بعد قرار الشورى: الودائع بـ12000 ليرة أم بـ1515 ليرة؟

توقف عدد من المصارف اليوم عن سداد الودائع الدولارية وفق سعر صرف 3900 ليرة (عباس سلمان)
توقف عدد من المصارف اليوم عن سداد الودائع الدولارية وفق سعر صرف 3900 ليرة (عباس سلمان)


كثرت التفسيرات لقرار مجلس شوري الدولة الأخير الذي يوقف بموجبه العمل بتعميم مصرف لبنان، والذي كان يقضي بصرف الودائع المصرفية المقوّمة بالدولار وفق سعر صرف 3900 ليرة وليس بعملة الحساب. وكان لافتاً أن غالبية التفسيرات والتأويلات المبنية على القرار جاءت مشكّكة بصوابيته، وداعمة بشكل مباشر أو غير مباشر لممارسات المصارف غير القانونية والمغطاة بتعاميم مصرف لبنان (من بينها 151) وقراراته.

وفي حين ذهب البعض إلى اعتبار قرار مجلس الشورى تواطؤاً متعمداً وغير مباشر مع المصارف، على أساس أن القرار أوقف العمل بصرف الدولار المصرفي بـ3900 ليرة، وتالياً، أجاز بشكل غير مباشر للمصارف فرض عمليات السحب وفق سعر الصرف الرسمي، أي 1515 ليرة.. ذهب البعض الآخر إلى وصف القرار بـ"مبادرة شعبوية متأخرة" تستهدف إيهام المودعين من قبل مجلس الشورى والمحامين المتقدمين بالمراجعة أمامه، بتحقيق إنجاز يتمثل بحماية أموالهم، في حين أن الودائع الدولارية سيبدأ سدادها بعملتها في آخر شهر حزيران الحالي بشكل جزئي، بناء على قرار سابق لمصرف لبنان.

وبين هذا وذاك، ثمة من يرى أن قرار مجلس الشورى جاء ليضع النقاط على الحروف لجهة تصويب البوصلة في اتجاه قوننة التعامل بين المصارف والمودعين ووضع حدّ لتجاوزاتها.. فما مدى أهمية قرار مجلس الشورى وفعاليته؟ وهل بموجبه ستتوقف فعلياً عمليات السحب بـ3900 ليرة والعودة إلى السحب بالدولار، أم بسعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، أم بسعر الصرف المعتمد بمنصة صيرفة أي 12000 ليرة؟


توقف المصارف عن الدفع

تماشياً مع قرار مجلس شورى الدولة، توقف عدد من المصارف اليوم عن سداد الودائع الدولارية وفق سعر صرف 3900 ليرة. قد يُفهم من إجراء تلك المصارف أنها تدفع إلى صرف الودائع الدولارية لمستحقيها وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة. وهو أمر سيحصل قطعاً في ظل تمنّع المصارف عن تسليم الدولارات النقدية لمودعيها. لكن قرار الشورى يُلزم المصارف بالالتزام بالنصوص القانونية التي تحكم علاقتها مع مودعيها، والتي تفرض عليها تسليم الودائع بعملتها.. ولكن نظراً لشح الدولارات وعدم توافرها حسب ما تؤكد المصارف ومصرف لبنان وحتى السياسيين، استندت المصارف إلى قانون النقد والتسليف واعتمدت سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار، أي 1515 ليرة. ووفق المعلومات، قامت بعض المصارف فعلياً اليوم بتحديد سحوبات عملائها وفق سعر صرف الـ1515 ليرة، ما أوقعهم بخسائر تفوق 85 في المئة من قيمة أموالهم.

ونظراً لغياب البديل عن سعر الصرف المعمول به في المصارف، أي الـ3900 ليرة، تريّثت رابطة المودعين في وقت سابق بتقديم مراجعة لدى مجلس الشورى لإبطال التعميم 151. لكن صدور قرار الشورى بوقف تنفيذه هو قرار صائب ومحق. إلا أن المعضلة هي في عدم توافر بديل حالياً، يقول أحد محامي رابطة الدفاع عن المودعين رفيق غريزي في حديث إلى "المدن". وتكمن أهمية القرار في تأكيده عدم قانونية تحديد سعر الصرف بـ3900 ليرة للدولار الواحد، بناء على بدع حاكم مصرف لبنان غير القانونية. لكن وفق غريزي، ستتفاقم الأمور في المرحلة المقبلة وسيتعرّض المودعون إلى ظلم كبير، لعدم توفر بديل عن سداد الودائع بالدولار، ونظراً لرفض المصارف سداد الودائع بعملتها الأساسية.

أما عن المودعين الذين وقعوا فريسة انتهازية المصارف اليوم، واضطروا إلى السحب من أموالهم وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار، فينصحهم غريزي باللجوء إلى القضاء، للمطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق بهم من المصارف. وهذا الأمر ينطبق على كافة المودعين الذين سحبوا على مدار أكثر من سنة من أموالهم وفق سعر صرف 3900 ليرة. فيمكنهم مطالبة المصارف أمام المحاكم بالتعويض عن الضرر اللاحق بهم، نتيجة تحديد سعر صرف الدولار بـ3900 ليرة.


إلزامية قرار الشورى

بعد تبلّغ مصرف لبنان قرار مجلس شورى الدولة رسمياً اليوم، تردّد -وفق مصادر- أن مصرف لبنان ينوي التقدّم بمراجعة، للرجوع عن القرار و"ليُبنى على الشيء مقتضاه". وتفيد المصادر عن توجّه مصرف لبنان إلى رفع سعر الصرف المعمول به أي 3900 ليرة في وقت لاحق، تجنّباً لأي حراك أو ممارسات اعتراضية على المصارف، كتلك التي شهدتها في وقت سابق.

أما عن إلزامية قرار مجلس الشورى، فيمكن القول أن كل التعاميم التي تصدر عن مصرف لبنان ويتجاوز فيها حدود السلطة أو الصلاحيات الممنوحة له، هي مخالفة وقابلة للإبطال أمام مجلس شورى الدولة. فقرار مجلس الشورى من أكثر القرارات صوابية بين كافة القرارات التي صدرت منذ بداية الأزمة المصرفية وحتى اليوم، إن كان لناحية سياقه القانوني أو المنطق القانوني والدعامة القانونية التي بني عليها. هكذا ترى الأستاذة الجامعية المتخصّصة بقانون المصارف سابين الكيك، القرار. فهو ليس مجتزءاً ولا هو منقوص، بل هو قرار إعدادي صدر قبل صدور القرار النهائي. وقد بت بمسألة تنفيذ تعميم مصرف لبنان غير القانوني. وتفيد الكيك في حديثها إلى "المدن"، بأن مجلس الشورى أوقف تنفيذ التعميم في قراره الإعدادي، على نحو لا يمكنه الانتظار إلى حين صدور القرار النهائي، لما يمكن أن يفاقم الأضرار أكثر فأكثر. وإلى حين صدور القرار النهائي لا تنفيذ لتعميم مصرف لبنان. مرجّحة توجّه مجلس الشورى لاحقاً إلى إبطال التعميم لتجاوزه حد السلطة.

وحين يُبطل مجلس الشورى تعميم مصرف لبنان، حينها لا يمكن للمصارف أن تتمنّع عن تنفيذ قرار الإبطال، تؤكد الكيك. ففي هذا الإطار، يكون مجلس الشورى قد أكد من خلال قراره المذكور على قانون الموجبات والعقود فيما خص رد الوديعة.


بالدولار أم بـ12000 ليرة؟

بالنسبة إلى المودعين، كل ما يعنيهم هو استرجاع حقهم باستلام ودائعهم الدولارية بعملتها الأساسية، أي بالدولار، أو بسعر صرف يوازي قيمتها الفعلية، أي ما لا يقل عن 12000 ليرة حالياً. وهنا توضح الكيك أنه ليس من مهمة مجلس الشورى تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين، ولا بإلزام المصارف بأمر معين. ولكن من مهامه وصلاحياته إبطال أي قرار مخالف. وهو ما يرجّح أن يحصل في موضوع التعميم 151. ووفق الكيك، يكفي أن يقرّ مجلس الشورى مخالفة المصارف النصوص القانونية التي تلزمها برد الودائع بعملتها ذاتها، أو بعملة أخرى ذات قيمة معادلة لقيمة الوديعة، أي بسعر صرف فعلي.. فذلك يعني أنه لا يمكن للمصارف العودة إلى سعر صرف الـ1515 ليرة، لأسباب عديدة، أهمها أن مصرف لبنان أصدر تعميم بالـ3900. ما يعني أنه اعترف بسعر الصرف الجديد وبعدم واقعية السعر الرسمي 1515، لكنه اختار الـ3900 للتخفيف من خسائر المصارف.

وفي حين ترى الكيك أنه يكفي إقرار مجلس الشورى بأن التعميم 151 مخالف للقانون، وعليه يجب أن ترد الوديعة بالعملة الأساسية، والنصوص القانونية كافة هي نصوص ملزمة، وبالتالي على المصارف الإلتزام بها، ورد الودائع إما بالدولار أو ما يوازي قيمتها فعلياً (حالياً 13100 ليرة).. يرى غريزي ممثلاُ رابطة المودعين، أن القرار وإن كان محقاً ومُلزماً، إلا أنه سيرتّب مفاعيل غير إيجابية على المودعين، أقله على المدى المنظور، خصوصاً لأولئك المُضطرين إلى إجراء عمليات سحب من ودائعهم راهناً.

وهناك من يفيد أنه في حال التزم مصرف لبنان ببدء عملية سداد 25000 دولار من الودائع كحد أقصى، في نهاية حزيران، نصفها بالدولار نقداً ونصفها الآخر بالليرة وفق سعر صرف منصة صيرفة، فإنه من المحتمل أن يعمد إلى رفع سعر الصرف المعمول به حالياً في المصارف أي 3900 ليرة. هذا في حال قدم مراجعته إلى الشورى حول إبطال قرار وقف تنفيذ التعميم 151.

تعليقات: