رسالة الراعي الى الحريري: ماذا بين السطور؟


حفلت عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي الأحد الماضي بالإشارات السياسية، الواضحة منها والمشفّرة، والتي كان «بيت الوسط» هو المعني الأساسي بها. فهل من إعادة تموضع للراعي أم لا تجوز المبالغة في التفسير؟

بدت عظة الراعي امس الاول لافتة في مضمونها السياسي، بعدما انطوت على رسالة الى الرئيس المكلّف سعد الحريري، بأنّ «عليك المبادرة وتقديم تشكيلة محدثة إلى رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن، والاتفاق معه على الهيكلية والحقائب والأسماء على أساس حكومة من اختصاصيين غير حزبيين لا يهيمن أي فريق عليها».

ابعد من ذلك، ذهب البطريرك في رفع السقف الى حدّ القول انّه «إذا لم يتفق عون والحريري في ما بينهما، فليستخلصا العِبَر ويتخذا الموقف الشجاع الذي يتيح عملية تأليف جديدة».

أوحى موقف الراعي للبعض بأنّ هناك نوعاً من التعديل في مقاربته لملف تشكيل الحكومة، ذلك أنّه كان يميل سابقاً الى تحميل رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» اكثر من غيرهما المسؤولية عن عرقلة تأليف الحكومة، وهو الأمر الذي أوجد جفاء لفترة من الوقت بينه وبين قصر بعبدا وميرنا الشالوحي.

هذه المرة، أُعطي كلام الراعي انطباعاً واضحاً بأنّه غير مرتاح الى النمط المعتمد لدى الرئيس المكلّف تحديداً في التعامل مع مهمة التأليف، علماً انّ بعض القريبين من بكركي باتوا يبدون انزعاجهم من كون الحريري يكثر رحلاته الى الخارج بدلاً من ان يكثّف سعيه في الداخل الى انجاز التشكيل، وبالتالي فقد خصّص له البطريرك فقرة مستقلة في عظته، لحضّه على المبادرة و»تحديث» التشكيلة التي سبق أن قدّمها الى عون، ناصحاً باعتماد معايير تتقاطع مع تلك التي حدّدها رئيس الجمهورية، خصوصاً لجهة وجوب حصول اتفاق بين عون والحريري حول الهيكلية الحكومية والحقائب والاسماء.

وهكذا يكون الراعي قد وضع الكرة في ملعب الحريري، طالباً منه أن يبادر في اتجاه رئيس الجمهورية، وان يغادر مربّع التشكيلة الأولى التي انتهت مدة صلاحيتها، خصوصاً بعد إبداء الحريري موافقة مبدئية على صيغة حكومة الـ 24 وزيراً.

لم يعد جائزاً بالنسبة إلى البطريرك الماروني ان يظلّ الحريري متمسكاً بلائحة الـ18 ولا يتزحرح عنها بهذا الشكل، مع انّ التطورات تجاوزتها واصبحت تحتاج إلى «update»، خصوصاً انّ الرئيس المكلّف مدعو في استمرار، انطلاقاً من طبيعة دوره، الى ابتكار الحلول والمعالجات وتكرار المحاولة تلو الأخرى، لا الاستسلام للعِقَد والعقبات والإنكفاء عن السعي المتواصل.

ومع انّ الراعي لا يزال يمنح الأفضلية للحريري في تشكيل الحكومة لاعتبارات ميثاقية، الّا انّه، وللمرة الأولى ربما، اطلق اشارة الى إمكان الاستغناء عنه اذا بقي التفاهم بينه وبين عون متعذراً.

هذا ما يمكن استنتاجه من بين سطور عظة البطريرك الذي دعا الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية الى اتخاذ موقف شجاع يسمح بإطلاق عملية تأليف جديدة في حال لم يتفقا. لكن شخصية محيطة ببكركي تلفت الى انّ اعتذار الحريري هو أحد الخيارات التي كان يقصدها الراعي، معتبرة انّ من الاحتمالات الأخرى لكسر جليد المراوحة استقالة النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة او حتى الاستعانة بالامم المتحدة.

ولئن كان طرح الراعي المستجد يعكس تململاً من سلوك الحريري، الاّ انّ اصدقاء لبكركي يؤكّدون انّ موقع الراعي ثابت، وانّ الآخرين هم الذين يبتعدون او يقتربون منه تبعاً لمواقفهم وتصرفاتهم. ويشدّد هؤلاء على أنّ الراعي ليس مع عون ضدّ الحريري او العكس، بل همّه الوحيد ان يتفاهما، لأنّه لا يمكن الحكومة ان تولد من دون توافقهما على قاعدة التوازن بينهما، وهو يضطر الى رفع الصوت تباعاً، لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل المراوغة والمراوحة.

وعلى الرغم من انّ الراعي يلمح ضمناً الى انّه أصبح لا يمانع في اعتذار الحريري، اذا اضطر الأمر، غير انّ السيناريو الافضل، من وجهة نظره، يبقى في ان يلتقي عون والحريري مجدداً، وأن يتفقا على تشكيلة جديدة، لأنّ تغيير الحريري قد تكون له تبعات سلبية على مستوى البيئة السنّية التي لن تتقبّل تكليف شخصية تفتقر الى غطاء الطائفة المستمد من المفتي والحريري ورؤساء الحكومات السابقين، ما يهدّد بأزمة اضافية ليست في أوانها بالتأكيد، كما ينبّه القريبون من بكركي.

تعليقات: