«سيف القدس»: زمن جديد لفلسطين


مفاوضات إنهاء الجولة القتالية بين غزة والعدو الإسرائيلي لم تبدأ فعلياً إلّا منذ ثلاثة أيام، هي المدّة التي طلبها بنيامين نتنياهو من جو بايدن في اتصالهما الثالث، وكلّ ما كان قبلها لم يتعدّ المحاولات، ليخلص الحراك السياسي مساء أمس إلى ما يشبه الاتفاق، لكنه ليس على شاكلة اتفاقَي 2014 و2012 وغيرهما. إنه أشبه بتفاهمات كُتبت بالنار وبرؤوس الصواريخ، ولذلك هي قائمة على معادلة هشّة قد تسقط في أيّ لحظة، ما دام العدو لا ينوي التراجع عن نيّاته التوسّعية الاستيطانية. هو كان يعلم أنه خسر الجولة من البداية، لكنه لم يرغب في إعطاء المقاومة النصف الثاني من الانتصار. بدءاً من اليوم، ستبدأ محاولة مصرية ــ مسنودة أميركياً ــ لترسيم اتفاق سيحارِب فيه الجميع بالسياسة، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو الذي سيجد نفسه أمام سيل من الأسئلة التي ستستدعي ربّما تشكيل "فينوغراد غزّاوية". في المقابل، تقف المقاومة واثقة من خطواتها، فيما ينبئ لقاء دمشق اللافت، أمس، بأن تداعيات جولة "سيف القدس" ستتخطّى الميدان الفلسطيني، لتطال محور المقاومة برمّته، تعزيزاً لوحدة أطرافه وترابط ساحاته.

هذا في ما خصّ القتال العسكري المباشر، أمّا في ما يعني الضفة والـ 48 والقدس، فهو شأن آخر، لكنه يبقى شأن المقاومة التي أكدت أنها شدّدت على المصريين والأمم المتحدة وكلّ الأطراف التي تواصلت معها أنها لن ترخي يدها عن الزناد لحظة واحدة، بل أكدت بصوت واحد، هو صوت «أبو عبيدة»، أنها أعدّت ضربة صاروخية يغطّي شعاعها فلسطين كلّها، وأن قرار هذه الضربة موضوع على الطاولة بانتظار مراقبة سلوك العدو والتزامه، لتكون الطلقة الأخيرة في هذه المواجهة بيدها، وكذلك الطلقة الأولى في أيّ مواجهة مقبلة كما فعلت أخيراً. وإلى حين ذلك، سيشهد اليوم الجمعة تلبية لـ«دعوات من كلّ فلسطين لشدّ الرحال إلى باحات الأقصى لأداء صلاة الفجر العظيم»، وحشوداً على الحدود كافة وفي الداخل



عندما تفقد اسرائيل المبادرة في الميدان

ابراهيم الأمين

لم يكن أحد في كيان العدو يتوقع ما فعلته المقاومة في غزة. كل كلام عن تقديرات وتوقّعات فقد صدقيته مع انطلاق الصواريخ نحو القدس، بعد فترة وجيزة من تهديد قائد «كتائب القسام» المجاهد ابو خالد الضيف.

هذه النقطة، وحدها، تمثل العنوان الرئيس للأزمة في اسرائيل. أزمة العقل السياسي والعسكري والاستخباراتي. أزمة «اللايقين» ازاء ما يمكن ان يصدر عن الطرف الآخر. وهي نفسها الأزمة القائمة مع لبنان منذ سنوات طويلة، وتفاقمت مع غزة منذ سنوات قليلة، قبل أن يتضح حجمها مع اندلاع المواجهة العسكرية الأخيرة.

أول الامر هو أن تبادر المقاومة الى الحرب. ومن أين؟ من قطاع غزة المحاصر بلقمة عيشه، وبالضغط العسكري والأمني والسياسي من غالبية حكومات المنطقة والعالم، والذي يواجه أزمات مستجدّة بفعل تفاقم الازمة الاقتصادية وانتشار جائحة كورونا، كما يواجه التحدي السياسي المتصل باستحقاق الانتخابات الفلسطينية. وهو القطاع الذي يضم حركات اسلامية تواجه أعقد حملة يشارك فيها كثيرون من دول العالم ونخبه.

لم يكن العدو يتوقّع بأن يبادر القطاع الى خطوة كهذه. ولو كان لديه ادنى تقدير، أمني او سياسي، لكان تصرف بطريقة مغايرة في ادارته لملف العدوان على القدس وأحياء المدينة العربية، ولكان وضع خطة عسكرية تمنحه هامشاً اضافياً. لكن القطاع بادر الى خطوة نوعية، جعلت العدو يخسر ما تميز به دوماً، وهو عنصر المباغتة الناجم عن تفوقه في المبادرة الى شن الحروب. يكفي ان يراقب العدو أداء المقاومة في غزة ليبدأ بحسابات مختلفة في بقية جبهات المقاومة، خصوصا جبهة لبنان التي تعلمت من درس غزة الاخير ما يكفي لاعادة النظر في امور كثيرة في شأن المواجهة مع العدو، لا تتعلق بالردع التقليدي، بل بالعقيدة القتالية القائمة على مبدأ الهجوم الدفاعي والهجوم الوقائي.

امام ما فعلته غزة، كان العدو أمام سيل من المفاجآت. لا يتعلق الامر، فقط، بقدرة المقاومة على اطلاق صليات كبيرة من الصواريخ تصل الى عمق الكيان. بل في أن رد فعل الفلسطينيين على إطلاق الصواريخ تجاوز التضامن الاحتفالي، كما يفعلون عادة، الى حدود الانخراط المباشر في مواجهة كسرت كل الرتابة التي قامت خلال عقد في الضفة الغربية وأراضي الـ48. لم يكن العدو يحسب ان يخرج جيل جديد من الفلسطينيين في تحركات شعبية تتخللها احتجاجات عنيفة ضد قوات الاحتلال. وخلال ايام قليلة، كانت «اسرائيل» أمام أزمة من نوع مختلف، هي أزمة انعدام القدرة على ضبط المشهد الفلسطيني في الضفة، حيث لا يمكن السلطة الفلسطينية ممارسة قمع استثنائي، وهي التي تعرف ان مشكلتها كسلطة متعاونة مع الاحتلال باتت اكبر من السابق. والحال نفسها انسحبت على مناطق الـ48 حيث فشلت كل القيادات التقليدية في كبح جماح التحركات الشعبية. اكثر من ذلك، فان العدو قرأ في ما حصل في مناطق الـ48 تمرداً يمكن ان يتطور الى ابعد مما يحسبه الجميع، وهو يشير صراحة الى فشل سياسة الاحتواء التي مورست خلال العقد الاخير، سواء من قوات الاحتلال نفسها او من قيادات فلسطينية غادرت الموقع النضالي نحو مربع التسويات المعبّر عن عجزها عن تحمل متطلبات المقاومة. وهي حال كثيرين من قيادات وقوى الـ48، ولا تقتصر على جماعة الحركة الاسلامية الجنوبية او القيادات المأسرلة، بل ان حال الركود اصابت قوى وشخصيات يسارية وقومية عربية بدت هزيلة الفكر والتقدير والقراءة ايضاً.


الحرب الاسرائيلية لم تتجاوز سقف العقاب وتدفيع الثمن لكن الكارثة ليست عسكرية فحسب بل سياسية ومساحتها العالم وليس فلسطين فقط

امام هذا المشهد، بدت اسرائيل امام السؤال الدائم: ما الذي يمكن فعله؟

كل كلام عن محاولات العدو تحقيق انتصارات عسكرية في قطاع غزة يعبّر عن قلة فهم لواقع المعادلات القائمة في فلسطين ومن حولها. وكل كلام عن قدرات خارقة للعدو تدفع فصائل المقاومة الى الانسحاب لا يزال اصحابه يعيشون في زمن مضى ولن يعود. وكل كلام عن قدرة العدو قلب المعادلة الميدانية لا يعبّر عن فهم لحقيقة ما تغير على الارض في السنوات السبع الاخيرة. ما يعني، عملياً، ان العدو لم يكن امامه سوى استراتيجية العقاب، واتباع سياسة تدفيع الثمن الباهظ للمقاومة نفسها، وللشعب الفلسطيني في كل مناطق انتشاره، من غزة التي ضُربت بقسوة، ولكن ايضا بطريقة تعكس حالة ردع ما موجودة في العقل القيادي الاسرائيلي، إلى الضفة الغربية حيث ضُرب المتظاهرون بقسوة هدفت الى قتلهم، الى جانب حملة الاعتقالات العشوائية الواسعة. اما في مناطق الـ48 فقد عمد العدو الى محاولة خلق توازن رعب من خلال ترك المستوطنين يتصرفون وفق منطق العصابات، بالتوازي مع عمليات اعتقال واسعة شملت كل الناشطين والمشاركين في الاحتجاجات.

منذ اليوم الثاني لاندلاع المواجهات العسكرية، بدت اسرائيل أمام معضلة توجيه ضربات استثنائية لكوادر المقاومة في القطاع. عنصر المباغتة الذي جاء هذه المرة من جانب القطاع، جعل بنك الاهداف العسكري والامني لدى العدو خاليا من غالبية نقاطه. وأظهرت المقاومة - رغم الخسائر التي اصابت قيادتي القسام وسرايا القدس - قدرة على تنظيم عملية اخلاء صامتة، واعادة تنظيم عمليات التواصل بين المجموعات المقاتلة. ونجح الفريق التقني في وصل كل من انقطع من خطوط التواصل السلكي، وفي تنظيم عمليات تحشيد المقاتلين في نقاط استعداد لاي مواجهة برية، وتنظيم عملية اطلاق الصواريخ بطريقة تحاكي توفير المخزون في مواقع قابلة للتحرك السريع، واستخدام ما كان قد نُصب قبل وقت طويل من اندلاع المواجهة. وما فشل العدو في وقف العمليات العسكرية الصاروخية الهجومية الا اشارة الى خلل كبير سينعكس أزمةً في العقل القيادي، العسكري والامني، لقوات الاحتلال. ولن ينفع هنا كل التعنيف الذي وجهه الاسرائيليون الى المصريين بحجة انهم لم يبذلوا جهوداً كافية لمنع تهريب المواد التي ساعدت المقاومة على بناء قوة غير مسبوقة. علماً أن العدو يعرف ان قدرات المقاومة المتنوعة لم تخرج كلها الى المعركة، وهي بقيت وتبقى رهن مسار ميداني يفرض نفسه على الجميع.

عملياً، لم يبق لدى العدو سوى التصعيد في معركة «تدفيع الثمن». وهي عملياً سياسة من دون طائل، لأنها لم تحقق هدفها في كبح جماح المقاومة وردعها ومنعها من مواصلة اطلاق الصواريخ. كما انها ليست ذات فعالية على صعيد تأليب القاعدة الاجتماعية للمقاومة ضدها. بل على العكس. فكما في كل مرة، وربما اكثر من المرات السابقة، ظهرت نتائج عكسية. إذ تفاعل الجمهور داخل فلسطين وخارجها، وفي العالم كله، مع مظاهر الاجرام الاسرائيلي، وهو ما ستكشف الايام المقبلة عن حجم تأثيره في قرارات حكومات وقوى وجهات كثيرة في العالم، بما في ذلك تلك التي ترفض منطق المقاومة أصلاً وفصلاً.

نحن الآن على عتبة مرحلة جديدة من المواجهة. سيخرج العدو معلنا انتصاره، كما في كل مرة. لكننا سنسمع، سريعاً، الصراخ السياسي وغير السياسي في كل مواقع الكيان ومؤسساته. وسيضطر قادة العدو، العسكريون والامنيون، للجلوس اسابيع طويلة في محاولة لفهم ما حصل، واستشراف كيفية التصرف في المرحلة المقبلة. اما المستوى السياسي، فلن تنفع كل مناوراته، إذ باتت أزماته الخارجية اكبر من الداخلية. ولمن لا يعلم، فان «اسرائيل» دولة تهتم كثيرا بالموقف الغربي من تصرفاتها، ويعرف قادة العدو ان الغرب لم يكن معجبا على الاطلاق بأداء العدو العسكري والسياسي. اما الحلفاء من العرب، الذين كرروا فعلتهم خلال حرب تموز العام 2006 بتحريض العدو على مواصلة الحرب، فسيشعرون بالنتائج الكارثية. ورغم انه لا يُتوقع تبدلات نوعية في مواقفهم، لكنهم سيتصرفون، غصباً لا طوعاً، بطريقة مختلفة.



«سيف القدس»: زمن جديد لفلسطين

رجب المدهون، جلال خيرت

غزة، القاهرة | دخل الوقف المتزامن لإطلاق النار، الذي اشترطته المقاومة الفلسطينية، اختباره الحقيقي ليل الخميس - الجمعة، حيث شهدت الساعات الأخيرة قبل الثانية من فجر اليوم تبادلاً للقصف بوتيرة متوسطة. على أن الموقف لدى الطرفين، المقاومة والعدو الإسرائيلي، هو أن اليد على الزناد، مع أن الأجواء المصرية والأميركية تشي بانتهاء المعركة عند هذا الحدّ. يأتي ذلك بعدما وافقت المقاومة وحكومة العدو على تهدئة متبادلة ومتزامنة عقب وقت قصير من موافقة الاحتلال على وقف النار خلال اجتماع «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت)، والذي قيل إنه سيبحث صيغة وقف إطلاق النار من طرف واحد، قبل أن ينتهي بإعلان رسمي بالموافقة على المبادرة المصرية. وأعلنت القاهرة، من جهتها، في بيان رسمي، أنها ستوفد «وفدَين أمنيين إلى تل أبيب والمناطق الفلسطينية لمتابعة إجراءات التنفيذ والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التي من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة».

في المقابل، كانت الفصائل الفلسطينية أكثر وضوحاً، إذ أفادت «حماس» بأنها أكدت خلال المفاوضات «بنص واضح وصريح ومكتوب أن أيّ إجراء يقوم به الاحتلال ضدّ المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح وما أدى إلى المواجهة الأخيرة، يعني العودة إلى معركة سيف القدس»، فيما ذكرت مصادر قيادية في الحركة أن الأخيرة «أبلغت المصريين بوضوح أنه إذا عادت اقتحامات الأقصى، وصودرت منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح، فستكون الحركة في حلّ من هذه التهدئة، وستردّ على الاحتلال بما هو مناسب بما في ذلك العودة إلى المعركة». كما أكدت المصادر، لـ"الأخبار"، أن الوفد المصري سيصل إلى قطاع غزة خلال يومين لاستكمال المباحثات لتثبيت التهدئة، على أن يجري مباحثات مكوكية بين غزة وتل أبيب لحلّ القضايا المتعلقة بالقدس، وأيضاً إعادة إعمار القطاع. ولوضع النقاط على الحروف، ذكّر المتحدّث باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، في كلمة نيابة عن «غرفة العمليات المشتركة»، بأن المقاومة «أذلّت الاحتلال وكيانه الهش وأظهرت جيشهم المهزوم»، كاشفاً أن المقاومة «علّقت ضربة صاروخية كبيرة جداً تغطّي كلّ فلسطين من حيفا حتى رامون استجابة للوسطاء»، لكنها لا تزال «تضع قرار الضربة على الطاولة حتى الثانية من فجر اليوم الجمعة (أمس)، وتضع قيادة الاحتلال أمام اختبار حقيقي».


سيشهد اليوم الجمعة تلبيةً لـ«دعوات من كلّ فلسطين لشدّ الرحال إلى باحات الأقصى»

أمّا ما حرّك الماء الراكد، فهو ما شهدته القاهرة من تفويض أميركي مساء الأربعاء، انتهى أمس باتصال بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره الأميركي، جو بايدن، هو الأول من نوعه منذ وصول الأخير إلى البيت الأبيض، وكان عنوانه مناقشة الأوضاع في غزة. وفق المصادر المصرية، أكد السيسي لبايدن ضرورة «الحفاظ على سلامة المدنيين»، مشيرة إلى أن «التوتر ساد المحادثة بعدما دافع السيسي عن حماس ووصَف ما تقوم به بأنه ردّ فعل على ما قامت به إسرائيل في الشيخ جراح ومناطق القدس بعدما حاولت تغيير الواقع الديموغرافي»، وأن ذلك أمر «لن تسمح به مصر والدول العربية لأنه يعيدنا عقوداً إلى الوراء وينسف أيّ محاولات للتطبيع الشعبي». في المقابل، أبدى بايدن رغبة في «فرض قيود أكثر إحكاماً على غزة خلال المدّة المقبلة، مع الأخذ بالاعتبار التنسيق المصري ــ الأميركي»، وهو ما ردّ عليه السيسي بالقول إن لهذا الطلب «حاجات كثيرة من أسلحة متطوّرة وحديثة للسيطرة علي الحدود بشكل كامل». وفي النهاية، اتفق الرئيسان على استكمال التشاور بمشاركة قطرية لممارسة مزيد من الضغوط على «حماس»، فيما تعهّد الرئيس المصري بمراقبة المساعدات والتأكد من إنفاقها بطريقة سليمة. وفي وقت لاحق، قال بايدن إنه تحدث مع نتنياهو، وشدد على ضرورة وقف الأعمال العدائية، وقد وافق الأخير على ذلك.

ميدانياً، في اليوم الحادي عشر، وربّما الأخير، كثفت المقاومة قصف ثلاث مدن محتلة بوابل من الصواريخ، أتبعتها بعملية استهداف حافلة تقلّ جنوداً شمال القطاع، ردّاً على سلسلة غارات عنيفة تعمّد فيها الاحتلال استهداف بنى تحتية ومصانع، فضلاً عن تنفيذه عملية اغتيال بطائرات استطلاع لمقاومين. وجراء ذلك، شهدت عسقلان وأسدود وبئر السبع رشقات مكثفة طوال أمس، أطلقتها «القسام» و«سرايا القدس» و«ألوية الناصر صلاح الدين»، ما أدى إلى إصابات وأضرار واسعة، بعدما اعترف جيش الاحتلال بسقوط عشرات الصواريخ على هذه المدن، وادّعى تمكّن «القبة الحديدية» من التصدي لبعضها. كما قصفت الفصائل المواقع العسكرية بالصواريخ وقذائف الهاون، بما فيها بطاريات مدفعية الهاوتزر قرب «سديروت». وفي الظهيرة، وعلى عكس توقّع جيش الاحتلال الذي يبحث عن صورة نصر يقنع بها جمهوره، أعلنت «القسام» استهداف حافلة جنود قرب قاعدة «زيكيم» بصاروخ موجّه دمّرها بالكامل، فيما ادّعت المصادر العبرية أن الصاروخ تسبّب في إصابة جندي كان يقف بجوارها بجروح طفيفة.

ومنذ الفجر، استهدفت الغارات منازل وشوارع رئيسيّة في مخيم جباليا ومنطقة الصفطاوي (شمال)، فيما لم تتوقف البوارج البحرية عن استهداف ساحل غزة، كما جدّدت مدفعية الاحتلال قصفها على القطاع من جنوب عسقلان، وواصل سلاح الطيران عملياته ودمر ثلاثة منازل وثلاث شقق سكنية في مناطق مختلفة. وبدا واضحاً، قبل التهدئة، سعي الاحتلال إلى زيادة حجم الأضرار الاقتصادية، إذ تعمّد استهداف مستودع كبير للأدوات الزراعية في الشمال، وأتبعه باستهداف ثلاثة مصانع للبلاستيك في المنطقة الصناعية شرقاً، ما أدى إلى حريق كبير استغرق إطفاؤه أكثر من خمس ساعات. كذلك، نفذ عصراً عملية اغتيال لمقاومين بعد استهداف السيارة التي كانوا يستقلونها شمال القطاع فاستشهد اثنان وأصيب ثلاثة. ووفق وزارة الأشغال العامة في غزة، وصل إجمالي الوحدات السكنية المتضرّرة بفعل العدوان إلى 16800، منها 1800 غير صالحة للسكن و1000 هُدّمت بشكل كامل.

إلى ذلك، وفي إطار الاستمرار في دعم جمهورية إيران الإسلامية للمقاومة، وجّه قائد «قوة القدس» في «حرس الثورة»، العميد إسماعيل قآاني، رسالة إلى قائد «القسام»، محمد الضيف، وقائد السرايا، أكرم العجوري، يؤكد فيها «العهد الذي قطعه لهم شهيد القدس القائد الحاج قاسم سليماني»، وأن «الجمهورية الإسلامية لن تترك فلسطين وحيدة مهما تعاظمت الضغوط واستحكم الحصار».



إسرائيل في اليوم التالي: ما بعد «سيف القدس» حسابات أخرى

يحيى دبوق

مع إعلان وقف إطلاق النار من دون اتفاق كامل، بين قطاع غزة والعدو، لا يبعد الميدان كثيراً عن إمكانية تجدّد التصعيد. فالتفاوض عبر النار بين الجانبين لم يكن ليصل تأثيره إلى حدّ إبرام اتفاق كامل والإقرار بنتائج المواجهة، وإن كان جزء منها مُتحقّقاً من دون اتفاق، فيما جزء آخر يحتاج إليه، وهو ما يزيد من ضبابية اليوم الذي يلي، ويُرجّح احتمال استئناف القتال لاحقاً، وفقاً لتموضعات الطرفين وتوثّبهما القتالي في حينه، لتحقيق ما تعذّر تحقيقه الآن، أو لمواجهة تراجع الطرف الآخر عن التزاماته، أو ما يُتوقّع منه.

ما بين مطالب غزة، وتحديداً في ما يتعلّق بالقدس، وتعنّت إسرائيل في رفض التلبية العلنية لها، وربّما غير العلنية أيضاً كما يبدو، تشير أرجح التقديرات الى أن المعركة ستتواصل لاحقاً بعد وقف إطلاق النار، لكن عبر أدوات ووسائل قتالية غير عسكرية. من ناحية إسرائيل، ستسعى إلى إفهام الفلسطينيين أن نتيجة القتال العسكري لا تؤثّر في قراراتها وأهدافها الموضوعة للقدس والحرم القدسي، سواءً تراجعت عملياً عن هذه الإجراءات أم ليّنت من قساوتها على المقدسيين. ومن ناحية فصائل المقاومة في غزة، ستكون معنيّة بتظهير جاهزيتها لمعاودة القتال، إن عاودت إسرائيل اعتداءاتها في القدس. المعادلة هنا غير مكتملة، وتخضع لاحقاً، في محدّداتها، لظروف الطرفين ومحفّزاتهما، كما تتحدّد وفقاً للمتغيّرات المقبلة، وما إن كانت للمواجهة الحالية نفسها، بمعنى نتائجها المادّية وغير المادّية في وعي صاحب القرار، في تل أبيب كما في غزة، دور رئيس في تحديد واقع اليوم الذي يلي، وقواعد اشتباكه.

يعني ذلك أن استئناف المواجهة لاحقاً سيكون فرضية دائمة ومطروحة بقوة على طاولة القرار في تل أبيب، إن قرّرت الأخيرة مواصلة اعتداءاتها على المقدسيين ومعاودة العمل على سلبهم حقوقهم، علماً بأن سلب الحق الفلسطيني واحدة من استراتيجيات إسرائيل التي يصعب أن تتخلّى عنها. لكن الافتراض الدائم لدى تل أبيب أن إجراءاتها ضدّ المقدسيين قد تستدعي ردّ فعل عسكرياً من غزة، يؤثّر بطبيعة الحال في قراراتها، وإن كانت معنيّة في المرحلة المقبلة بأن تُفهم القطاع أنها لا تولي هذه المعادلة أهمية حاسمة. هنا، يكمن الشيء ونقيضه بالنسبة إلى إسرائيل، ما يُصعّب المهمة عليها: فهي ترفض الرضوخ لمعادلة «غزة - القدس»، لكنها في الوقت نفسه مضطرة للخضوع لها وإن مع عدم الإقرار بها.

بطبيعة الحال، نتيجة القتال ستؤثّر في حدّة الحصار على قطاع غزة، حيث من المرجّح أن يتوصّل الطرفان، عبر الوسطاء والأطراف الثالثة، إلى تليين الحصار وخرقه في أكثر من اتجاه. ذلك أن الأذيّة التي لحقت بإسرائيل في هذه الجولة، والتي كانت مرشّحة للتضاعف لو تواصلت المعركة، إضافة إلى مطالبة الفصائل بما يزيد في مستواه عن حصار غزة، والمقصود هنا القدس، كلّها عوامل ستُمكّن الفلسطينيين من انتزاع قرارات قد تكون ملحوظة إزاء الحصار وشدّته. وما حديث القاهرة عن مساعدة تصل إلى نصف مليار دولار لغزة، سواء تحقّقت بالفعل أم لم تتحقّق، إلّا إشارة إلى أن إغراء القطاع بالفائدة الاقتصادية سيكون جزءاً من الوسائل القتالية غير العسكرية، لدفع الفصائل إلى التراجع عن معادلة «غزة - القدس»، كما كانت تريدها، حاسمة وكاملة ومكتوبة في متن اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما سُمّي شرط «ضمانات» بالتزام إسرائيل بالتراجع عن إجراءاتها في القدس، أو العودة إليها لاحقاً.

بالنتيجة، أُنجز التفاهم على وقف إطلاق النار، والذي بدا كلا الطرفين معنيَّين به، توازياً لاستعدادهما لليوم الذي يلي القتال. وجاء هذا التفاهم بعد مرحلة فاصلة تمثّلت في تصعيد الضغوط لتحسين المكاسب وحفظها، وللتقليل من الأضرار اللاحقة، وهو ما يفسّر تجاذب الواقع الميداني أخيراً، بين شبه التهدئة وانفلاش التصعيد، وفقاً للشروط المتضادّة والامتناع المتبادل عن الرضوخ لها، حتى باتت العمليات العسكرية غير مطلوبة لذاتها، إلّا في ما يتعلّق بتعزيز الموقف التفاوضي. وفي هذا الاتجاه، أمكن فهم موقف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الذي رفض بـ»أدب» مطالب الإدارة الأميركية بضرورة التهدئة والدفع إليها، في موقف بدا مُوجَّهاً إلى الفلسطينيين - فيما حديثه غير العلني إلى الأميركيين كان يشير إلى خلاف ما تَقدّم -، على اعتبار أن وجود ضغط أميركي علني مُسلّط عليه يؤذي قدرة تل أبيب على إمكانية فرض شروطها أو منع غزة من فرض شروطها هي.


لا يمكن أحداً إنكار المكاسب الفلسطينية المُحقَّقة وهي واسعة جدّاً ومتشعّبة

في الواقع، لم يعدُ للعملية العسكرية، بعد مضيّ 11 يوماً على بدئها، أيّ فائدة بالنسبة إلى إسرائيل، إلّا في ما يتعلّق بأهداف ترتبط بالمخارج السياسية للمواجهة، وما دون ذلك تفاصيل لا تدفع إلى استمرار القتال. أنجز جيش الاحتلال مهمّة «تدفيع الثمن» لغزة عبر إيذاء المدنيين فيها وتدمير البنية التحتية المدنية، في محاولة للتعويض عن الإخفاق في مواجهة المقاتل الفلسطيني، في محاكاة تكاد تكون كاملة لاستراتيجيات النازية في المناطق التي احتلّتها. أرادت تل أبيب، إضافة إلى إرادة القتل لذاتها، أن يَفهم صاحب القرار في غزة أن بدء مواجهة لاحقة مع إسرائيل، مهما كان سببها، أو الردّ على اعتداءاتها، سيؤدي إلى الإضرار بالمدنيين الفلسطينيين على نطاق واسع، وهي معادلة يأمل الإسرائيلي أن تردع غزة، أو تحدّ من دافعيتها، إن أرادت، لاحقاً، تعزيز معادلة «غزة - القدس».

في المحصّلة، النشاط العسكري للجانبين مرتبط بالنتائج والمخارج السياسية، لكن لا يمكن أحداً، بما يشمل الإسرائيليين، إنكار المكاسب الفلسطينية المُحقَّقة، وتلك التي يمكن تحقيقها بناءً عليها، وهي واسعة جدّاً ومتشعّبة، بل ويتعذّر حصرها؛ إذ إن هذه المعركة، على خلاف ما قبلها، توسّعت نتائجها لتخرج من غزة إلى الضفة والقدس، وكذلك إلى داخل أراضي عام 1948. في اليوم الذي يلي، بل وقبله، سيكون على الإسرائيلي أن يدرس نتيجة الجولة الأخيرة وتداعياتها على ساحات مواجهة أخرى، وتحديداً في ما يتعلّق بالجبهة الشمالية، سواء مع لبنان أم سوريا، وصولاً إلى الشرق البعيد. نتيجة الحرب على غزة ستكون حاضرة على طاولة القرار، وبفعالية وتأثير مغايرَين لما ظهر في مواجهات سابقة، إنْ لدى تل أبيب، أو لدى جهات القرار في محور المقاومة.



الأسد مستقبِلاً الفصائل: تحيّة للمقاوِمين... كلّ المقاوِمين

استقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، في دمشق، أمس، وفداً ضمّ عدداً من قادة وممثِّلي القوى والفصائل الفلسطينية. وبينما ضمّ الوفد طيفاً واسعاً من ممثّلي الفصائل، على رأسهم الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي"، زياد نخالة، غاب ممثّلو حركة "حماس" عن اللقاء. وأفادت مصادر "الأخبار" بأن اللقاء الذي استمرّ على مدى ثلاث ساعات كان "ممتازاً". وبعدما تحدّث الجميع واستمع الأسد باهتمام واضح لما طُرح من جانب الحضور، لفت الرئيس السوري إلى بطولات الشعب الفلسطيني ووحدته، وأهميّة الدعم الشعبي العربي والعالمي له. كما رأى أن "اتفاقات أوسلو" تُعدُّ من "كبرى الأخطاء"، مؤكداً أن سوريا ستبقى على الدوام ضدّ هذه الاتفاقات وضدّ "الرباعية"، لأن المفاوضات عن طريق الرباعية تعني التفاوض تحت السقف الأميركي. وإذ رحّب الرئيس السوري بالوفد، حيّا "كلّ المقاومين من دون استثناء". ولَمّا ذُكر اسم "حماس"، كرّر، بحسب المصادر، "كلّ المقاومين"، مضيفاً إن "سوريا جاهزة لكلّ ما تحتاجون إليه. نحن جزء من محور المقاومة عسكريّاً وسياسياً". وقال إن قرار سوريا "إعادة إعمار مخيّم اليرموك ثابت ونتابع معاً آليات التنفيذ"، مشدّداً، في الوقت ذاته، على أهمية حقّ العودة.

وتعليقاً على ما نقل عن الرئيس السوري، أكد القيادي في حركة "حماس"، أسامة حمدان، في حديث إلى قناة "الميادين"، أن "موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريباً ولا مفاجئاً، ومَنْ يُحَيِّنا بتحيّة نَرُدَّ بخيرٍ منها". ورأى حمدان أن "من الطبيعي أن تعود العلاقات بدمشق إلى وضعها السابق"، آملاً أن تبقى دمشق عاصمة للمقاومة وداعمة للحقّ الفلسطيني.



رشيد الخالدي: جدار الأكاذيب الإسرائيلي في أميركا انهار

وليد شرارة

يُعدّ من بين الإنجازات البارزة لانتفاضة الحجارة والصواريخ في فلسطين، تحطيم صدقية السردية الصهيونية عن حقيقة الصراع الدائر منذ قرن في فلسطين، في داخل الولايات المتحدة. ارتكز التحالف الأميركي - الصهيوني إلى تماهٍ ثقافي - أيديولوجي بين نخب البلدين السياسية والفكرية والإعلامية في العقود الماضية، وهو ما جعله يرتقي من مستوى التحالف الاستراتيجي إلى ذلك العضوي. لقد أسهمت عوامل كثيرة في تغيير هذا الواقع، خاصة موقف الأجيال الشابة من كيان التطهير العرقي والاستيطان، لكن معركة فلسطين الحالية سرّعت مسار التغيير، وأفضت بنظر رشيد الخالدي إلى «انهيار جدار الأكاذيب الإسرائيلي». للخالدي، الحائز «كرسيّ إدوارد سعيد للدراسات العربية المعاصرة» في جامعة كولومبيا، ومدير «مجلّة الدراسات الفلسطينية» في الولايات المتحدة، مجموعة من الكتب المرجعية عن القضية الفلسطينية والسياسة الأميركية، وآخرها «حرب المئة عام على فلسطين. الاستعمار الاستيطاني والمقاومة»

على الرغم من تكرار المسؤولين الأميركيين في تصريحاتهم حول المواجهة الدائرة على امتداد فلسطين المحتلة، وفي مقدّمتهم الرئيس جو بايدن، الثوابت الأميركية المعروفة عن دعم إسرائيل و»حقها في الدفاع عن النفس»، فإن معطيات عديدة تؤشّر إلى تباين متزايد بين قيادتَي الطرفين حول كيفية إدارة الصراع من قِبَل حكومة بنيامين نتنياهو. رشيد الخالدي يرى أن «إدارة بايدن، والأخير شخصياً، من أشدّ المدافعين عن إسرائيل في الماضي. لكن الضغط الهائل من الرأي العام والشباب ووسائل الإعلام، ومن داخل الحزب الديموقراطي، وأنا هنا لا أتحدّث فقط عن الجناح اليساري المُمثَّل برشيدة طليب وإلهان عمر وألكسندرا أوكتافيو أورتيز وحتى برني ساندرز، المعروف بمواقفه المؤيّدة للقضية الفلسطينية، بل أقصد أيضاً شخصيات وسطية في هذا الحزب كانت مدافعة متحمّسة عن إسرائيل وأُجبرت نتيجة لضغوط من قاعدة الحزب على تغيير مواقفها... هذا الضغط فرض على الإدارة تغييراً تدريجياً وبطيئاً جدّاً في موقفها من المعركة الحالية. في الأسبوع الأول، ساندت الإدارة العدوان الإسرائيلي، ومنعت مجلس الأمن من اتّخاذ أيّ قرار بشأنه، لكن مقاربتهم اختلفت الآن بسبب الضغوط التي أشرت إليها، وكذلك بفعل تغيّر السردية الإعلامية حول ما يجري. هذا التطوّر لا مثيل له في التاريخ الأميركي. إذا راجعنا مواقف الولايات المتحدة من قضية فلسطين منذ أيام الرئيس ويلسون إلى اليوم، فلن نجد كتلة مهمّة في أيّ حزب رئيس مؤيّدة لفلسطين أو للحقوق الدنيا لشعبها، ونقدية للسياسة الإسرائيلية. نحن أمام واقع مستجدّ، وهو غير مرتبط بوجود آراء مختلفة داخل الإدارة حول فلسطين. طبعاً، هذه الإدارة كانت تُفضّل أن تُركّز أوّلاً على الأزمات الداخلية، السياسية والصحّية والاقتصادية، وثانياً أن تتفرّغ للصراع و/أو التفاوض مع الصين وروسيا وإيران. هي كانت تُفضّل ألّا تكون القضية الفلسطينية على جدول الأعمال، والدليل على ذلك إرسال نائب مساعد وزير إلى المنطقة، أي مسؤول من مرتبة ثانوية. لكن تعنّت نتنياهو من جهة، وقدرة حماس على الردّ المستمرّ على الهجمات الإسرائيلية حملا الإدارة رغماً عنها على التكيّف مع وضع غير مستقرّ، ويهدّد بإشغالها عن أهدافها الأخرى. هي وجدت نفسها في مقابل تحوّلات فلسطينية وعربية، وكذلك على مستوى الرأي العام العالمي والأميركي، وفي ساحتها السياسية الداخلية. أقطاب الإدارة من بايدن إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مروراً بنائبة الرئيس كمالا هاريس، وصولاً إلى الناطقة باسم الكونغرس نانسي بيلوسي، وشاك تشومر رئيس الأقلّية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، لم يتراجعوا عن مواقفهم المنحازة تماماً إلى إسرائيل، وهم لا يعيرون أيّ أهمّية للحقوق الفلسطينية، لكن ما تَغيّر هو الوضع الداخلي في أميركا».


ما بات يخضع للنقاش والنقد هو أسس المشروع الصهيوني، التي تفسّر السياسات التي يعتمدها

ينعكس هذا التغيّر بوضوح في تعامل الإعلام الأميركي حالياً مع التطوّرات في فلسطين. «لقد نجحت إسرائيل والحركة الصهيونية في تشييد جدار من الأكاذيب لحماية مشروعها الاستيطاني من أيّ نقد يُوجَّه إليه من السياسيين ومن وسائل الإعلام، وفي فرض جملة من المفاهيم والمصطلحات عند التطرّق إلى ما يجري في فلسطين، كالإرهاب وحق إسرائيل في حماية نفسها وغيرهما. اختُرق هذا الجدار أكثر من مرّة في الفترات التي احتدم فيها الصراع، خلال اجتياح لبنان في 1982، ومذابح صبرا وشاتيلا أو خلال الانتفاضة الأولى، أو عدوان 2014 على غزة، لكن إسرائيل تمكّنت من إعادة ترميمه في كلّ مرّة، غير أن ما يتمّ الآن هو تحوّل جذري، لأن ما بات يخضع للنقاش والنقد هو أسس المشروع الصهيوني، التي تفسّر السياسات التي يعتمدها. التطهير العرقي في الشيخ جراح أضحى تحت المجهر، واتّضح أن سكّانه قد طُردوا من ديارهم في يافا وحيفا في 1948، ومُنعوا من العودة إليها منذ هذا التاريخ، وهم مهدَّدون بأن يتعرّضوا للأمر نفسه مجدّداً. الهجمات على المسجد الأقصى كان لها الأثر نفسه، بمعنى أنها سمحت لقطاعات معتبَرة من الرأي العام بإدراك الخلفيات العنصرية والاستعمارية للسياسات المتّبعة من قِبَل إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني. مدير مكتب نيويورك تايمز الجديد في القدس، باتريك كنغزلي، كتب مقالاً في صفحتها الأولى من 30 فقرة، فنّد في كلّ واحدة منها أكذوبة إسرائيلية حول القدس وأوضاعها، من المواجهات في الأقصى، إلى معركة الشيخ جراح، مروراً بالمسيرات العنصرية للمستوطنين، والتي هاجمت الأحياء العربية. انهار جدار الأكاذيب أمام ما جرى، وأمام تغيّر رأي وسائل الإعلام به. لم تَعُد هذه الأخيرة تتردّد في دعوة شخصيات أكاديمية أو سياسية أو إعلامية كانت بحكم المقاطَعة في مراحل سابقة، لتحليل التطوّرات والتعليق عليها. قنوات مثل أن.بي.سي أو سي.أن.أن أصبحت تستضيف نورا عريقات ويوسف منير، الذي نُشر له مقال في نيويورك تايمز اليوم. وقد طلبت مني الواشنطن بوست أن أكتب مقالاً عن المواجهة الراهنة. لم أرَ مثيلاً لما يحدث اليوم في أيّ فترة سابقة، بما فيها تلك التي حصلت فيها اختراقات جزئية لجدار الأكاذيب الإسرائيلية».

ولكن، هل انهيار جدار الأكاذيب يؤثّر على سياسة إدارة بايدن الخارجية؟ «بطبيعة الحال. هي لا تستطيع تجاهل هذا التحول. الجيل الصاعد لا يقرأ نيويورك تايمز ولا يشاهد سي.أن.أن، ويتابع الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كيوتيوب وتيك توك وإنستاغرام وفايسبوك، فيشاهدون مثلاً مباشرة ما يجري في المسجد الأقصى وفي أحياء القدس. جميعهم رأوا السجال الذي بُثّ على يوتيوب بين المرأة الفلسطينية والمستوطن الذي استولى على بيتها في حي الشيخ جراح، حيث أجابها عندما سألته لماذا يسرق بيتها بأنه إن لم يفعل، فإن غيره سيقوم بذلك. المسألة في الأصل هي إذن سرقة حقوق الفلسطينيين وبيوتهم. هذا الواقع لديه أثر كبير على الحزب الديموقراطي، لأن الشباب والأقلّيات يشكّلون قسماً أساسياً من قاعدته».

يعتقد رشيد الخالدي أن تداعيات المواجهة في فلسطين على السياسة الأميركية في الإقليم لن تكون في مصلحة إسرائيل، خاصة بالنسبة إلى المفاوضات حول الملفّ النووي مع إيران. «الكثير من المعلّقين يجزمون بأن سماح بايدن لنتنياهو بتصعيد حربه على غزة سيُعزّز موقف الإدارة بالنسبة إلى موضوع التفاوض مع إيران. سيقول الأميركيون للإسرائيليين لقد سمحنا لكم بالذهاب بحربكم إلى حدود قصوى، فلا تحاولوا عرقلة مفاوضاتنا. نقطة أخرى لا بدّ من الالتفات إليها، وهي انقلاب الموقف من نتنياهو في الولايات المتحدة، والناجم عن حرب التدمير الإجرامية التي يشنّها على غزة. اعتراضاته على الاتفاق المحتمل مع إيران لن تلاقي الكثير من الآذان الصاغية في أميركا. هو فقدَ صدقيّته بدرجة كبيرة. عامل إضافي ينبغي أخذه في الحسبان عند تحليل المشهد الإجمالي في الإقليم، هو بداية الانفراج في العلاقات بين إيران وكلّ من السعودية والإمارات، وكذلك بين تركيا وهاتين الدولتين إضافة إلى مصر. هذا الانفراج يُغيّر البيئة الاستراتيجية التي يأتي الاتفاق النووي مع إيران في إطارها، وهو سيسمح بتسهيل التفاهمات بين إيران والولايات المتحدة. قد يغامر الإسرائيليون بفعل مفاجئ لتخريب مثل هذه التفاهمات، لكن ذلك لا يلغي الواقع المهمّ الناشئ عن جميع العوامل التي ذُكرت».

ما هو مآل التحالف بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل، تحت مسمّى التطبيع، بعدما أثبتت الانتفاضة الشاملة والمتعدّدة الأوجه، على امتداد فلسطين، مركزية الأخيرة كقضية في وجدان شعوب الأمة؟ «الأنظمة التي تحالفت مع إسرائيل، كالنظام الإماراتي مثلاً، والتي بحكم طبيعتها غير الديموقراطية لا تقيم وزناً لموقف شعوبها، صدّقت الأطروحة الإسرائيلية - الأميركية عن نهاية القضية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني لم تَعُد له أهمية تُذكر بالنسبة إلى بقية الشعوب العربية. لقد أثبتت تطوّرات الشهر الأخير أن قضية فلسطين هي القضية الرئيسة للأمة العربية والإسلامية. هي برهنت على وحدة الشعب الفلسطيني التي لا مثيل لها منذ عشرات السنين، وأن الشعوب العربية تقف بغالبيتها العظمى بحزم مع الشعب الفلسطيني. لقد ثَبت خواء كلّ الحجج التي استند إليها مسار التطبيع - التحالف»، يختم الخالدي. المفكّر الفلسطيني



«تسنزورا» تكذب: «مفخرة» قواعد العدو تحت نيران المقاومة

رجب المدهون

غزة | في تطوّر نوعي في طبيعة الأهداف التي طالتها يد المقاومة الفلسطينية خلال معركة «سيف القدس»، ركّزت المقاومة عموماً، والجناح العسكري لحركة «حماس»، «كتائب القسام»، خصوصاً، على مجموعة من المواقع العسكرية للعدو الإسرائيلي. هذه المرّة، تخطّى الأمر القواعد اللصيقة بالحدود وتجمّعات الجنود التي تُستهدف عادة بالصواريخ المُوجَّهة من بعد أو بقذائف «الهاون» وأنواع أخرى من الصواريخ، لتشمل «دائرة النار» ستّ قواعد جوّية؛ بينها قواعد في غاية الأهمية تضمّ طائرات ضخمة وأخرى متطوّرة مثل «هيرقل» و«أف 35» المتطوّرة، فيما أعلن الجناح العسكري لـ«الجهاد الإسلامي»، «سرايا القدس»، استهدافه قاعدتَين من القواعد الستّ في وقت لاحق.

الرقابة العسكرية الإسرائيلية، «تسنزورا»، فرضت تكتّماً حول عمليات القصف التي تصاعدت منذ اليوم الثالث للمواجهة ومآلاتها، رافضة الإفادة أو الردّ على أسئلة الصحافيين حول ما جرى في هذه القواعد. وفي وقت لاحق، وعلى ما يبدو بتوجيه من الجيش، بثّ مراسلون عسكريون إسرائيليون أخباراً تفيد بأن أيّاً من الصواريخ الفلسطينية لم تصل إلى تلك القواعد، وأن أحدها وصل إلى طرف المساحات الفارغة المحيطة بمطار «تل نوف» العسكري من دون أن يؤدي إلى أضرار! على أيّ حال، برزت ستّ قواعد جوية قصفتها المقاومة بعد حصولها على معلومات استخبارية تفيد بأن أسراب الطائرات التي تقصف قطاع غزة كانت تنطلق من تلك القواعد خلال المواجهة الحالية، وهي: «بلماخيم» و«تل نوف» و«حتسريم» و«حتسور» و«رامون» و«نفتانيم».


قاعدة «بلماخيم»

هي مطار عسكري إسرائيلي ووكالة فضاء تقع بالقرب من مدينة ريشون لتسيون، وقد سُمّيت بذلك تيمّناً بكيبوتس «بلماخيم» على شاطئ الأبيض المتوسط، وهي تبعد عن غزة 40 كيلومتراً. يوجد فيها عدد من المروحيات والطائرات بلا طيار، وهي مركز الإطلاق لصواريخ «أرو» الفضائية، كما تُستخدم لإطلاق صاروخ «شافيت» إلى مداره في الفضاء من فوق البحر حتى لا يمرّ من فوق أيّ دولة بجوار فلسطين المحتلة، بما يضمن تساقط حطامه في المياه. كذلك، تُعدّ «بلماخيم» منطلقاً للطائرات المسيّرة، ويعمل فيها السرب الأول للطائرات بلا طيّار والذي يُطلَق عليه «سرب 200»، كما فيها «سرب 161» و«سرب 166» الذي يُشغّل طائرات «هيرمس 450» (زيك) و«هيرميس 900»، وهي أقوى الطائرات المسيّرة التي تُستخدم في عمليات الاغتيال والاستهداف خلال الحرب. وتُعدّ «بلماخيم» مقرّاً لـ«وحدة الأنظمة الهندسية» المسمّاة «ماهان»، والتي تعمل في مجال الأنظمة المحوسبة للطيران، المتعلّقة بالقوات الجوية والطيران العسكري والمدني. كما أنه في 2010 افتُتح فيها سرب لتدريب الطائرات بلا طيّار و«الهليكوبتر». ويرأس القاعدة حالياً العميد يؤاف عميرام منذ 2018.


تشمل هذه القواعد أهمّ وأحدث الطائرات لدى العدو


«تل نوف»

هي قاعدة عسكرية ومطار بديل أنشأته عام 1939 القوات البريطانية التي كانت تحتلّ فلسطين، ثمّ تَسلّمها الاحتلال. وخلال حرب 1948، جرت معركة بين القوات العربية والعصابات الصهيونية للسيطرة على المطار، انتهت بتراجع الجيش العربي عن مهاجمته. تحوي هذه القاعدة، التي تبعد عن غزة 50 كلم، سربَين من طائرات «أف 15» التي أرسلتها الولايات المتحدة عام 1976، وفيها أيضاً العديد من الأسراب المقاتلة التي تضمّ طائرات مقاتلة من نوع «أف 15» A / B / C / D و«فالكون». كما يضمّ المطار قاعدة دفاع جوي، إضافة إلى مركز تجارب الطيران ووحدة حرب إلكترونية تُسمّى «سكاي كروز»، وهذا ما يجعلها من أهمّ ثلاث قواعد جوّية، إلى جانب «رامات ديفد» و«نفاتيم».


«حتسريم»

قاعدة عسكرية جوّية تقع في بئر السبع المحتلّة، وغالبية المقاتلات الإسرائيلية التي عادة ما تشنّ هجمات على غزة تنطلق منها. وهي تضمّ أسراب 107 («الذيل البرتقالي») التي تشغّل طائرات «أف 16 آي»، و«العاصفة» والسرب 69 اللذين يشغّلان طائرات «أف 15 آي»، مع السرب 102 («النمر الطائر») المخصّص لتدريب الطيّارين.


قاعدة «حتسور»

تقع بجانب كيبوتس «حتسور» القريب من مدينة أسدود المحتلة، وقد أنشأ مطارها عام 1942 الاحتلالُ البريطاني الذي استخدمه لسلاح الجوّ الملكي، وقد أُقيم على أراضي قرية «كاستينا» العربية، فيما تبعد عن غزة 30 كلم. يوجد في القاعدة السرب 101 («السرب القتالي الأول») والسرب 105 («العقرب») الذي أُسّس عام 1948، وأُسند إليه في 2021 تشغيل طائرة «أف 16 سي» ذات المقعدين، وقد خضع السربان في 2020 لتحديثات كبيرة في الطائرات. ويضمّ السرب 100 الذي أُخلي من قاعدة «دف سدي» طائرات استخبارية من طراز «بي 200 سكاوت»، وطائرات «كوستال»، وطائرات «بونانزا إيه 3». كما يوجد في القاعدة السرب 420 الذي يدرّب الطيّارين على أجهزة محاكاة الطيران الحديثة كافة.

في نيسان/ أبريل 2017، تمّ تدشين أوّل بطّاريتَين من منظومة «مقلاع داود» المخصَّصة لاعتراض الصواريخ البعيدة المدى والباليستية، داخل «حتسور». ثمّ في 2019، تمّ تحويل القاعدة لتصبح قتالية وتجمع بين المعركة والنقل. اللافت أنه مطلع 2020، تعرّضت القاعدة للغرق بمياه السيول وتلف عدد من الطائرات والأنظمة الإلكترونية فيها.


«رامون»

قاعدة عسكرية يُطلَق عليها اسم «الجناح 25»، وتضمّ ثلاثة أسراب من طراز «أف 16 آي» وسربَين من طراز «أباتشي AH-64»، وتبعد عن غزة 60 كيلومتراً. تمّ بناء عشرة أنظمة للمساكن تحت الأرض في القاعدة، وستّة مساكن للطائرات مصمّمة بطراز أميركي ولديها قدرة عالية على الإخلاء، وهي واحدة من قاعدتَين أقامتهما القوات الجوية الأميركية بعد إخلاء العدو لسيناء وتوقيع اتفاق «كامب ديفيد».


«نيفاتيم»

تُعدّ أهمّ قاعدة عسكرية لجيش الاحتلال، وتوجد في صحراء النقب، وذلك لاحتوائها أحدث الطائرات العسكرية بما فيها «أف 35» التي تسلّمها الاحتلال خلال العامين الماضيين، وتبعد عن غزة 50 كلم. تضمّ القاعدة الأسراب والوحدات الآتية: السرب 103 («سرب الفيل») الذي يُشغّل طائرة «لوكيهد مارتن» (C-130J Super Hercules) العملاقة، والسرب 120 الذي يُشغّل طائرة «بوينغ 707» (Ram / Pelican / Swan)، والسرب 122 الذي يشغّل طائرات «جلفستيرم» النفاثة، والسرب 131 («فرسان الطائر الأصفر») الذي يُشغّل طائرة «هرقل C-130» من طراز «رينو»، والسربَين 140 («النسر الذهبي») و116 («جنوب الأسود») اللذين يديران طائرات «أف 35 آي» ، و«سرب النقب». كما تمّ عام 2010 تأسيس سرب «مقاتلي يهودا الأبدي»، الذي يؤدي أدواراً بجوار الدفاع البرّي للدفاع عن القاعدة. وقد تمّ تصميم «نيفاتيم» لتكون محميّة من إمكانية الهجوم عليها.



حتى لا نقع في الفخّ... الصواريخ «التحذيرية» قاتلة أيضاً

تقرير يزن منصور

معظم وسائل الإعلام الفلسطينية والعالمية التي تُغطّي الحرب على قطاع غزة، سقطت في فخّ التضليل الإسرائيلي. ولعلّ من أهمّ مظاهر ذلك وصْفها الصواريخ الإرشادية التي يطلقها العدو بـ»الصواريخ التحذيرية». تدّعي بعض وسائل الإعلام الغربية أن الفرق بين إسرائيل والمقاومة في حالة الاشتباك، هو أن الأولى لا تستهدف المدنيين عمداً، بدليل إرسالها صاروخاً «تحذيرياً» لغاية إخلاء المكان من السكّان، فيما المقاومة تقصف المستوطنات من دون أن تُبلغ ساكنيها. وإذا دلّت هذه المقاربة، التي تساوي بين سياط الجلّاد ودفاع الضحية عن نفسها، على شيء، فعلى أن إسرائيل استطاعت، خلال حروبها الثلاث الأخيرة على قطاع غزة، أن تروّج لفكرة أن الصواريخ التي تطلقها طائرات الاستطلاع ذات القدرة التدميرية المحدودة، إنما هي «مفيدة»، علماً بأن تلك الصواريخ نفسها قتلت، في اليوم الأول من هذه الجولة، 5 فلسطينيين بينهم 4 أطفال.


بعض المختصّين وأهل القانون من الفلسطينيين تنبّهوا أخيراً إلى خطورة هذه الصيغ المضلّلة

بعض المختصّين وأهل القانون من الفلسطينيين تنبّهوا، أخيراً، إلى خطورة هذه الصيغ المضلّلة الهادفة إلى أنسنة الاعتداء، غير أن ذلك لم يكن كافياً للتوعية بضرورة استبدال مصطلحات أخرى بها، خاصة أنها لا تزال تُستخدم عبر الإذاعات والمواقع الإلكترونية المحلّية ومواقع التواصل الاجتماعي، والشواهد كثيرة. المواطن سمير أحمد (40 عاماً)، وهو أحد سكّان منطقة الصفطاوي شمال قطاع غزة، قال أثناء إخلائه مسكنه هو وأفراد أسرته الأربعة، أول من أمس، متّجهاً إلى وسط المدينة، تحت وقع «تحذير» الاحتلال لسكّان المنطقة قبل قصفها: «اتّصل الجيش الإسرائيلي على أحد الجيران، وطالبه بضرورة إخلاء المنطقة من السكّان، وبعدها بدقائق أطلق صاروخاً تحذيرياً أصاب الجزيرة التي تتوسّط الشارع الرئيس». هل تعتقد أن مثل هذه الصواريخ يمكن أن تقتل؟ يجيب سمير: «نعم تقتل وتدمّر، وسبق أن قتلت المئات من الناس ودمّرت مساكنهم». وكيف تسمّيها تحذيرية إذاً؟ «لا أدري... أنا أقول كما يقول الناس، صاروخ تحذيري». جهْل المواطنين بخطورة هذه الصيغة «لا يعفي المسؤولين والمختصّين من ضرورة توضيح مغزاها للعامّة»، كما يقول أستاذ علم النفس الأمني، الدكتور إسماعيل أبو ركاب. ويضيف أبو ركاب، في حديثه إلى»الأخبار»، أن تلك التسمية هي «محاولة من الاحتلال للتذاكي على الفلسطينيين والتأثير عليهم بأنه احتلال إنساني ويتجنّب استهداف المدنيين، وهذا مخالف للواقع تماماً، بدليل النتائج الكارثية التي أسفر عنها استخدام هذه الصواريخ المدمّرة، لذا لا بدّ من توضيح المسألة من قِبَل الجهات المختصّة للمواطنين، حتى لا يكونوا ضحية للاحتلال». ويشير إلى أن «هذه الصواريخ القاتلة تسبّب دماراً بالغاً في المباني المستهدفة، كما أنها تُسقط شهداء وجرحى، على عكس ما يزعم الاحتلال»، واصفاً تسميتها بـ»التحذيرية» بأنها «محاولة خبيثة لإضفاء الشرعية الإنسانية والقانونية عليها». ويتقاطع حديث أبو ركاب مع تأكيد الصحافي سامي أبو سالم أنه «ليس هناك شيء اسمه صاروخ تحذيري، هل يحذّرك العدو بصاروخ؟». ويبيّن أبو سالم أن «هذا صاروخ في الأصل لإرشاد الطيّار إلى الهدف ودقة إصابته قبل الإصابة المرجوّة، لذلك، طالما أنت لست بخبير عسكري ولا طيّار سابق، فلا تقل صاروخ ارتجاجي ولا إرشادي ولا غيره، قل صاروخ فقط».



أسبوع غضب ثانٍ: عمّان تستثمر في الاحتجاجات

عامر القصاص

أسبوع غضب ثانٍ: عمّان تستثمر في الاحتجاجات

من الواضح أن القصر يريد استثمار التحركات الشعبية لحساب دبلوماسيّته الخارجية (أ ف ب )

عمّان | تجدّدت الدعوات في الأردن للتوجّه إلى الحدود مع فلسطين المحتلة اليوم، وذلك بعد أسبوع من أوّل تحرك نحوها. وقد أمست عمّان، مذّاك، على واقع وجود أسيرَين أردنيَّين لدى العدو، بعدما تسلّلا وأُلقي القبض عليهما وجرى تحويلهما إلى التحقيق، ثمّ تضاربت الأنباء عن الإفراج عنهما وتسليمهما للجهات الأردنية، وفق ما نقل رئيس مجلس النواب، عبد المنعم العودات، عن وزير الداخلية، مازن الفرّاية. لكن التسليم لم يجرِ، أو جرى بالفعل، لكن لشخصين آخرين تسلّلا في وقت سابق. على أن القضية لم تأخذ، على أيّ حال، زخمها الجماهيري والإعلامي، مثلما حدث عندما اعتَقل الاحتلال هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي قبل عامين، وشكّل الضغط الشعبي على الحكومة آنذاك علامة فارقة أدّت إلى الإفراج عنهما بعد خوض اللبدي إضراباً عن الطعام.

يتجنّب الأردن الإدلاء بمعلومات عن موضوع التسلّل، أو تأكيد مكان وقوعه أو حتى عدد المتسلّلين، علماً بأن ثمّة ترجيحات بأن يكون من المنطقة الشمالية، ولا سيما أن الشابَّين مصعب الدعجة وخليفة العنوز ينحدران من قرى محافَظة إربد الشمالية. ما يدعّم هذه الفرضية، الحادثة التي وقعت قبل عامين عندما تسلّل الإسرائيلي كونستانتين كوتوف إلى المملكة من منطقة الأغوار الشمالية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قاصداً السفارة الروسية لدى عمّان. آنذاك، كانت قصة اللبدي ومرعي في أوجها، ومع ذلك أقيمت محاكمة رخوة لكوتوف لم يتمّ استثمارها سياسياً لمصلحة الأسيرَين الأردنيَّين، ليَصدر حكم قاضي محكمة أمن الدولة العسكرية بحق المتسلّل الإسرائيلي بالحبس أربعة أشهر وغرامة ألف دينار (1400 دولار) مع الرسوم، مع حساب مدّة توقيفه ضمن الحكم. وجاء تخفيف الحكم بعدما وجدت رئاسة المحكمة أن كوتوف متزوّج ورب أسرة، وعليه أعطته فرصة لإصلاح نفسه وتصويب مسار حياته!

عموماً، لا يمكن نفي حدوث تسلّل من الحدود الأردنية إلى فلسطين، فهناك حالات عدّة لأردنيين وعرب وأجانب يتمّ التعامل معها على أنها أمنية وعارضة وليست تهديداً، وخاصة المتسلّلين للعمل، لكن ما حدث أخيراً يثير أسئلة كثيرة حول ثغرات مثلاً في منطقة مدّ أنبوب الغاز الواقعة في الأغوار الشمالية، ولا سيما أن أبناء القرى المحاذية يعلمون بها، أو أن الطبيعة وجغرافية المكان تساعد على الاختباء، وربما نتيجة هفوة في المراقبة الأمنية. الأكيد أن عمّان لم تمنع الدعوة الجديدة للتوجّه إلى الحدود، لكن مع تنبيه الداخلية إلى تجنّب الاقتراب كثيراً «من باب الأمن والسلامة»، وهذا يثير أسئلة عن السبب في السماح بذلك في وقت تشهد فيه العاصمة عمّان دعوة للأسبوع الثاني لإسقاط اتفاقية الغاز مع الاحتلال، علماً بأن التحرّكات المرتبطة بالاتفاقية المذكورة تُعدّ من الأوراق الضاغطة التي تستطيع المملكة تحريكها، إذ يحقّ لأحد الطرفين إنهاء الاتفاقية في حال حدوث إضراب عام أو اضطرابات، أو فعل من «عدو عام» أو أعمال «الإرهاب» أو الحرب، أو انفجارات أو إشعار المخاطر البحرية وفق الفقرات أ، ب، ج، من المادة 16، وهذا الشرط متحقّق بفعل قصف المقاومة منشأة خطّ أنابيب عسقلان ــ إيلات قبل أسبوع، ثمّ توقّف استخراج الغاز من حقل «تمار» المزوِّد لشركة البوتاس الوحيدة والحصرية في الأردن. لكن المفارقة أن عمّان لم تتحدّث عن توقّف الغاز الإسرائيلي بفعل ضربات المقاومة، مثلما كانت تفعل دائماً لدى توقّف الغاز المصري بفعل استهداف الخطّ الناقل له.


كان لافتاً السماح مجدّداً بالتوجّه إلى الحدود اليوم الجمعة

من الواضح أن القصر يريد استثمار التحرّكات الشعبية لحساب دبلوماسيّته الخارجية، بعيداً عن اتّخاذ خطوات تصعيدية تُغضب إسرائيل من مثل إلغاء اتفاقية الغاز. ولذلك، يبدو أن تشتيت تلك التحرّكات يمثّل أولوية، بهدف احتواء المزاج الشعبي إلى حين الهدوء التامّ. لكن في الزاوية، يراوح خبر إسقاط قوات الاحتلال طائرة مسيّرة بالقرب من الحدود الأردنية مكانه، علماً بأن الأرجح أن لا يكون مصدرها المملكة، على اعتبار أن الأخيرة تُشدّد رقابتها على الرخص الممنوحة لمثل هذه الطائرات، التي تستدعي حيازتها موافقة الأجهزة الأمنية وتُستخدم لغايات تجارية محدودة، وهو ما يرجّح أنها قادمة من سوريا أو العراق (مع صعوبة الخيار الأخير)، وهو ما لمّح إليه العدو أمس. الثابت أن النظام سمح بأسبوع آخر من الاحتجاجات التي اشتدّت مع تصاعد الأحداث في غزة، إذ استمرّت الوقفات بالقرب من محيط السفارة الإسرائيلية غرب العاصمة، مع التشديد الأمني على المتظاهرين كي لا يتحرّكوا من نقاط مسيطَر عليها، بجانب استخدام العنف والتوقيف لبعض المحتجّين، وذلك بالتوازي مع استمرار الخطاب الرسمي بانتقاد إسرائيل والسماح على أرض الواقع بتحرّكات في مناطق عدة تشارك فيها القوى السياسية التقليدية الإسلامية والقومية واليسارية، وأيضاً أطر جماهيرية وشعبية.

على جانب آخر، بدا لافتاً ظهور رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، الذي وُقّعت معاهدة «وادي عربة» في ولايته، متحدّثاً عن «مرحلة جديدة في القضية الفلسطينية»، قائلاً إن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الهبّة الجارية. وأضاف المصري: «سنوات من محادثات السلام سواء مدريد أو أوسلو لم تثمر شيئاً، والإسرائيليون يتمدّدون ويتصلّبون بقرارهم، والعرب بالذات بدأوا الابتعاد عن القضية الفلسطينية، وأصبح موقفهم غير موجود، وهذا يشجّع مفهوم صفقة القرن، ولذلك يجب أن يكون هناك تحريك». أمّا الأكثر تعبيراً، فهو قوله إن «المنطقة تَغيّرت، وهناك قناعات كثيرة بأن التفاوض غير مثمر، ولا أحد يريد أن يقول إن المقاومة هي البديل، ولكن هذه القناعات موجودة، فظهور الصواريخ والقوة النارية التي أظهرتها حماس في هذه المرحلة تثير الانتباه». هذه الإشادة الضمنية لقوة «حماس»، والمتزامنة مع انفتاح الخطاب المصري الرسمي عليها، ترافقت وانتقاد رئيس الوزراء الأسبق لموقف السلطة، إذ قال إن «ما جرى في غزة لم يُحرّك السلطة التي يجب أن تقوم بدور أقوى ممّا تقوم به في مواجهة العنف الإسرائيلي». ورأى أنه «لا بدّ من إظهار موقف حاسم وإخراج السفير الإسرائيلي، وهو مظهر مهمّ يعبّر عن غضب، وستفهمه إسرائيل وباقي دول العالم». إلى ذلك، أشار الصحافي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، إلى أن «حماس طلبت أن يشمل وقف النار موضوع القدس.... رئيس المخابرات العامة الأردنية تحدّث هاتفياً مع زعيم حماس، إسماعيل هنية، حول الترتيبات المتعلّقة بوقف النار بين إسرائيل وحماس»، مضيفاً: «تريد حماس أن يشرف الأردن على ما يجري في المسجد الأقصى في إطار وقف النار، وأن يبلّغ عن الانتهاكات الإسرائيلية للوضع القائم».



«تهافت» يوسف زيدان بلغ القعر!

ناصر كامل

القاهرة | بأطروحات مجتزأة وأحكام غير تاريخية ولا علمية، بل مسيّسة بامتياز، أدلى الكاتب المصري بدلوه في ما يخصّ القدس على صفحته الفيسبوكية التي اتخذها منبراً منذ أن أزيح عن المشهد الإعلامي في عام 2017. الاستعمار والاحتلال والتطهير العرقي في فلسطين... كل هذا لم يره صاحب «عزازيل» الذي عينه على «نوبل» في الفترة الأخيرة كما يقول المنتقدون، بل كلام ورطان عن أنّ «اليهود يريدون هدم المسجد الأقصى للبحث عن هيكل سليمان». ورمى تساؤلاً في وجهنا: «ماذا يحدث لو خصّص المسلمون لليهود 200 متر مربع من باحة المسجد الأقصى لبناء معبد يهودي يُسمى هيكل سليمان أو المعبد الكبير أو أيّ اسم آخر؟!»

تردّدت، قليلاً، قبل أن أقترف محاولة تفنيد تهافت منهج الكاتب المصري يوسف زيدان في ما كتبه قبل أيام، متصلاً بجولة الصراع الحالية على أرض فلسطين، بخاصة أنّ الطرف الآخر من الصخب كان عباس شومان، وكيل الأزهر السابق. كتب صاحب «عزازيل» على صفحته الفيسوبكية تعليقاً على ما يجري في القدس: «القدس مدينة كل الأديان ولا يصحّ أن تكون عاصمة لفريق واحد»، فردّ شومان عليه قائلاً: «إن من ينكر إسلامية مدينة القدس خائن». لكني تنبهت إلى مفارقة أن «الفيلسوف» و«الشيخ» يتقاذفان الاتهامات عبر الفيسبوك، وزاد، زيدان، فكتب: «إن مفهوم الجهاد في الدين كان دوماً أكبر (مجاهدة شهوات النفس) وأصغر (هو المجالدة القتالية). وهذان نوعان اثنان فقط، ولم يرد أن له نوعاً ثالثاً فيسبوكياً أو تويترياً أو انستغرامياً... فهذا ما أنزل الله به من سلطان».

يستند زيدان إلى خليط فجّ من الأغاليط المنطقية المشهورة، فهو بعد ثلاثة أيام من بداية جولة القتال الحالية، استلّ فيسبوكه وأمطرنا بجديده «العتيق»؛ وهو يسخر من الأداة التي يرتكز إليها في حجاجه المتهافت، والتي استخدمها الشيخ بدوره، ثم استطال وقدّم الحل الذي غاب عن الجميع: «ماذا يحدث لو خصّص المسلمون لليهود 200 متر مربع من باحة المسجد الأقصى لبناء معبد يهودي يُسمى هيكل سليمان أو المعبد الكبير أو أي اسم آخر؟!». ثم صحّح «الوهم المستقر بيننا في البلاد العربية» القائل بأنّ «اليهود يريدون هدم المسجد الأقصى للبحث عن هيكل سليمان»، وكشف لنا أنّ «الصهاينة يبحثون عن هيكل سليمان مثلما نبحث نحن عن الآثار الفرعونية، لا أكثر».

هذه افتراضاته إذاً: ما يريده الصهاينة مجرد بحث أثري عن الهيكل، فإن لم يجدوه، فليبنوا في باحة الأقصى هيكلاً جديداً. ولأنّ زيدان، ادّعى؛ في نهاية عام 2015، أنّ المسجد الأقصى المذكور في القرآن ليس في فلسطين وإنما في الحجاز، فالنتيجة المنطقية أنّ الحق في القدس هو فقط لليهود.

أثناء ترددي في اقتراف محاولة تفنيد تهافت منهج يوسف زيدان، كنت أراجع بعض ما كتبه مريد البرغوثي في كتابه «رأيت رام الله»، فحسمت كلماته هذه ترددي: «لم أكن ذات يوم مغرماً بالجدال النظري حول من له الحق في فلسطين. فنحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق! لقد خسرناها بالإكراه وبالقوة»، ذلك لأنها تكشف تهافت زيدان بجلاء، فهو يتقافز عبر بضع كلمات ليوهم من يقرأه أنه يقدم سرداً تاريخياً، ليستنتج أنّ هناك حقين مشروعين، لكنه من جهة أخرى ينزع عن المسلمين حقهم، فلا يبقى سوى حق واحد لليهود.

ما يريده يوسف زيدان، في الواقع، ليس أقلّ من إعلان استسلام الفلسطيني و«عَقلنته»

المغرمون بالجدل النظري سيجدون في كلمات زيدان الأخيرة تهافتاً وصراخاً. فهناك، أولاً، اجتراء على البحث التاريخي لأنّ تاريخ العبرانيين في فلسطين ما زال محل بحث. إنه على أقل تقدير موضع شك، وأبحاث كمال الصليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب)، مثلاً، وغيره من الباحثين العرب، تقدم أطروحات تناقض تماماً استلالات زيدان المجتزأة، وجهود الباحثين الأثريين اليهود، طوال ثلاثة وسبعين عاماً، لم تقدم أدلة كافية، مقنعة، على وجود «دولة» يهودية تطابق السرد التوراتي. وهناك، ثانياً، أحكام غير تاريخية، وغير علمية، ومسيّسة بامتياز: ففي خضم تأييده للرئيس عبد الفتاح السيسي، خرج بمقولة هي أن المسجد الأقصى ليس في القدس، ثم وصف صلاح الدين الأيوبي بأنه «من أحقر الشخصيات في التاريخ». وترافق هذا مع التأييد «الأعمى، المجاني» الذي أبداه السيسي لخطة ترامب «صفقة القرن»، وأفضت إلى اعتراف الولايات المتحدة بالقدس الموحّدة عاصمة لـ«إسرائيل»، ونقل سفارتها إليها. وقد قوبلت «جهود» زيدان بالتهليل المناسب من قبل أفيغدور ليبرمان في تغريدة على فيسبوك في أيار (مايو) 2017، بقوله: «سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين التي تنزع القدسية عن أكبر إرهابي في التاريخ الإسلامي صلاح الدين، وعن أسطورة المسجد الأقصى المصطنعة... هذه التصريحات بداية لعودة التاريخ إلى أصوله... إنها تدفع في اتجاه إيجابي بكون القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، هذه بداية عودة التاريخ إلى أصوله وردّ الحق إلى أصحابه، وتؤكد أن أورشليم القدس هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل العظمى». وفي ما يشبه النشوة، عقّب زيدان على ليبرمان، عبر الفيسبوك أيضاً، قائلاً: «هذا صيدٌ آخر في الماء العكر». هكذا تم تمرير بأنّ المسجد الأقصى «أسطورة مصطنعة» في حين أنّ «الهيكل» حقّ مقرر. لذلك ليس غريباً أن يكتب زيدان بعد ثلاثة أيام على تفجّر جولة الصراع الحالية، التي تستند إلى واقع أن المسجد ظاهر جلي، وأن الهيكل في قبضة الغيب، مفتتحاً كلامه بهذه النبرة الاستعلائية النرجسية المريضة: «ردّاً على كثيرين يسألونني الرأي، ويتساءلون عن رؤيتي للأحوال الجارية في الجوار»، ثم رطان عن «حقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتحضِّرة». لا حديث عن الاحتلال، ولا التفرقة العنصرية، ولا منع الناس من مساجدهم وطردهم من بيوتهم، فهو لم ير في «الجوار» أياً من هذا!

وتتوالى رؤاه، بتواتر شبه يومي: «أنا أدعو إلى حل عملي للقضية من خلال تدويل مدينة القدس، لتكون تحت السيادة الدولية من خلال الأمم المتحدة، أو من خلال أطراف الصراع نفسه، على أن يتم الحفاظ على وحدة المدينة، لإنهاء هذا الصراع، ولكي يسود السلام، وأسعى للحفاظ على المدينة التاريخية وكذلك أرواح الناس من الطرفين»، وإلا سـ«تظل المآسي الإبراهيمية وحروبُ الرب المزعومة، مستمرة إلى ما لا نهاية». وهنا بوضوح تام، يتبيّن تهافت منهج يوسف زيدان، فالقدس، مع كل «رمزيتها» جزء من الصراع، لكن جوهره هو في المشروع العنصري الصهيوني، واستمرار إنكار حقوق الشعب الفلسطيني. وذروة تهافت يوسف زيدان؛ الذي نشر قبل يوم من تدوينته هذه خبر طرح الطبعة الـ43 من روايته «عزازيل»، الصادرة عام 2009، تتأتى من تعاميه عن المفارقة المنطقية المتمثلة في أنه يستند في مطالبته ببناء هيكل جديد في باحة الأقصى إلى تصوره عن «حق تاريخي» للعبرانيين «ظهر لوهلةٍ قبل ألفي سنة» كما كتب في التدوينة نفسها، بينما المقدسيون يدافعون عن واقع معاش، ويطالبون بحق اغتُصب منهم قبل نحو نصف قرن فقط.

ما يريده يوسف زيدان، في الواقع، ليس أقل من إعلان استسلام الفلسطيني للعبراني الذي يريد بناء ما هُدم قبل ألفي عام، ويزيد ويصف طلبه هذا بالحلّ العاقل!

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، كشف زيدان، في برنامج تلفزيوني أنه يناقش السيسي؛ بصورة متواترة، في قضايا عدة، سياسية وتاريخية ودينية، لكن يبدو أن هذا التواتر خفت منذ نهاية 2017. ولهذا كفّ زيدان عن الظهور على الفضائيات؛ التي كان ضيفاً مستداماً عليها. اليوم لم يعد له سوى الفيسبوك منفذاً لتقديم حلوله الألمعية للمشكلة «التاريخية».



الاحتلال يستهدف الإعلام على مرأى من «العالم الحرّ»

زينب حاوي

الاحتلال يستهدف الإعلام على مرأى من «العالم الحرّ»

عمدت قوات الاحتلال إلى استهداف منزل الصحافي يوسف أبو حسين

إلى جانب شقيقه الذي استُشهد قبل 16 عاماً، ووري الصحافي يوسف أبو حسين (1989)، في الثرى بعد استهداف الاحتلال الإسرائيلي منزله فجر الأربعاء الماضي، في «حي الشيخ رضوان» (شمال غزة). الصحافي الذي يعمل في إذاعة «صوت الأقصى»، كان على موعد في يوم استشهاده مع تقديم برنامجه «حدث في مثل هذا اليوم»، لكنه سرعان ما أضحى الخبر والحدث، وانتشرت صوره مبتسماً على مواقع التواصل الاجتماعي وسط حالة من الوجوم والاستنكار من قبل زملائه. بذلك، ينضم الصحافي الشاب الذي استُهدف عمداً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى قافلة استهداف الأطقم الصحافية في غزة وفلسطين، إذ يُعدّ الشهيد الصحافي الثالث بعد استشهاد الصحافي عبد الحميد الكولك، يوم الأحد الماضي، بعد قصف قوات الاحتلال منزله في غزة، واستشهاد أيضاً عبد المنعم شاهين الأسبوع الماضي، بعد تعرّض قرية «دير البلح» وسط قطاع غزة إلى القصف.

صحافيون ارتقوا إلى درجة الشهادة، في سياق يتعمّد فيه الاحتلال إخراس الأصوات الإعلامية وحجب الصورة عما يحصل من فظائع في غزة، بعد منعه الأطقم الإعلامية الغربية من الدخول إلى القطاع، ومحاصرته لمن بقي في الداخل، إما عبر استهدافه مباشرة، أو عبر تهديم المكاتب الإعلامية، وقطع الخدمات عنها من كهرباء وإنترنت. فقد سجّلت «لجنة دعم الصحافيين» في هذا الخصوص 78 انتهاكاً إسرائيلياً في قطاع غزة، طاولت المؤسسات الإعلامية. دمّر الاحتلال 26 مكتباً ومؤسسة إعلامية جراء استهداف مقاتلاته الأبراج السكنية (الشروق والجلاء والجوهرة)، التي تضم هذه المكاتب، عدا تدميره تسع شركات للإنتاج الإعلامي والمطابع والمكتبات. ووثّقت اللجنة، إقدام الاحتلال على تدمير 12 منزلاً لصحافيين وإعلاميين بشكل جزئي، إضافة إلى استهدافه السيارات التابعة للأطقم الصحافية، التي كانت مركونة إلى جانب الشقق والأبراج المستهدفة إسرائيلياً. في مدينة القدس والضفة المحتلتين، لم يكن المشهد مختلفاً، مع تسجيل 52 إصابة بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز والاعتداء بأعقاب البنادق طاولت الصحافيين الذين كانوا يغطّون جرائم الاحتلال في حي «الشيخ جرّاح»، وأثناء مواكبتهم للمسيرات المناهضة للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، عدا حملات الاعتقال والاحتجاز التي طاولت الصحافيين وهدفت إلى إبعادهم عن مدينة القدس.


سجّلت «لجنة دعم الصحافيين» 78 انتهاكاً إسرائيلياً في قطاع غزة، طاولت المؤسسات الإعلامية

استهداف برج «الجلاء»

يوم السبت الماضي، كنا أمام مشهد تلفزيوني حيّ لقصف عدواني مباشر من قبل قوات الاحتلال طاول برج «الجلاء» (12 طابقاً) الذي كان يضم 23 مكتباً ومؤسسة إعلامية عربية وأجنبية. وقتها، أمهل الاحتلال سكان المبنى دقائق قليلة، لإخلائه. دقائق لم تكن كافية، لحمل سنوات من العمل الصحافي، ومن توثيق جرائم الاحتلال في غزة، التي تخطّت الـ15 عاماً. قامت «إسرائيل» بتدميره في دقائق، أمام مرأى العالم، بدكّه بالصواريخ إلى حين سقوطه كاملاً على الأرض، محقّقة بذلك مسحاً للذاكرة الصحافية وطمساً بالتالي لكل جرائمها المرتكبة في القطاع المحاصر. حادثة على هولها، لم تهز العالم، وذاك الذي يدّعي حماية الحريات الصحافية، فكنا أمام سلسلة بيانات استنكار، اتسمت بالخجل والمواربة، وبلغة دبلوماسية حيال إجرام كيان الاحتلال. حتى من قبل المؤسسات الأميركية التي طاولها القصف والمتمثلة في وكالة Associated Press، الذي اكتفى رئيسها التنفيذي غاري برويت بالتعبير عن ذعره وصدمته حيال ما حصل للبرج المدمر ولمكاتب وكالته هناك! وصلت درجة «الاحتجاج» لدى الاتحاد الأوروبي إلى وصف الاعتداء الإسرائيلي بأنه «أمر مقلق بصورة بالغة»، مع تسجيل تحرك من قبل منظمة «مراسلون بلا حدود» التي طالبت «المحكمة الجنائية الدولية»، بإجراء تحقيق للقصف الإسرائيلي على برج الجلاء، مع اعتمادها لغةً مطاطة وغير حاسمة في إدانة الإحتلال بقولها إن «الاستهداف المتعمّد للجيش الإسرائيلي للمنظمات الإعلامية، والتدمير المتعمد لمعداتها، يمكن أن يمثلا انتهاكاً لأحد قوانين المحكمة». في سياق متصل، طالبت «لجنة دعم الصحافيين» المجتمع الدولي والدول الموقّعة على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل فوراً على ضمان حماية الصحافيين وموظفي وسائط الإعلام، واتخاذ كلّ الإجراءات الكفيلة بعد إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب، بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن (1788 و2222) التي تنص على «حماية الصحافيين أثناء النزاعات المسلحة». وحثّت منظمة «مراسلون بلا حدود» على الإسراع في شكواها إلى «المحكمة الجنائية الدولية».

هكذا، يُستهدف الصحافيون والعاملون في قطاع الإعلام في غزة، وسط حصار تفرضه قوات الاحتلال عليهم، وتمنع وصولهم وتوثيقهم لحقيقة ما يجري من فظائع في القطاع وكذلك على امتداد باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ممارسات ليست بجديدة على الاحتلال، الذي لطالما استهدف بشكل عمدي كل من يوثّق جرائمه بالصوت والصورة والكلمة، ويعمد إما إلى تصفيته أو إلى شلّ حركته الجسدية، وسط تواطؤ من العالم وتزييف الحقائق على المنابر الغربية والخليجية.


في مطبخ cnn

منذ أيام، انتشر تعميم داخلي لشبكة «دويتشه فيليه» الألمانية، يضم تعليمات صارمة لمراسليها حول طريقة التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على غزة، وإملائها عليهم اعتبار «حماس»، «إرهابية»، وعدم نعت «إسرائيل» بدولة استعمار. وأمس، خرج تعميم من داخل شبكة cnn، الأميركية، بإلصاق استخدام مصطلح «وزارة الصحة» الفلسطينية بـ «حماس» للتشكيك في إحصاءات الوزارة حول أعداد شهداء غزة، وأيضاً لمنح «مشروعية» قتالية

عدوانية لـ«إسرائيل» للقيام بمجازرها، وكسر التعاطف العالمي مع الشهداء سيّما الأطفال منهم. ومعلوم أن هذه الإستراتيجية يستخدمها الاحتلال لتبرير جرائمه وقصفه للمباني السكنية وتجزيره بالمدنيين العزّل.



سمعة «إسرائيل» في بريطانيا: نجوم الرياضة يكسرون الحواجز

حسام عبد الكريم (كاتب وباحث من الأردن)

اللاعبان حمزة تشودري وويسلي فوفانا

لم يكن منظراً مألوفاً ذاك الذي حصل أخيراً في «استاد ويمبلي» في لندن. في نهاية مباراة بطولة كأس الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم، قام لاعبان من الفريق الفائز، «ليستر سيتي»، برفع علم فلسطين في ما بينهما والطواف به في الملعب أمام ناظرَي الأمير ويليام، وليّ العهد البريطاني المقبل. و«استاد ويمبلي» له رمزيّة في بريطانيا كونه الوحيد الذي تمتلكه الدولة، خلافاً لبقية الملاعب التابعة للأندية. وهو بالتالي يُعتبر الاستاد «الوطني» الذي شهد تتويج منتخب إنكلترا بكأس العالم عام 1966. جرأة اللاعبين حمزة تشودري وويسلي فوفانا، وهما من أصول إسلامية، دفعت الجهات الصديقة لإسرائيل إلى التدخل بعدما شعرت بالحرج وبالخطر من ظاهرة انتشار تأييد الفلسطينيين في أوساط الرياضيين المشهورين. قامت منظمة «العمل ضد التمييز» بتقديم شكوى إلى اتحاد الكرة وإلى نادي «ليستر» وطالبت باتخاذ إجراءات عقابية بحق اللاعبين ومنع تكرار ذلك. ولكنّ اتحاد الكرة رفض الطلب وأصرّ على أنّ من حق اللاعبين التعبير عن آرائهم ورفع الأعلام الوطنية وتبنّي القضية الفلسطينية. وكذلك، لم يكترث نادي «ليستر سيتي» بالشكوى بل تابع مواقفه المميزة تجاه الاعتداءات الإسرائيلية في فلسطين فتجمّع أنصاره ومشجعوه في قلب مدينة ليستر ذاتها في مهرجان امتلأ بالأعلام والكوفيات الفلسطينية. وسرعان ما انتقلت عدوى رفع العلم الفلسطيني إلى أكبر ملاعب إنكلترا، «أولد ترافورد» التابع لأكبر أنديتها، «مانشستر يونايتد». بعد ثلاثة أيام من حادثة «استاد ويمبلي»، قام اللاعبان بوغبا وديالو، برفع علم فلسطين والطواف به أمام أنظار عشرة آلاف مشجع سمحت لهم الحكومة بالحضور بعد تخفيف إجراءات مواجهة فيروس كورونا. وهنا أيضاً لم يتدخل مسؤولو اتحاد الكرة الإنكليزي ولا إدارة النادي، ومرّت الحادثة اللافتة من دون تعكير. وأثنى المدير الفني لـ «مانشستر يونايتد» سولشيار، على موقف اتحاد الكرة ودافع عن حق لاعبيه في الاهتمام بقضايا غير كروية.

وفي اسكتلنده أيضاً، قامت جماهير نادي «سيلتيك»، بملء مدرجات النادي في غلاسكو بالأعلام والكوفيات الفلسطينية في تعبير متجدد عن مواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية.

وفي أوساط لاعبي الدوري الإنكليزي، وهو الدوري الأقوى والأكثر انتشاراً في العالم، تتالت إعلانات التضامن والتأييد لفلسطين والقدس من قبل لاعبي أكبر الأندية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فمن نادي «مانشستر سيتي»، بطل الدوري، قام كل من رياض محرز الجزائري وبنجامين مندي من ساحل العاج بتنزيل صور وأعلام وعبارات مؤيدة بقوة للشعب الفلسطيني. وكذلك فعل كل من ساديو ماني السنغالي ومحمد صلاح المصري من نادي «ليفربول»، وأيضاً أشرف حكيمي المغربي من «تشيلسي»، ومحمد النني المصري من «آرسنال»، وسيونجو التركي من نادي «إيفرتون». وحده نادي «توتنهام» من بين الفرق الكبيرة في إنكلترا لم يصدر من لاعبيه تأييد ملحوظ لفلسطين، ولا غرابة في ذلك. فالنادي هو تقليدياً نادي الجالية اليهودية في لندن وعموم إنكلترا ومعروف بارتباطاته الصهيونية القوية. ومن بين اللاعبين الذين عبّروا علناً عن مشاعرهم المؤيدة لفلسطين، فإن محمد النني هو فقط من تعرض إلى ضغط من ناديه للتخفيف من موقفه أو عدم تكراره. فقد أعلنت إدارة نادي «آرسنال» أنّها «ستتحدث» إلى لاعبها المصري بشأن منشوره بعدما تقدمت إحدى الجهات الراعية للنادي وهي شركة منتجة للقهوة Lavazza (ذات الملكية والإدارة الصهيونية على ما يبدو) بشكوى إلى النادي بشأنه.

ولّى زمن تأييد دولة الاحتلال الإسرائيلي في أوساط الشخصيات المرموقة في بريطانيا من مثقفين وفنانين ورياضيين وأكاديميين، وانتهى. لم يعد أحدٌ يطيق الاحتلال أو يقبله إلا عتاة الصهاينة أو بعض أصحاب المصالح من سياسيين ورجال أعمال. تتراجع مكانة إسرائيل في بريطانيا بسرعة وتسير في الطريق ذاته الذي سار عليه نظام بيتر بوتا والأبارثايد في جنوب أفريقيا.

سيف القدس زمن جديد لفلسطين
سيف القدس زمن جديد لفلسطين


يعتقد الخالدي أن تداعيات المواجهة على السياسة الأميركية في الإقليم لن تكون في مصلحة إسرائيل
يعتقد الخالدي أن تداعيات المواجهة على السياسة الأميركية في الإقليم لن تكون في مصلحة إسرائيل


قادت أوكاسيو كورتيز جهود طرح مشروع قانون لحجب مبيعات سلاح لإسرائيل
قادت أوكاسيو كورتيز جهود طرح مشروع قانون لحجب مبيعات سلاح لإسرائيل


تسنزورا تكذب: مفخرة قواعد العدو تحت نيران المقاومة
تسنزورا تكذب: مفخرة قواعد العدو تحت نيران المقاومة


 أسبوع غضب ثانٍ: عمّان تستثمر في الاحتجاجات
أسبوع غضب ثانٍ: عمّان تستثمر في الاحتجاجات


«جمل المحامل» (1973) للتشكيلي الفلسطيني سليمان منصور
«جمل المحامل» (1973) للتشكيلي الفلسطيني سليمان منصور


عمدت قوات الاحتلال إلى استهداف منزل الصحافي يوسف أبو حسين
عمدت قوات الاحتلال إلى استهداف منزل الصحافي يوسف أبو حسين


سمعة «إسرائيل» في بريطانيا: نجوم الرياضة يكسرون الحواجز.. اللاعبان حمزة تشودري وويسلي فوفانا
سمعة «إسرائيل» في بريطانيا: نجوم الرياضة يكسرون الحواجز.. اللاعبان حمزة تشودري وويسلي فوفانا


تعليقات: