المقاومة تثبّت خطوطها الحمراء


فجر الخميس الماضي، أغارت طائرات العدوّ الإسرائيلي على مساحة مفتوحة غير مأهولة، قرب بلدة المحمودية (بين أقضية جزين ومرجعيون والنبطية)، وهو ما قالت تل أبيب إنه ردّ على إطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو شمال فلسطين المحتلة. بتلك الغارة، تجاوز العدو خطوطاً حمراء وخرق قواعد اشتباك مرسّخة منذ عام 2006. كانت إسرائيل تعوّل على عدم رد المقاومة على الغارة، على اعتبار أنها أتت بعد خمس صليات صاروخية أطلِقَت من لبنان نحو الأراضي المحتلة، منذ اندلاع معركة سيف القدس في أيار الماضي. وكان التقدير الإسرائيلي مبنياً على نظرية «ارتداع حزب الله نتيجة عوامل شتى، أبرزها الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، والظروف السياسية والشعبية الداخلية». يوم أمس، فاجأت المقاومة العدوّ، رغم تهديده ووعيده، وأطلقت عشرات الصواريخ باتجاه «أراضٍ مفتوحة» في محيط مواقع العدو في مزارع شبعا، مصدرة بياناً بذلك. انكفأت إسرائيل عن الرد على الرد. المعادلة الشديدة التعقيد، هي شديدة البساطة في آن معاً، ونتيجتها أن المقاومة أعادت تثبيت خطوطها الحمراء: يُمنع على جيش الاحتلال الاعتداء على الأراضي اللبنانية، وعلى العدوّ ألّا يراهن على انشغال المقاومة في الداخل أو على ارتداعها.

ما تحقّق أمس، لا يخدشه الحادث الذي وقع في بلدة شويّا (حاصبيا) ضد المجموعة التي أطلقت الصواريخ. فمفاعيل ردّ المقاومة ستبقى حاضرة لوقت طويل على طاولة صنع القرار في تل أبيب.



مسلسل الفتنة ضد المقاومة: أين التالي؟

ابراهيم الأمين

ليس بين السياسيين في لبنان من يقدر على نفي العمل الدؤوب الذي تقوم به عواصم خارجية، عربية ودولية، ومعها قوى محلية، من أجل عزل حزب الله وضربه. حجم التقاطعات بين كل هؤلاء كبير جداً. وأساسه، أنه مثلما نجحت المقاومة في لبنان في تثبيت قواعدها ودورها، ثم تمدد نفوذها الكبير إلى الوطن العربي والإسلامي، فإن التآمر عليها كبير جداً. له أشكاله المتنوعة، وآلياته التي لم تتوقف عن العمل منذ تسعينات القرن الماضي. لكنها أخذت شكلاً جديداً في العشرية الأخيرة.

يستند خصوم المقاومة في لبنان إلى عوامل متنوعة بقصد إزعاجها أو إحداث الضرر في صورتها، أو دفعها إلى زوايا المضطر إلى ارتكاب الخطأ الكبير. لكن أدوات العمل، لا تزال هي نفسها:

لا جديد في الموقف الغربي. كل الاحتيال الأوروبي سقط هذه المرة إلى غير رجعة. الكذب الفرنسي والدجل الألماني والحياد السويسري انضمت إلى الخبث الإنكليزي والصلافة الأميركية. وفي المنطقة العربية، خرج كل الحقد من قصور حكام الجزيرة العربية، بقيادة آل سعود وأقرانهم. وانضم إليهم جيش من الطفيليين الذين بنوا حدائق افتراضية باسم الربيع العربي. لكنهم عادوا جميعاً، ثائرين وحكاماً ومستبدين، ليصطفوا في طابور واحد ضد كل ما له صلة بالمقاومة، في لبنان أو فلسطين أو أي مكان من العالم. وفي لبنان كان هناك من ينتظر ولا يزال منذ دهر. عملاء تاريخيون برتبة زعماء طائفيين، تعاقبوا على إدارة القبائل اللبنانية منذ مئتي عام على الأقل. جندوا كل ما يناسب عملهم: عسس وعصابات وقطاع طرق، سياسيون وكتاب وأبواق، رجال دين ومرجعيات دينية، مصارف وتجارات ومؤسسات أمنية رسمية وغير رسمية... وأجيال من الميليشيات التي توالدت على قهر الناس وتفريقهم، وما زالت تحكمهم على شكل قبائل. تجعل الخوف والحقد رابطاً عضوياً لجمع فتاتهم. وهي قيادات لم يسبق لها أن حزنت أو تعبت أو ملت من الموت، ومن رؤية الدماء تسيل في منازلها قبل بيوت الآخرين. وهي تعود اليوم لتطل بكل ما قدِّر لها من عناصر قوة، وبأشكال مختلفة أيضاً. حافظ زعماء القبائل على صورتهم وعلى رعايتهم مجموعات تسير خلفهم من دون نقاش. لكن أدوات جديدة اخترعها الغرب على صورة متعلمين ينشدون رضى الرجل الأبيض: يقبلون كل ما يريده، يعيشون صمت القبور إزاء إجرام وتسف ممالك القهر ضد شعوبها أو ضد خصومها في كل الأرجاء. يصفقون علناً أو سراً لكل أنواع الجنون الذي ساد ساحات بلادنا باسم الدين والحرية وحقوق الإنسان. حتى الصغار الذين قامت كياناتهم على شكل احتجاج على هذا الإقطاع، تجدهم يتنفسون الهواء المقيت نفسه، من أسُس الجبهة اللبنانية بكل فروعها المسيحية والإسلامية، إلى آخر اختراعات المجتمع المدني لصاحبه الأميركي تمويلاً وفكراً، وأدوات إعلامية لا ترتدع عن الكذب كل ثانية. وبؤسنا في أولئك المستعمين المدهوشين فاقدي العقول. المستلبين بصورة الرجل الأبيض الآتي من خلف البحار، يحثهم على تدمير بلادهم، وقتل أهلهم لكي ينجوا بأنفسهم.


أهل الفتنة يتنقلون بين المناطق والطوائف طلباً للدم، وصبرنا إن نفذ، فردنا محصور ضد المشغل الخارجي وقادة القبائل العملاء

لقد جُرِّب الكثير بوجه المقاومة. حروب أميركية كاملة الأوصاف، انطلقت ولا تزال منذ أربعين عاماً وأكثر ضد هذا الجيل من المقاومين. حروب إسرائيلية مجنونة لا تزال آثارها تسكن البيوت والدساكر ومؤسسات الدولة أيضاً. ومجانين باسم الله فتكوا بكل شيء من أجل هيمنة فكرة واحدة بحجة أنهم يمثلون الله على الأرض. ومعهم، حشود غير قليلة من العصابات التي يسكنها الإحباط، الناجم ليس فقط عن عجزها عن إبقاء الأمور على حالها، بل عجزها عن إعادة إنتاج السردية ذاتها... وجل ما يحلم به، زعماء القبائل العملاء، هو التوسل إلى خارج يأتي ليخلصهم من الشر المستطير الذي اسمه المقاومة!

بعد قداس بطريرك الحياد - التطبيع، في رثاء ثورة فاشلة يوم ولدت ويوم نشطت ويوم ماتت، وبعد العجز المستحكم بالفكر المتجلد الذي لا ينتج إلا أفكاراً تافهة من شعر زمن الاحتيال اللبناني الكبير، وجد الخارج ضالته، في مجموعات من العصابات التي تسكن قلب هذه القبائل، التي تأتمر بإمرة زعماء القبائل نفسها، لكي يجربوا حظهم في الفتنة الكبرى.

بالأمس كان كمين خلدة، ثم واقعة الفاشيين في الجميزة، ثم ضلال مجموعة ينقصها العقل في حاصبيا، والبحث جار اليوم، عن فعلة إضافية. لعل من بيده عقل هذه القبائل وجيوبها ودماؤها، يفكر اليوم في الجريمة التالية، التي يعمل من دون كلل لتكون ساحتها موقعة بين مسيحيين وبين المقاومة أو جمهورها... ويجري كل ذلك، وصراخ هذا العقل الجهنمي في حقده يقوم على شعار واحد: ستنجر المقاومة إلى الفتنة لا محالة... هذا هو رهانهم هم. أما معركتنا نحن، فهي التصدي لهم. ليس بالانجرار إلى فتنهم المتنقلة بين منطقة وأخرى، بل بالصمت عن رعايا يجب وضعها في خانة المضللين، بينما يجب ألا تغيب عن المهداف رؤوس القائمين على الأمر، من خارج مجرم ومبعوثيه إلى بلادنا، إلى زعماء وصبيان القبائل على أنواعها...

ليس لدينا سوى الصبر وسيلة لقهر هؤلاء المجانين، ولينتظرنا الجميع، على تخوم مدنهم الكبرى، وعلى مشارف عواصمهم في كل مكان تصل إليه أيدينا، وكل زاوية يحرق فيها علم الرجل الأبيض ووجهه أيضاً!

مرة جديدة، سقى الله زمن الثمانينات!


ردّ حزب الله يكشف «سوء تقدير» العدوّ: إسرائيل تنكفئ

يحيى دبوق

استطاع حزب الله تثبيت المعادلات وقواعد الاشتباك التي تحكم الجبهة الجنوبية إزاء العدو الإسرائيلي. استفاد الحزب من خطأ تقديرات إسرائيل التي قدّرت، قبل غارتها على «عمق الجنوب» فجر الخميس الماضي أنّ متغيّرات الساحة اللبنانية، الاقتصادية والمعيشية، باتت تسمح لها بتجاوز تلك القواعد والمعادلات. في الوقت نفسه، سمح الخطأ للمقاومة بأن تثبّت أيضاً، ما كان يحتاج الى توضيح عملي ضمن المعادلات نفسها، ولم يكن الآن موضع اختبار ميداني.

إلا أن أهم نتائج المواجهة الأخيرة، تكمن في الإجابة عن الأسئلة الآتية: ماذا لو لم يردّ حزب الله ليسقط المعادلة التي حاول العدو أن يفرضها على الساحة اللبنانية؟ وما هو المدى الذي كان سيبلغه الاعتداء الإسرائيلي المقبل، لو قرر حزب الله الانكفاء ولم يردّ؟ وفي النتيجة، ما هو الوضع الذي كان سيترتب على كل ذلك، باتجاه الداخل اللبناني نفسه؟ وما هي تداعيات أن تسلّط إسرائيل سيف اعتداءاتها على الساحة اللبنانية، لتكون متساوقة في الضغط على اللبنانيين، بـ«التكافل والتضامن» مع ضغوط الأزمة الاقتصادية؟

ارتكز مبنى الخطأ الإسرائيلي على فهم مغلوط لمستوى تأثير المتغيرات في لبنان على قرارات حزب الله. وهو ما حفّز إسرائيل على التمادي في ردها على الصواريخ الأخيرة التي سقطت شمال فلسطين المحتلة، ما سمح لها بأن تستخدم سلاح الجو لقصف أراض لبنانية في المقابل، وإن مع الحرص على ألّا تكون مأهولة.

وإذا كانت أسئلة ما بعد الفعل كثيرة، إلا أن أهمها، وهو ما سيكون حاضراً على طاولة القرار لدى الجانبين، ما يتعلق بما كشفه ردّ حزب الله من تموضع إسرائيلي غير متوثّب للذهاب بعيداً والتسبب بمواجهة كانت حتى الأمس القريب جداً موضع تهديد ووعيد وَرَدا على لسان المسؤولين الإسرائيليين.

والكشف هنا لا يتكامل من حيث أهميته مع إعادة تثبيت المعادلات وقواعد الاشتباك نفسها، التي تحكم أفعال إسرائيل واعتداءاتها في لبنان.

كررت إسرائيل الخطأ نفسه الذي وقعت فيه في أيار الماضي في الساحة الفلسطينية، إذ قدرت أن الفصائل المقاومة في قطاع غزة لن تتدخل لحماية حقوق المقدسيين مهما كان مستوى الاعتداء الإسرائيلي على هذه الحقوق، وهو الخطأ الذي دفعت بنتيجته أثماناً استراتيجية في أكثر من مستوى واتجاه، في عملية «سيف القدس»، التي انتهت مع سلّة كبيرة من الخسائر للعدو.

هل هذه الأخطاء نتيجة عيوب في مبنى نماذج التحليل والتقدير الاستخباراتي لدى مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية؟ أم أنه خطأ القائمين على التقديرات عبر سوء إسقاط الوقائع على النموذج الاستخباري؟ أسئلة يجب أن تكون حاضرة في تل أبيب، إذ إنها بالنتيجة تمثل تهديداً بمستوى استراتيجي لإسرائيل نفسها يمكن أن يتسبب لها بخسائر يتعذّر الإحاطة بمستوياتها وحدودها.


عدم ردّ حزب الله على غارة الخميس كان سيسمح للعدوّ بالترقّي في درجات الاعتداء على لبنان

بالطبع، رغم الخطأ التقديري، حرصت إسرائيل على أن لا «تحطّم الأواني»، فسمحت لنفسها بأن ترتقي درجة في الميدان، عبر استخدام سلاح الجو لقصف مناطق لبنانية (فجر الخميس)، انكفأت عن استخدامها في الماضي. وهي خطوة إن نجحت ولم تتلقّ رداً عليها، فستكون معبراً للترقي درجات لاحقة، حتى وإن لم يكن ذلك في سلّم اعتباراتها لدى اتخاذها قرار التوسع نسبياً في الرد على الصواريخ الثلاثة، في الأسبوع الماضي.

في النتيجة، ثبّت حزب الله المعادلة في وجه إسرائيل، موضحاً لها محدّداتها ومؤكداً عليها. فيما تلقّت إسرائيل خسارة لا تخلو من تداعيات سلبية على مستويات استراتيجية بما يتعلق بموقفها الدفاعي والهجومي في مواجهة الساحة اللبنانية، رغم أن نتائج ما حصل لا تقتصر بالضرورة على لبنان، بل تنسحب أيضاً الى الإقليم وساحات المواجهة فيه.

وكانت إسرائيل يوم الخميس قد بنت على ضربتها للأراضي اللبنانية ما لا يصعب البناء عليه، مع كثير من الاستعراض والعلاقات العامة. فيما عادت المقارية لتتراجع، مع صمت لافت لا يخلو من دلالات، بعدما تلقّت الرد من حزب الله أمس.

فبعدما أكدت تل أبيب على لسان معلّقيها («معاريف») أن «ضربات سلاح الجو ضد أهداف في جنوب لبنان هي تحوّل في سياسة الحكومة على خلفية موقف رئيسها نفتالي بينيت، الذي يدفع باتجاه نهج أكثر عدوانية ضد إيران ووكلائها»، ورد عن المعلّقين أنفسهم كلام مغاير في أعقاب الرد (أيضاً «معاريف») «تطرح الأحداث الأخيرة على الحدود الشمالية معضلات كبيرة لإسرائيل: من جهة، لا يريد الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية الانجرار إلى المرجل اللبناني، لكن لا نريد أن تصبح الجبهة الشمالية خطاً للإرهاب وعدم الاستقرار الأمني».

كيف يمكن لإسرائيل أن تحقق النتيجة بين الحدّين؟ بدت المهمة غير سهلة لدى تل أبيب في أعقاب رد حزب الله. فقرارها كان يتحرّك بين حدّين، كما ورد في الإعلام العبري: تريد ردّاً لا يؤدي الى خسائر في الجانب اللبناني، كي لا يتسبب بردٍّ على الرد؛ وفي الوقت نفسه أن لا يؤدي الرد أيضاً، الى تصعيد يفضي بدوره الى مواجهة.

اختارت إسرائيل الانكفاء، وسحبت رهاناتها على إمكان كسر قواعد الاشتباك في مواجهة الساحة اللبنانية، لتنشغل أمس وفي الآتي من الأيام، في تحليل واستبيان فشلها الاستخباري وتوقعاتها.


«إسرائيل» تطالب العالم بالتدخّل: اطلبوا من لبنان وقف هجماته

يحيى دبوق

بدت إسرائيل أمس في حرب مع ذاتها على الرواية التي تريد أن تصل الى جمهورها، في مهمة تهدف إلى تقليل ما أمكن من خسائر لحقت بها، بعد ردّ حزب الله الصاروخي، وانكفائها في أعقابه.

وفي مقابل الصمت السياسي الذي كان لافتاً، مع شبه «تصفير تهديدات»، هي في العادة تكون من مستلزمات المقاربة الرسمية الإسرائيلية للمواجهات، انشغل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ران كوخاف، أمس في محاولة تظهير ما قال إنها دلائل على أن حزب الله غير معني بمواجهة مع إسرائيل، مشيراً في بيان له، إلى أن «حزب الله قام بإطلاق الصواريخ صوب مناطق مفتوحة في الجولان عن قصد، ما يدل على أنه يأخذ بالحسبان قوة الردع الإسرائيلية». وأضاف إن الجيش الإسرائيلي يدرس «الطرق الملائمة» للرد على القصف الصاروخي، وإن شدد في المقابل على أن «كل الأطراف لا تريد الحرب»، علماً بأن كوخاف أكد قبل ذلك بساعات أن «إسرائيل ستردّ بقوة على أي استهداف لها انطلاقاً من الأراضي اللبنانية».

بدوره، قال قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أمير برعام، في حديث مع مسؤولي السلطات المحلية في الجليل، إن «حزب الله لم يقصد قصف البلدات المأهولة، بل مواقع في مزارع شبعا»، وطلب من المستوطنين العودة الى الحياة الطبيعية والروتين الاعتيادي.

وأمبر برعام، هو نفسه الذي أطلق في الأسابيع الأخيرة تهديدات ضد لبنان، وهدّد فيها بردود فعل مدمرة وغير مسبوقة، إن تجرّأ حزب الله على تهديد إسرائيل. وهي مفارقة تستأهل البحث ودراسة معانيها ودلالاتها.

وكان لافتاً أمس رد فعل قادة إسرائيل، من سياسيين وعسكريين، في أعقاب رد حزب الله الصاروخي على غارة العدوّ الجوية فجر الخميس: كثرة اجتماعات، والقليل من التصريحات والأفعال. إذ دعا رئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى اجتماع طارئ لكبار المسؤولين في مقر وزارة الأمن في تل أبيب، بمن فيهم وزير الأمن بني غانتس ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي وآخرون، للبحث في «خيارات إسرائيل».

بدوره، عمد غانتس الى عقد جلسة «تقييم وضع» مع كوخافي ورئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي عوديد بسيوك، إضافة الى رئيس شعبة الاستخبارات تامير هيمان، خصصت بدورها للبحث في خيارات إسرائيل العملية، للرد على رد حزب الله. إلا أن شيئاً لم يصدر عن هذه الاجتماعات، مع انسحاب عملياتي في الميدان، دلّ على محدودية خيارات إسرائيل.

ولعل ما ورد في اتصال غانتس بنظيره الأميركي، لويد أوستن، وإن كان الاتصال مقرراً مسبقاً وغير ذي صلة ابتداءً برد حزب الله، إلا أنه كان لافتاً في دلالاته. وفقاً للإعلام العبري، قال غانتس خلال المكالمة مع أوستن إن «إسرائيل تطلب من المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه الخصوص، مطالبة الحكومة اللبنانية بوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل».

وقال مصدر أمني رفيع المستوى في حديث مع الإعلام العبري أمس، وهو كاف في دلالاته، إن الجيش الإسرائيلي يعمل على بلورة ردود ضد حزب الله، من خلال «طرق ووسائل متعددة، منها ما هو علني ومنها ما هو سرّي، وذلك ربطاً بتطور الأوضاع واعتماداً على اتجاهات التصعيد».



مواقف مُندّدة بحادثة شويّا: إلى جانب المقاومة

«في ناس عنّا بتدافع عن حزب الله أكتر من مناصرينه كلّن، أكتر من ما بتدافع عن ولاد طايفتها». هذه العبارة هي أدلّ ما قيل عن علاقة أبناء بلدة شويّا في قضاء حاصبيا بالمقاومة. وقد قالها رجلٌ مُنتقداً «الأكثرية» من أبناء بلدته التي تُدافع عن المقاومة، أثناء تصويره فيديو لقيام «أقلية» من أبناء شويّا بتطويق شاحنة تحمل منصّة صواريخ للمقاومة، مُلقين القبض على العناصر الذين كانوا يستقلون الشاحنة وسيارة تُرافقها. وفي مقابل مهاجمي مجموعة المقاومة، وإلى جانب الذين دافعوا عن المقاومين لحظة الهجوم عليهم، كانت عائلات في البلدة تحمي مقاومين في منازلها، إلى حين وصول دورية استخبارات الجيش التي أقلّتهم إلى «مكان آمن».

ادّعى «المهاجمون» أنّ حركتهم أتت رفضاً لاستخدام بلدتهم كمنصّة لإطلاق الصواريخ، ليتبين وفق بيانٍ توضيحي صادر عن حزب الله أنّ المقاومة «ردّت على الاعتداءات الصهيونية على لبنان باستهداف محيط مواقع العدّو الإسرائيلي في مزارع شبعا بصليات صاروخية من مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكنية حفاظاً على أمن المواطنين. ولدى عودة المقاومين من عملهم، وأثناء مرورهم بمنطقة شويّا، أقدم عدد من المواطنين على اعتراضهم. إنّ المقاومة الإسلامية كانت ولا تزال وستبقى من أحرص الناس على أهلها وعدم تعريضهم لأي أذى خلال عملها المقاوم، وهي التي تدفع الدماء الزكية من شبابها لتحافظ على أمن لبنان ومواطنيه».

سريعاً، انطلقت الجهود لتطويق ما جرى، وتأكيد عدم تعبيره عن الموقف العام لشويّا وقرى حاصبيا والجنوب. فأدان كبار مشايخ الطائفة الدرزية ومراجعها الروحية في حاصبيا ولا سيّما مشايخ خلوات البياضة «بشدّة» ما حصل، مؤكدين في بيان أنّ «الطائفة الدرزية في موقعها الطبيعي ولن تسمح لأحد بأن يأخذها إلى مواقع تناقض تاريخها القومي العروبي المدافع عن قضايا الأمة... بين إسرائيل والمقاومة، الدروز حتماً إلى جانب المقاومة البطلة ضد الاحتلال الصهيوني». وأسفت بلدية شويّا والمخاتير وفعاليات البلدة، في بيان، «للحادث غير المقصود، ونؤكد انتماءنا الوطني ودعمنا للجيش والمقاومة». بيان مرجعيات البلدة دعا إلى «التآخي ونبذ الفتنة، فنحن أكثر حاجة في وقتنا هذا إلى المحبة والتكاتف».


مشايخ البيّاضة: الدروز إلى جانب المقاومة البطلة

من جهتها، أصدرت منفذية حاصبيا في الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً «تُبارك فيه إطلاق الصواريخ على أهداف للعدّو في الداخل المحتلّ، ردّاً على تماديه في القصف مسبّباً خسائر فادحة في الأرزاق والبيئة». وذكّر البيان بأنّ «إسقاط أمن الجليل وإطلاق جبهة المقاومة الوطنيّة بدأ من حاصبيا عشيّة 21 تموز 1982... وبلدة شويّا هي بلدة الشهداء، وما حصل من سوء تفاهم لا يعبّر عن حقيقة موقف أهاليها». وأكّد القوميون «جهوزيّتهم للقيام بدورهم في مواجهة العدوّ الإسرائيلي ومنعه من تنفيذ مخطّطاته التقسيمية».

في السياق نفسه، رأى الحزب الديموقراطي اللبناني أنّه جرى تضخيم «ما ظهر في الفيديوات المسجلة في شويّا، والبناء عليه لغايات في نفس كثيرين، في حين أنّ موقف أهالي حاصبيا والمنطقة، والموقف العام لأبناء طائفة الموحدين الدروز واضح وصريح، وبوصلتهم معروفة منذ آلاف السنين ولا يُبدّلها تبديل».

وكتب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على «تويتر»، مُتمنّياً «أن نخرج جميعاً من هذا الجوّ الموتور على التواصل الاجتماعي، وأن نُحكّم العقل ونعتمد الموضوعية في التخاطب بعيداً من التشنج».

أما رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، فكتب أيضاً أنّ «كلّ المناطق متداخلة والمصالح مشتركة، ما نتمنّاه من الجميع الهدوء ووقف التصعيد والتحريض، ونحن نقف وراء موقف مشايخ البياضة، وأدعو الجميع إلى التزام موقفهم... لا ننسى طربيه العنز أوّل شهيد هو ابن حاصبيا».


المقاومة ورسالة القوة اللبنانية

نجيب نصرالله

بثقة المقتدر المسؤول ردّت المقاومة على رسالة الضعف الإسرائيلية، وأعلنت في بيان مقتضب، معدود الكلمات، مفعم بالثقة والموثوقية، مسؤوليتها المباشرة عن رسالة القوة التي استهدفت تجديد إفهام العدو، ومن معه في لبنان والإقليم وبعض العالم، بوجوب الإقرار والتسليم بواقع الخضوع والإذعان غير القابل للتعديل.

البيان الموجز الذي لم يتجاوز الأسطر القليلة قال الكثير، وتضمن ما هو أبعد من الإفهام المباشر بأن لا عودة إلى الوراء. وهذا الأبعد، وهو ما فهمه قادة الكيان جيداً وأدركوا مغازيه، يشمل أن على إسرائيل «الجديدة» أن تتعايش مع حقيقة الارتداع الشامل والكامل، وأن تتوقف عن التفكير بأي محاولة للعبث أو التهور. لأن من شأن العبث أو التهور، وهو ما طبع رسالة التجرؤ الإسرائيلي، بوهم الفرصة اللبنانية السانحة للتفلت من معادلات باتت أصلب من الفولاذ، أن يفضي إلى معادلات جديدة أقسى وأصعب، لا أقلها تصديع كامل البنيان الإسرائيلي وزلزلة أساسات الوجود المصطنع برمته.

البيان الموجز الذي لم يتعد مهر الردّ بالتوقيع اللبناني الواضح والناصع أكّد، أيضاً، على ما هو مؤكد ومعروف، لإسرائيل قبل غيرها، لجهة انتهاء زمن العربدة والعدوان المجانيّين. فالمقاومة التي أنهت «الزمن الإسرائيلي الجميل» معنية، أيضاً، بوأد الأوهام الإسرائيلية، أولاً، وتالياً، العربية والدولية المتجددة الساعية إلى استعادة المبادرة التي صار واضحاً للجميع أنه ما عاد بالإمكان استعادتها أبداً. فالواقع أن هناك ثمة ما انتهى وثمة ما يوشك على الولادة! وهذا هو أحد المضامين غير البسيطة لرسالة الردّ، والقوة اللبنانية، التي أحسن العدو فهم مضمونها المركب جيداً، وفرضت عليه، كما العادة، التراجع، وإعلان تنصله من محاولة العبث بقواعد الصراع الحاكمة، من خلال قوله إنه غير معني بالتصعيد، في إخراج رديء ومذلّ دلّ على مقدار الرعب الإسرائيلي الذي لا يني يتعاظم ويتعاظم.


رسالة القوّة اللبنانيّة والارتداع الإسرائيلي المؤقّت لا يلغيان احتمالات المواجهة المفتوحة التي ربّما لن تتأخّر

إسرائيل اليوم، هي إسرائيل التي لا حول لها ولا قوة. وهي إسرائيل التي يأكلها الخوف والقلق. إسرائيل اليوم هي إسرائيل التي تراقب التحولات بفزع شديد لم تعرفه طوال تاريخها القصير. لكنها، وبخلاف الماضي «البهيج» لا تملك إلا التسليم والتعايش معها، لأن من شأن التمرد على حقائق القوة التي فرضتها المقاومة أن يفضي إلى مشهد قيامي لا مكان فيه لإسرائيل ولا لرعاتها أو خدمها الجدد من أهل الجزيرة العربية الذين يوغلون في الخيانة والصفاقة حداً بات يحرج رعاتهم الغربيين، وهو ربما ما يدركه الإسرائيليون أكثر من غيرهم.

الردّ اللبناني الواضح والحاسم والدقيق، شكلاً ومضموناً، وما تلاه من تراجع إسرائيلي، يشي بافتتاح زمن جديد، ستكون له تداعياته الإسرائيلية والعربية والدولية، ويهيء لمسار غير عادي ينتظر هذا الكيان الذي لم يعد بقادر على الفهم أو التصرف. وهذا ما لم يكن ممكناً لولا أن هناك من بادر، نهايات القرن الماضي، وأخذ القرار الكبير بحمل الراية ودفع الأكلاف الباهظة التي لا بد منها وصولاً إلى استعادة الكرامة، أو صنعها.

إنها عظمة هذه المقاومة التي أحسنت البناء وأجادت الفعل وأتقنت العمل. إنها المقاومة التي بنت على صخر المواقف وحديدية التنظيم وعبقرية الفهم وذكاء الإدارة وصلابة الإرادة وجرأة القرار وصدق العطاء ونبل البذل وصحة الموقف وأخلاقية المواجهة وعدالة القضية...

رسالة القوة اللبنانية، والارتداع الإسرائيلي المؤقت لا يلغي احتمالات المواجهة المفتوحة التي ربما لن تتأخر. فالعدو يعيش ضيقاً وجودياً متعاظماً يفرض عليه، من جملة ما يفرض، تجديد المحاولة واقتناص الفرص التي يتوهم وجودها بالبناء على الضيق اللبناني وتداعيات الحصار الغربي المفروض على كامل البلد.

يبقى أن «الكومبارس» اللبناني والعربي الذي يواصل ألعاب التشويش، من خلال الاستثمار المجرم في أوجاع الناس، على نحو مشهدية ذكرى الرابع من آب لن يكون بأذكى من أسياده الذين يرتعشون خوفاً وقلقاً، وعليه أن يدفع الثمن المضاعف جراء ارتهانه وأوهامه التي لا علاج لها. وهي الأوهام التي أوقعت بالبلد وناسه في مهاوي الفقر تنفيذاً لمهمات الإلهاء والإرباك وتهشيم المناعة...


تعليقات: