مَن أنتم أيها الفاسدون؟

راجح الخوري
راجح الخوري


عرف لبنان في تاريخه رؤساء وزعماء أنقياء ومثاليين وشرفاء حتى الصميم، ولم يكن يخطر في بال الكثيرين، انه سيأتي علينا زمن يتحوّل فيه المسؤولون الى حفنة من عصابات سرقة الدولة ونهب المال العام وإغراق البلاد في ديون تزيد على مئة مليار دولار، واننا سنعجز عن تأمين الدواء والكهرباء ورغيف الخبز، وسنعود الى العصر الحجري سريعاً، وسيكون لنا “شرف” تسجيل اكبر كارثة انهيار منذ مئتي سنة، ولكن هذا الأمر الفاضح حصل وسيحصل ما هو أسوأ بكثير.

من أين يأتي كل هذا الطقم السياسي الفاسد، الذي نهب الدولة ويحاول ان يغطي جريمته بالسطو على ما تبقّى من ودائع الناس في المصارف؟ ربما يأتي من الجحيم، والأصدق انه يأتي من صمت الناس وعدم انفجار ثورة عارمة تحاسب كل الفاسدين وتعلّق مَن يستحق منهم على أعمدة الكهرباء وتعرضهم عراة في مستوعبات النفايات في الساحات العامة، ولكن الى متى الصمت؟

لقد مات الرئيس فؤاد شهاب ولم يترك لزوجته ما يكفيها لشراء حاجاتها، كما اكتشف الرئيس شارل حلو عندما زارها ووجد انه كان يجلس على مقاعد ممزقة في بيته المتواضع. فمن أين نأتي بفؤاد شهاب، ومن أين نأتي بشارل حلو، ومن أين نأتي بالرئيس الشريف الياس سركيس الذي اضطر الى بيع بيته، لأنه كان اميناً على الدولة ومال الدولة، ومن أين نأتي بكميل شمعون الذي بعدما اضطر الى ترك قصر السعديات سكن في شقة مستأجرة في الأشرفية؟!

ويا سيدي، من أين نأتي بعبدالله اليافي الذي شكَّل تسع حكومات وكان وزيراً في عشر حكومات أخرى، وبقي يسكن في شقة مستأجرة صغيرة في اول الطريق الجديدة، ومن أين نأتي بتقيّ الدين الصلح، وكيف نجد مماثلاً في الإستقامة والتواضع والعفة مثل سليم الحصّ؟ ولا يقتصر الأمر على هذه الأسماء التاريخية فحسب، فهناك الكثيرون الذين ليسوا قطعاً من هذا الزمن الفاحش الفساد والنهب، ويضيق المجال عن تعداد فضائلهم.

ماذا جرى لنا، ما هذا الفحش في السرقة والفساد، ما هذه الوقاحة في قرع طبول محاربة الفساد الذي يتأكد كل يوم انه اقوى من الطبول وقارعيها؟

أيها اللبنانيون الخانعون، لقد بنى لينين الإتحاد السوفياتي من العدم، لكنه عندما رحل وجدوا في جيبه 6 روبلات فقط، ولقد هزم ستالين النازية وامتلك دولة فيها 20 ألف دبابة، ورحل بلا بيت يمتلكه، وبقيت ابنته سفيتلانا تعيش في بيوت الايجار بعد انهيار الإتحاد السوفياتي. ولقد أسس هوشيه منه فيتنام في بضعة أعوام وأصبحت هذه الدولة الزراعية دولة صناعية متقدمة، لكن هوشيه منه مات في بيت من القش بين رفاقه القدامى. وكان عبد الكريم قاسم يملك قطعة ارض في قضاء الصويرة، لكنه تبرّع بها لبناء مدرسة، وكان يسكن في شقة مستأجرة. ولقد أسس ماوتسي تونغ الصين الحديثة، لكنه كان ينزل الى الشارع ليكنس الطرق مع عمال النظافة. وعندما أهدى صدام حسين سيارتَي مرسيدس فاخرتين بعد مؤتمر هافانا لعدم الإنحيازالى فيديل كاسترو، لم يستقلّهما بل باعهما بالمزاد العلني وأُضيف ثمنهما الى المالية العامة!

فمن أين أنتم أيها المسؤولون في لبنان، الذين لن تتركوا للأرملة الفلس الذي ارسله اليها ولدها لسترة آخرتها … والى متى هذا التكالب على أموال الدولة والمودعين ومعظمهم من “الغلابى”؟

تعليقات: