الإعلام اللبناني صوتاً واحداً: عفوك يا «طويل العمر»


سريعاً، انتشرت مقاطع من حلقة «المشهد اللبناني» (قناة «الحرة») على مواقع التواصل الاجتماعي، سيّما تلك المتعلقة باحتدام الحوار بين وزير الخارجية المستقيل شربل وهبة، وبين المحلّل السياسي السعودي سلمان الأنصاري، حيث خرجت عنصرية وهبة، واصفاً السعوديين بـ «البدو» من باب المعايرة، رداً على إهانة الضيف السعودي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. الحلقة أيضاً حملت اتهاماً لدول الخليج بتصدير «الدواعش»، وللسعودية بقتل الصحافي جمال خاشقجي.


لوّحت mtv بورقة المغتربين في الخليج

مقاطع مسرّبة، تنصّلت قناة «الحرة» الأميركية من مسؤوليتها عن تسريبها، بعدما طلب وهبة حذفها من الحلقة التي بُثّت يوم الإثنين الماضي. وفي بيان لها، استخدمت الشبكة الأميركية الناطقة بالعربية، لعبة الاستغباء عبر الادّعاء بأن المقاطع المسربة لم تخرج من منصتها، وأنها فقط مسؤولة عن مضمون الحلقة التي بُثت على منصاتها الرقمية الرسمية. هكذا، وفي غضون ساعات، كنا أمام اجتياح حقيقي لمنابر السوشال ميديا، سيّما تويتر، بعد انتشار الذباب السعودي، ودخوله لعبة الوسوم، التي تصدّرت تويتر اللبناني، وحملت إهانات مباشرة لوهبة، إلى جانب إقدام قناة «العربية» على تلفيق تهمة الإتجار بالمخدّرات لوهبة. هذا على المقلب السعودي الذي تحرك بالتوازي سياسياً ودبلوماسياً، واستدعت دول من الخليج العربي السفراء اللبنانيين للاحتجاج على تصريحات وهبة، لنكون بعد ذلك، ضمن ساعات قليلة، مع حفلة اعتذارات وتذلّل وتقديم فروض الطاعة للمملكة على وسائل التواصل الاجتماعي، بدت كأنها حملة منظمة على نطاق واسع، تسيّدت المشهد أول من أمس، وتقاطعت مع النشطاء السعوديين الذين انتشروا بدورهم على هذه المنصات، وراحوا يكيلون الشتائم والإهانات لوزير الخارجية اللبناني، وينشرون صوراً عمرانية من السعودية، للدلالة على «التحضّر» رداً على عبارة «بدو»!

المشهد نفسه على الشاشات، التي سرعان ما لفظت فلسطين، وركّزت على تصريحات شربل وهبة

في المساء، تكرر المشهد عينه على الشاشات، التي سرعان ما لفظت فلسطين، وراحت تخصّص نشراتها الإخبارية، لتصريحات وهبة، وتستخدم سلاح التلويح باحتمال ترحيل آلاف المغتربين اللبنانيين المنتشرين في دول الخليج. تقاطع واضح مع ما حصل قبل ثلاثة أسابيع في شحنة «الرمان المخدّر والمحمل بحبوب الكبتاغون» من لبنان إلى السعودية. وقتها، شهدنا استنفاراً لا مثيل له على المحطات اللبنانية، استمر أياماً واستخدم خطاب التذلل والانبطاح مع تضخيم واضح في الحدث وتحويله إلى أزمة واقعة بين البلدين. أول من أمس، استنفرت القنوات المحلية سيّما تلك المموّلة سعودياً، وخصّصت مساحات لافتة من نشرات أخبارها لكلام وهبة، وراحت تلوّح بورقة المغتربين اللبنانيين، التي أضحت لازمة مع كل أزمة تثار مع السعودية ودول الخليج. على رأس هذه المحطات، mtv، التي اعتبرت في مقدمة نشرة أخبارها، أن تصريحات وهبة، «اعتداء على مصالح لبنان ومئات الآلاف من مغتربيه»، و«اعتداء على السعودية ودول الخليج». القناة ــ التي لها مآثر في عنصريتها على السوريين عبر برامجها ونشراتها الإخبارية ـــ استضافت وجوهاً لبنانية سياسية واغترابية، من ضمنها الوزير السابق نهاد المشنوق، الذي خصّصت له المحطة أربع دقائق، ليدعو وهبة إلى اعتزال العمل العام لا إلى الاستقالة. طبعاً، برّأ المشنوق السعودية من اتهامها بتصدير «الدواعش»، تبعته استضافة إيلي رزق رئيس «هيئة تنمية العلاقات السعودية-اللبنانية»، الذي اعتبر أن ما فعله وهبة يُعدّ «خطيئة» لا خطأ، وقال بأنّ المطلوب «تنحيته»، لتسأله المراسلة جويس عقيقي، عن إمكانية ترحيل اللبنانيين من دول الخليج، ويذهب في التصعيد أكثر بالتهديد بإمكانية قطع العلاقة بين البلدين! ورقة المغتربين أيضاً حضرت في تقرير آخر، راح يعدّد بالأرقام أعداد اللبنانيين في دول الخليج، وكمية الأموال المحوّلة منهم إلى لبنان، عدا التعريج على أهمية التبادل التجاري بين البلدين. على قناة lbci، التي اعتبرت في مقدمة نشرة أخبارها بأن ما أدلى به وهبة، لم «تصل واشنطن إلى اتهام المملكة به»، ركّزت بشكل أساسي على استخدام كلمة «بدو» من قبل وزير الخارجية، واعتبارها عبارة عنصرية، وراحت في تقرير منفصل، تعرّج على أسماء لامعة تولت حقيبة الخارجية ونجحت في تسليط الضوء على قضايا لبنان، أمثال غسان تويني وفؤاد بطرس وشارل مالك. لكن، طبعاً، فكرة التقرير في الأصل تحمل مبالغة عالية في المقارنة والسياق التاريخي والسياسي، وقد لا تصح في حالة وهبة. ومع مقاربة «الجديد» لقضية وهبة عبر استعراض البيانات وتجنّب الخوض في فتح جبهة إعلامية موالية للمملكة، كانت المهمة أصعب على otv، التي ينتمي الوزير إلى تيارها السياسي. القناة البرتقالية التي أخّرت الحدث إلى منتصف النشرة تقريباً، أذاعت بيانات الاستنكار السعودي وذاك الصادر عن رئاسة الجمهورية، وركّزت على كواليس الحلقة، التي رُوّج وقتها بأن الوزير لم يكن على علم بوجود ضيف سعودي، وأن «الحرة» بثّت المقطع المحتدم بين الرجلين رغم طلب وهبة حذفه.

تعليقات: