طرابلس لم تحتفل بتكليف ميقاتي: كرامي حانق و\"المستقبل\" خائب

الحسابات الانتخابية أولاً (Getty)
الحسابات الانتخابية أولاً (Getty)


لم تنعكس الأجواء الإيجابية التي رافقت تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة على مدينته طرابلس.

ميدانيًا، غابت كل مظاهر الاحتفال بنيل ميقاتي ورقة التكليف الثالثة من القصر الجمهوري، بعد استقالة حكومة حسان دياب قبل نحو عام، عقب انفجار مرفأ بيروت، رغم حيثيته الشعبية التي توجته زعيمًا شماليًا بـ21 ألف صوت تفضيلي في انتخابات 2018.

وخلافًا لعادات "جماهير الزعماء" في طرابلس، لم تشهد المدينة بُعَيد إعلان التكليف لا مفرقعات ولا مواكب سيّارة ولا احتفالات من أي نوع. واكتفى بعض المؤيدين بتداول صورة ميقاتي عبر منصات التواصل الاجتماعي، موقعة باللون البنفسجي (شعار تيار العزم)، بشعار: "كل الثقة دولة الرئيس نجيب ميقاتي".

وغير ذلك، تواصلت الاحتجاجات المتنقلة والخجولة على الطرقات، تعبيرًا عن غضب المواطنين من التقنين القاسي الذي يفرضه أصحاب المولدات الخاصة.

سياسيًا، وإذا كان البرود الشعبي بالتعاطي مع تكليف ميقاتي، مبررًا وطبيعيًا نتيجة غرق اللبنانيين بهمومهم المعيشية -بفعل الانهيار التاريخي الذي تسبب به أركان المنظومة الحاكمة- فإن المشهد السياسي شمالًا بدا ضبابيًا، رغم كل محاولات التعبير عن إيجابية حيال التكليف الثالث.


حسابات ضيقة

وواقع الحال، تختلف الحسابات السياسية في طرابلس عمّا هو مُعلن على مستوى الملف الحكومي. فهذه المدينة ذات الغالبية السنية، يتفوق الطابع الكيدي والتنافسي بين القوى الممثلة فيها، على الطابع التوافقي والتصالحي، لحسابات سلطوية وانتخابية بالدرجة الأولى، حيث يتنافس الجميع على تقاسم الزعامة بعاصمة الشمال، فيما يسعى البعض إلى الاستئثار والتفرد بها.

ومن بين 9 نواب في طرابلس ومحيطها، صوتوا جميعًا لميقاتي بالاستشارات النيابية الملزمة، ما عدا فيصل كرامي الذي حجب صوته، خلافًا لما كان يُعرف بحليف اللقاء التشاوري والحليف الانتخابي النائب جهاد الصمد، الذي اعتبر أن ميقاتي هو الأكثر قبولًا لهذه المرحلة.

فكيف تقرأ القوى السياسية شمالًا تكليف ميقاتي؟

بعد أن جرى الترويج لتكليف فيصل كرامي خلفًا للحريري، سواء من قبله أو من قبل بعض حلفائه، يبدو أن كرامي قرر التزام الصمت بعد تكليف ميقاتي، الذي لا تجمعه به علاقات ودية، لا بالسياسة ولا في هموم طرابلس.

غير أن مطلعين على طبيعة موقفه، يحاولون التأكيد لـ"المدن" على نظرية تفيد أن تشكيل حكومة يبقى أفضل من بقاء البلد بلا حكومة، لكنهم يضعون ميقاتي في خانة من سبق تجريبهم، وفشل الرهان عليهم، وأن الوقت حان لاختبار شخصيات جديدة "لا تُثار الشبهات حول تاريخها".

لكن، يبدو أن صمت كرامي يداري امتعاضه الشديد من إعطاء الشرعية كعرف سياسي لنادي رؤساء الحكومة السابقين، على قاعدة أنه بدعة غير دستورية، تختزل الموقف السياسي السنّي، بأربع شخصيات يدورون بالفلك نفسه، ما يقضي بالتالي على حظوظ كل مرشح لا يحظى بدعمهم ومباركتهم.

على مستوى تيار المستقبل، فقد التزم تلقائيًا نوابه بالشمال بالتصويت لميقاتي، وتجاوزوا، على مضص ربما، تاريخًا مضطربًا من العلاقات مع نواب وممثلي تيار "العزم". وهو ما يفضي إلى التساؤل عن كيفية تطوير هذه العلاقة المستجدة بين ميقاتي–الحريري، على مسافة أشهرٍ قليلة من الانتخابات النيابية في ربيع 2022. فهل سيدخلانها كخصمين أم كحليفين؟ وما هي القواعد الجديدة لإدارة هذه العلاقة؟

يعتبر نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش، أنه على المستوى شخصي، يريد كأي مواطن لبناني، ومن طرابلس، أن تتشكل حكومة بأسرع وقت ممكن، للجم الانهيار الكبير الذي يجرف البلاد نحو الهاوية، اقتصاديًا ومعيشيًا. أما تسمية تياره السياسي لميقاتي، فيصفه بالقرار القيادي تلبيةً لمتطلبات المرحلة الراهنة، وبعد أن جرى هذا التكليف بالتوافق والتنسيق على مسار التأليف بين رؤساء الحكومة السابقين.

وقال لـ"المدن" إن تيار المستقبل كان يفضل أن يبقى الحريري مكلفًا وأن ينجح بتأليف الحكومة، لكن استفحال الخلاف مع فريق عون السياسي أوصل إلى المرحلة الراهنة.

وانتخابيًا، يعتبر علوش أن كل الاحتمالات مفتوحة لخوض المعركة بلبنان عمومًا وبالشمال خصوصًا، وإذا بقي القانون الانتخابي هو نفسه، قد يفضل "المستقبل" أن يخوض معركته وحيدًا، وفق علوش. أما إذا تغير هذا القانون، فيكمن أن تتبدل الخريطة الانتخابية، وأن تتطور بعض التحالفات لخوض المعركة سويًا.

ويعتبر علوش، كما نائب تيار العزم علي درويش، أن الحديث عن الانتخابات ما زال باكرًا. وفي السياق، يرى درويش، في حديث لـ "المدن"، أن ميقاتي يتطلع بإيجابية لتأليف الحكومة، ويركز كل اهتمامه عليها، بعيدًا عن أي حسابات أخرى انتخابية وسياسية ومناطقية.

ولدى سؤاله عن تطلعات ميقاتي لاستفادة طرابلس من ترؤس ابنها رجل الأعمال الملياردير للحكومة المقبلة، إذا نجح بمهمة التأليف، خصوصًا أن تجاربه السابقة بنظر البعض غير مشجعة؛ يجيب درويش أن ميقاتي أدار حكومة 2005 و2011 بظروف سياسية وأمنية بالغة الخطورة، وأن حكومته الأخيرة كانت فيها طرابلس تعيش تحت نيران معارك جبل محسن–باب التبانة، ما جعل الملف الأمني أولوية على كل الملفات الأخرى.

وما دون ذلك، فإن ميقاتي يحمل لطرابلس، حسب نائب كتلته، عددًا من المشاريع لا تقل عن عشرة، ترتبط بتلزيم مصفاة النفط بطرابلس ومشروع المنطقة الاقتصادية والمرفأ والمعرض.. وقال إن "التركيبة اللبنانية معقدة، ونسبة التفاؤل كبيرة لدى ميقاتي، وهي مقرونة بصدق القوى السياسية معه، على مستوى تسهيل مهمته، التي ينوي من خلالها وقف حريق الانهيار الممتدد بكل لبنان".

تعليقات: