نصيحة MTV للمودعين: بلّطوا البحر ولا تقتربوا من المصارف

جيسي طراد قسطون
جيسي طراد قسطون


"مَن يأكل خبز السلطان، يضرب بسيفه". مقولة تنطبق على كلّ متزلّفٍ ومستفيدٍ من صاحب مال أو منصب. وقد يكون الضرب مُبَرَّراً أحياناً للجياع والمظلومين، لكنّه لا يُبَرَّر للعارفين بتفاصيل الأمور والمُقدِّمين أنفسهم بوصفهم خبراء ومن عليّة القوم وأبناء "الإتيكيت" الذي يفترض التبحُّر والإطّلاع للحفاظ على المكانة وماء الوجه. وهو ما افتقدته MTV المعروفة لدى الجمهور بـ"قناة الإتيكيت" بأثر من برنامجها الشهير الذي يعلِّم الجمهور كيفية الكلام والتصرّف في المناسبات، وسط أزمتي كورونا والإفلاس. وقناة الإتيكيت تلك، ارتأت دخول مجال الاقتصاد والنقد، ضاربة بسيف المصارف وسلاطينها، فسقطت علمياً وأخلاقياً.

انتقدت MTV في نشرتها الإخبارية، مساء الأربعاء 1 حزيران، قرار مجلس شورى الدولة وقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان الذي يبيح للمصارف تبديل عملة الحساب من دولار إلى ليرة وفق سعر صرف 3900 ليرة. وبصورة تهكّمية وبتعابير وجه استعلائية، رأت الناطقة الاقتصادية بلسان القناة، جيسي طراد قسطون، أن الأطراف التي تقدّمت بدعوى الإبطال لدى شورى الدولة، لم تدرك هَولَ ما ارتكبته. فقرار مصرف لبنان الذي يسمح للمصارف تسليم الودائع الدولارية بالليرة وفق سعر 3900 ليرة للدولار، يندرج ضمن "القرارات الاستثنائية التي تخفف من معاناة الناس قدر الامكان"، وفق قسطون التي كشفت أن "القوانين لا تفرض على المصارف تسديد الوديعة بالدولار الورقي، كونها لا تمتلك السيولة". ووضعت قسطون المودعين أمام خيارين، في حال قرر مجلس شورى الدولة إبطال قرار المركزي إبطالاً نهائياً، فإما "سحب اموالهم بشيكات مصرفية أو سحبها نقداً بالليرة وبالسعر الرسمي 1500 ليرة". متسائلة "لمن انتصر القضاء؟".

وخلصت قسطون إلى أن مَن يريد إبطال قرار المركزي، إنما هو "يدفع باتجاه انهيار القطاع المصرفي وهدمه، وهذا يعني ضياع الودائع في المصارف". وأنهت قسطون مطالعتها لـ"جريمة" شورى الدولة، بنصيحة للمعترضين: "أوقفوا الشعبوية والتضليل الممنهج"، فيما الحل الأمثل هو "البدء بالاصلاح ووقف التهريب والفساد".

التضليل الممنهج هو ما قامت به قسطون وقناتها حين تناولت قضية عميقة بصورة سطحية. ولأن مستوى النقاش سطحي، هنا بعض بديهيات الحديث في هذا الملف، على قدرٍ تستطيع القناة وناطقتها احتماله.

تحتاج أزمة البلاد إلى قرارات استثنائية. وهذا صحيح، لكن القرارات يجب أن تستند إلى مرجع قانوني يهدف إلى ضمان حقوق المودعين والمصارف، وليس حقوق طرف على حساب الآخر. وقبلاً، يجب أن تكون الظروف الاستثنائية، قاهرة، وليست مقصودة ومتتالية على مدى 30 عاماً.

والمصارف، منذ التماس التغيّر الطفيف في سعر صرف الليرة، شرعت بتحديد سقوف للسحوبات ونفّذت، من رأسها، كابيتال كونترول وهيركات على الودائع، من دون سند قانوني. ولاحقاً امتنعت عن تحويل الأموال للخارج، وأقفلت أبوابها تحت ذرائع واهية، ساهمت جميعها بانعدام ثقة المودعين وأكدت لهم أن المصارف ومن خلفها مصرف لبنان والطبقة السياسية، ذاهبون نحو الأسوأ. إذاً، المصارف أعلنت حرباً غير قانونية على المودعين، والبادىء أظلم.

وتناست قسطون أن المصارف أسست لانهيارها منذ لحظة موافقتها على تمويل الفساد المتمثّل في وضع ودائع الناس لديها، بين يديّ مصرف لبنان، طمعاً في فوائد مرتفعة. في حين أن المصرف المركزي، مَوَّل مشاريع وصفقات الطبقة السياسية، مع علمه، وعلم المصارف، بأن تلك الأموال لن تعود. ثم إنَّ من بديهيات التفكير المالي والنقدي، الانتباه إلى أن معدلات الفوائد المرتفعة، وسط اقتصاد غير مُنتِج وفساد مستشرٍ، ستخلق أزمة يصعب احتواؤها، وهو ما وصلت إليه المصارف.

وفي مطالعتها القوية، لم تخبرنا قسطون عن سبب فتح المصارف شبكاتها الالكترونية لتحويل أموال كبار السياسيين والمستثمرين، ومنهم مصرفيون، إلى الخارج، منذ منتصف العام 2017، واشتدّت وتيرة التحويل بين منتصف العام 2018 ونهاية العام 2019، واستمر التحويل، رغم انفجار الأزمة في 17 تشرين الأول 2019، ومطالبة الناس لمصرف لبنان بالدرجة الأولى، بضبط الوضع النقدي وعدم السماح بانفلات سعر صرف الدولار. ويومها، أعلن الحاكم رياض سلامة أن المركزي غير مسؤول عن سعر صرف الدولار، لأنه سلعة يتحدد سعرها بحسب العرض والطلب، فيما بات اليوم مسؤولاً وقادراً على وضع آليات للضبط، لكن بعد فوات الأوان. كما أن الطبقة السياسية لم تنل حصّتها من المسؤولية في تعليق المذيعة التي لم تخبرنا لماذا امتنع السياسيون عن إقرار قانون الكابيتال كونترول، ولمصلحة مَن جرت التغطية على التحويلات للخارج؟

أيضاً، لا يمكن للناطقة الاقتصادية تلك، تسخيف الأزمة وحصر الحلول في إصدار شيكات أو تسليم الودائع وفق السعر الرسمي. فهذا الحل يصحّ في وضع مستقر. أما في حالة عدم الاستقرار، فإن ردود أفعال المودعين لن تكون مستقرة. وبالتالي، إذا لجأت المصارف إلى حلول ملتوية، فإنها ستتعرض لردود أفعال كالتي نفّذها المودعون، أي الحرق والتكسير وسحب بعض الأموال بالقوة، وهو فعل مشروع لصاحب الحق، حين يُغتصب حقه من دون مسوّغ قانوني. علماً، أن المودعين لم يعترضوا على إصدار الشيكات، وهو ما حصل في البداية ووافق عليه المودعون. لكن المصارف متى أرادت إصدار شيكات، عليها صرف الشيكات لحامليها وبعملتها، وهو ما لا تفعله.

نعم، ليس الحفاظ على قيمة العملة من مسؤولية المصارف، لكن الحفاظ على الودائع، هو من صلب مسؤوليتها. والالتزام بالعقد الموقّع بين المصرف وصاحب الوديعة، هو من واجبات الطرفين. فحين يسلّم المودع دولاراته للمصرف، ويوقّع عقد الإيداع بالدولار، من واجب المصرف تسليم الوديعة بالدولار. والأصل في مسؤولية المصارف، هو عِلمها بتفاصيل تضييع الأموال. وهذا العِلم، يختصر أي نقاش قانوني أو أخلاقي يمكن لأحدهم أن يتناول الموضوع من خلاله. فلا يمكن لجهة أن تستفيد من الفساد وتتستّر عليه، وحين تنكشف الأمور، تتنصّل من المسؤولية. والمصارف التي استفادت من الهندسات المالية والفوائد المرتفعة وتضخيم حجم القطاع المصرفي، لا يمكنها التنصل من المسؤولية اليوم.

وفي السياق، فإن الكلام عن محاربة الفساد، حقٌّ يراد به باطل. فمَن هُم المُطالبون بوقف الفساد؟ جُلّهم من أصحاب المصارف والمساهمين فيها والمستفيدين من ألاعيبها، ولهذا السبب امتنع السياسيون عن اصدار القوانين التي تنظّم وتدير الأزمة، ولأجل ذلك امتنع مصرف لبنان عن التدخل، إلا لحماية المصارف.

خلاصة التحليل القسطوني، أن على أصحاب الحقوق القبول بقصّ دولاراتهم على مقصلة الـ3900 ليرة، أو تبليط البحر. وحذار التعرّض للمصارف الجاهزة دوماً لقمع التمرّد بسلاح الشيكات أو إقفال الأبواب!

تعليقات: