الدولار يُدخل سجائر الفقراء السوق السوداء. السيدرز بـ7000 ليرة!

أسعار علب السجائر تفوق الأسعار الرسمية التي تحدّدها إدارة حصر التبغ والتنباك ( علي علوش )
أسعار علب السجائر تفوق الأسعار الرسمية التي تحدّدها إدارة حصر التبغ والتنباك ( علي علوش )


أطاحت الأزمة الاقتصادية في لبنان بالقدرة الشرائية لمتوسطي المداخيل، وأعدمت قدرة الفقراء على تأمين احتياجاتهم اليومية، وإذا كانت السجائر من الكماليات أو من المواد الاستهلاكية المميتة من دون شك، وغير الضرورية بالنسبة لكُثر، فإنها ورغم الضرر الذي تلحقه بالصحة، تُعد مادة أساسية يومية بالنسبة إلى شرائح واسعة من المجتمع، ولا تقل أهمية عن خبزهم اليومي.. ذاك الخبز الذي باتت أسعاره خيالية تفوق قدرة الفقراء الشرائية.

فاستهلاك علبة سجائر واحدة يومياً من نوع سيدرز الطويل، وهي الأدنى سعراً بين كافة أصناف السجائر، لا تقل تكلفتها شهرياً عن 180 ألف ليرة، أي ما يعادل نسبة 26.6 في المئة من الحد الأدنى للأجور. ويفوق سعر أبخس السجائر حالياً أي السيدرز، أضعاف ما كانت عليه أبهظها ثمناً قبل الأزمة كالمارلبورو Marlboro والدافيدوف Davidoff.


الدولار يطيح بالسيجارة الوطنية

ولا يكتفي التجار بما يفعله دولار السوق السوداء بسجائر الفقراء، فيعمد غالبيتهم إلى تحقيق أرباح إضافية، عبر بيع كافة أنواع السجائر بما فيها ما يُعرف بالسجائر الوطنية "السيدرز" Cedars بأسعار تفوق الأسعار الرسمية التي تحدّدها إدارة حصر التبغ والتنباك، التي هي أصلاً مرتفعة جداً بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار، وتأثيره المباشر على إنتاج التبغ في لبنان.

تعمد إدارة حصر التبغ والتنباك "الريجي" إلى إصدار لوائح أسعار كافة أنواع السجائر التي تُباع للعموم، مشمولة بالضريبة على القيمة المضافة VAT، كلّما دعت الحاجة. أما متى تدعو الحاجة لإعادة التسعير، فمرتبط ببورصة السوق السوداء للدولار، فتسارع ارتفاعه أو انخفاضه ينعكس مباشرة على تسعيرة السجائر. وهو ما بدا واضحاً في الأسبوع الأخير من شهر حزيران المنتهي.


الأسعار تلتحق بالدولار

فقد عمدت الريجي إلى رفع أسعار كافة أصناف السجائر مع ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل متسارع جداً وملامسته 18000 ليرة مؤخراً، لتعود وتخفض الأسعار بعد تراجع سعر صرف الدولار بما يقارب 1000 ليرة إلى محيط 17000 ليرة في الأيام السابقة. ويوضح رئيس مصلحة البيع، حسين سبيتي، في حديث إلى "المدن"، بأن الريجي تعمل على تغيير أسعار كافة أنواع السجائر عندما تجد من حاجة للتغيير. بمعنى أن التغيير ما قبل الأخير الذي طرأ على السجائر تم حين لامس سعر صرف الدولار 18000 ليرة "حينما بدأنا نواجه تمنعاً لدى السوبرماركت والمتاجر عن بيع الدخان بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير وعدم ملائمته مع التسعيرة القديمة. أما حين عاد وانخفض سعر صرف الدولار بتاريخ 29 حزيران بنحو 1000 ليرة، فعمدنا إلى خفض أسعار السجائر"، ويؤكد سبيتي أن الريجي مُلزمة بتغيير الأسعار تماشياً مع تصاعد الدولار بالإضافة إلى طلب وضغط السوبرماركت والمتاجر.

أما بالنظر إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل متسارع وشبه مستمر، فهل سيتم رفع أسعار السجائر من جديد؟ لا يستبعد سبيتي ذلك "لكن الزيادات بالأسعار تطرأ في حال تغير سعر صرف الدولار بشكل كبير، أي بما لا يقل عن 700 ليرة أو 1000 ليرة وأكثر. أما في حال تغيّر السعر بين 100 و300 أو حتى 400 ليرة "لن نُقدم على تعديل الأسعار" يؤكد سبيتي.


سوق سوداء للسجائر

أسعار السجائر المتغيّرة (الجدول المرفق) وإن كانت مرتفعة جداً بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل الأزمة، غير أنها تبقى أدنى من الأسعار المعتمدة لدى التجار، خصوصاً في المناطق خارج بيروت. فالتجار يسعّرون غالباً على أهوائهم ويحققون أرباحاً مضاعفة تفوق تلك المحدّدة لهم.

وإذا أخذنا السيدرز مثالاً، نلحظ أنها ارتفعت بأنواعها الأربعة بنحو 7 أضعاف سعرها قبل الأزمة، من نحو 750 ليرة إلى 1000 ليرة قبل انهيار سعر الصرف، إلى ما يتراوح بين 5000 ليرة و5750 ليرة حالياً، مع بلوغ أحد أنواعها (سيدرز سوبر سليم) في وقت سابق 6250 ليرة. لكن كل تلك الأسعار لا تعبّر بالضرورة عن واقع أسعار السجائر خصوصاً الوطنية منها. فالسيدرز تُباع فعلياً في الأسواق بما يتراوح بين 6500 ليرة و7000 ليرة. ولا يتردد أصحاب المحال عن بيعها ليلاً بنحو 8000 ليرة، استغلالاً لحاجة المستهلك في ظل إغلاق الأسواق.


هل من سجائر وطنية؟

قد يبرّر المستهلكون عملية رفع أسعار السجائر الأجنبية تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار. لكن كيف يمكن تبرير الارتفاعات الكبيرة لأسعار السجائر الوطنية؟ يعود السبب في ذلك وبكل بساطة لكون السجائر التي يتم التعامل معها على أنها وطنية وتحمل اسم الأرزة اللبنانية Cedars هي عملياً غير وطنية بأي من موادها المُستخدمة في صناعتها باستثناء 5 في المئة من تبغها.

فالسيدرز Cedars لا تحتوي على أكثر من 5 في المئة من التبغ اللبناني، أما باقي تبغها أي 95 في المئة فمصدره أميركا والبرازيل، ما يعني أن نكهة سجائر السيدرز ليس التبغ الجنوبي اللبناني، إنما النكهة الأميركية American blend وهي النكهة الأكثر شهرة وطلباً على مستوى العالم. وبالتالي، تصبح كافة المواد التي تدخل صناعة السجائر بما فيها السجائر "الوطنية" أجنبية الصنع ومستوردة، من بينها المطبوعات والكرتون الذي تُغلف به عُلب الدخان، والورق وكافة المواد الأخرى التي تدخل بصناعة السجائر.

يُذكر أن إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية "الريجي"، تنتج نحو 35 صنفاً من السجائر، مثل "كنت" و"غولواز" و"جيتان"، وغيرها من الأصناف وتفوق حالياً أسعار علبة المارلبورو والكنت والدافيدوف الـ20000 ليرة، حسب التسعيرة الرسمية. أما في الأسواق فتصل إلى 25000 ليرة. وتتفاوت بين تاجر وآخر، وحسب حاجة الزبون على غرار السوق السوداء للدولار والبنزين والدواء والمواد الغذائية وغيرها.


تعليقات: