحديد الأسعار أو السيطرة على الإنتاج أو على توزيع جزء كبير من السلع، وإعاقة دخول منافسين إلى السوق نتيجة التأثير البالغ الذي يمارسه التاجر المحتكر.

ويؤكد إسماعيل أنه في لبنان احتكار المواد المدعومة، يعني أن المحتكر يكون قد ارتكب جرائم عديدة إلى جانب جنحة الاحتكار، منها جرائم فساد وإثراء غير مشروع لأنه استفاد من الفارق الذي يدعمه مصرف لبنان من ناحية هذه السلعة وحرم المواطنين منها بالرغم من أن هذا الدعم كان مخصصاً لمساعدة الناس.

ويختم: من أجل حماية المواطنين في المجتمعات كتبت القوانين الوضعية، ولا بد من ورشة تشريعية تضع محتكر أساسيات الحياة في مصاف القاتل.

تندر رواد مواقع التواصل على ما ذكره وزير الصحة في مقابلة عبر تلفزيون لبنان من أن "الحاج" خليفة محتكر الأدوية في الجنوب تعهد ببيعها للصيادلة باشراف رسمي. عندا هذا الحد تقف عقوبة من منع الدواء عن الناس!

وفي سياق متصل، أعلن عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل أنه تقدم من الأمانة العامة لمجلس النواب باقتراح قانون لتعديل أحكام:

1ـ قانون العقوبات لجهة تشديد عقوبات الاحتكار ومكافحة التلاعب بالأسعار.

2ـ المرسوم الاشتراعي رقم 73 الصادر في 9 أيلول سنة 1983 حيازة السلع والمواد والحاصلات والإتجار بها لجهة تشديد العقوبات.

3ـ قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان لجهة تشديد العقوبات (رقم 367 تاريخ 1/8/1994).

وذلك بما يتناسب مع الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطن اللبناني بفعل الضغوط الاقتصادية ومافيات المحتكرين، ما يستوجب التشدد إلى الدرجة القصوى في مواد القانون.

تعليقات: