عدنان سمور: أنحن اليوم نحرر فلسطين أم فلسطين تحررنا؟


في لحظة غفلة وضعف من تاريخ الأمة المتعبة من الظلم والقهر والتسلط والتحجر والإستغلال السيء لقيم وتعاليم الدين العميقة بعمق الإنسانية تسلل الغزاة الطامعين بعد انتصاراتهم المجرمة واللاأخلاقية في الحروب العالمية التي سببها جشعهم وضيق أفقهم الإنساني وأنانياتهم وغرورهم وساعدوا بكل قوة شذاذ الآفاق وحثالة المجتمعات الغربية التي حملت في معتقداتها وسلوكها كل عقد وأحقاد التاريخ فاغتصبوا فلسطين وافتعلوا فيها المجازر الرهيبة واقتلعوا الناس من بيوتهم ومزارعهم وموطن ذكرياتهم وشردوهم وشوهوا صورتهم وتلاعبوا بتاريخهم مزورين الأبحاث والكتب والآثار المكتشفة ومستعينين بالخرافات والأساطير والأوهام والإفتراءات ومدعومين بالمال والسلاح والتقنيات والإعلام من عالم ظن أنه بات قادرا بما يملك من وسائل القوة العقلية والمادية أن يرسم ويقود ويحدد مسارات الإنسان في هذا العالم حسب رغبته ومصالحه وأهوائه مهمشا دور الأخلاق والقيم والتاريخ والثقافات والمشاعر الإنسانية النبيلة التي تبنى على أساسها إرادات الأمم والشعوب وقدراتها على الفعل والتأثير والصبر والسعي للتغيير من أجل استعادة الكرامة الإنسانية التي هي جوهر حياة الإنسان الحر وميزته عن بقية الكائنات.

أرض فلسطين وسط عالمها الواسع تمتلك تاريخا جبل فيه طين الأرض بعظمة وسحر وقداسة السماء الأمر الذي يكسب أهلها شعورا متجذرا ومتأصلا يتعذر على آلة الهيمنة الإستعمارية المادية الصرفة إستيعاب أبعاده ومديات تأثيره الكامنة والممكنة لأنها عطلت إستشعاراتها المعنوية والأخلاقية وغلفتها بدوافع مصلحية ونفعية بحتة.

كانت ردة الفعل الفلسطينية والعربية المخلصة بديهية وتلقائية ومتوقعة وهي تأسيس مشروع مقاومة شعبية ضد مشروع هيمنة بالغ التعقيد والتشعب والغنى بالموارد المادية والقدرات الإستخبارية الأخطبوطية والتقنيات المتطورة وشبكات العلاقات القادرة على توظيف أقرب الناس والأنظمة القريبة من الفلسطينيين ضد مصلحة فلسطين وشعب فلسطين والتآمر عليهما لذلك مر ومني مشروع المقاومة الفلسطينية وحلفاؤه المخلصون من الأنظمة والشعوب العربية بمراحل مؤلمة من التعثر والإخفاقات والنكسات والخسائر والتضحيات على الرغم من وجود نقاط مظيئة كثيرة في تاريخ هذه المقاومة حفظت القضية حية ونابضة وساهمت في التعلم من الإخفاقات التي حصلت وأخذ الدروس والعبر وتطوير الأداء وردم الفراغات ومعالجة الأخطاء ونقاط الضعف سواء في جسم حركات الثورة الفلسطينية أو في توحيد وتمتين العلاقة بين الدول والشعوب المحاذية لفلسطين ونسج تحالفات عميقة ومحصنة بينها الأمر الذي بتنا نشاهد تجلياته في روح الإندفاع والتضامن والتناغم مع ادق التفاصيل والأحداث التي تجري داخل فلسطين وحولها.

العامل الأساسي الذي ساهم في جمع شمل المقاومة وتوحيد جهودها كان في موقف أعلنه الإمام الخميني بعيد نزول طائرته من باريس عام 1979 في خطبته في جنة الزهراء في طهران حيث قال " اليوم إيران وغدا فلسطين" وأعلن بعدها كل آخر يوم جمعة من شهر رمضان يوما عالميا للقدس وأنشأ تلامذته وأتباعه المخلصون بعد نهاية الحرب العالمية التي فرضت عليهم فيلقا للقدس ووضعوا كل امكاناتهم وجهودهم ورسم ا خطة طويلة الأمد لإمتلاك ترسانة صاروخية وأسلحة وتقنيات وساعدوا كل طاقة حية في الأمة معتقدة بقدسية ورسالية القضية الفلسطينية العادلة بإقتنائها والتدرب عليها وعملوا بكل قوة على توحيد الجهود ونبذ الخلافات الداخلية بين حركات المقاومة وهكذا بدأ مشروع المواجهة بين الصهاينة وداعميهم الدوليين وبين ما صار يعرف اليوم بمحور المقاومة وهكذا لعبت فلسطين دور المختبر الذي ساهم في إعادة إنتاج وعي الأمة بقضاياها الكبرى ووعيها بقوتها البشرية الكامنة وبرثرواتها الطبيعية والمادية التي كانت مهدورة ومنهوبة وغير مكتشفة وأهم ثروة إكتشفتها الأمة المقاومة هي وحدتها التي إجتهد الأعداء في تمزيقها وإقناعنا بأنها مستحيلة .

وما يجري اليوم في فلسطين يمثل عملية تتويج لمشروع مقاومة أصيل ومتجذر عمره ثلاثة وسبعون عاما مكن الأمة من استعادة وعيها واستعادة دورها في صنع الحدث وصنع التغيير المرتجى وكشف ضعف وعجز مشروع هيمنة عمره لا يقل عن مئتي عام وسيعيد هذا التغيير رسم معالم وخرائط المنطقة والعالم بناء على الإنجازات المادية والمعنوية والمعرفية التي تحققت وعلى النخب والمثقفين وكل الواعين في هذه الأمة البدء بالتفكير والتخطيط والإعداد والإستعداد لمرحلة ما بعد تحرير فلسطين والتخلص من الغدة السرطانية إسرائيل وهناك الكثير الكثير من الأسئلة المطلوب البحث عن إجابات مقنعة ومفيدة وعملية لها وهناك الكثير من التحضيرات لتعطيل أفخاخ سيضل الأعداء ينصبونها لنا لنتعثر وننهزم ونتراجع بسببها وبقدر ما نكون واعين سيفشلون ونبقى واقفين يقظين واعين ومتنبهين وثابتين

أمام عظمة وكثافة الحدث الذي تجري أحداثه اليوم على أرض فلسطين والحراك الجماهيري العفوي الذي يجري على حدودها وفي ساحات الحرية العالمية المتعاطفة معها.

أمام هذا الواقع يلح علي سؤال يؤرقني ويفرحني وهو.

" أنحن اليوم نحرر فلسطين أم فلسطين تحررنا؟"

* المهندس عدنان إبراهيم سمور.

باحث عن الحقيقة.

15/05/2051



تعليقات: