ترشيد الدعم رُحِّل الى ما بعد بعد رمضان


يمرّ ملف الدعم بتعقيدات بعضها مفهوم وبعضها الآخر غير منطقي، لكن المؤكّد، انّ الفوضى السائدة حالياً مستمرة الى آجال تتجاوز شهر نيسان الى منتصف ايار، وبعد ذلك لكل حادث حديث، اذ تكون الاموال نضبت ووصلنا الى الاحتياطي الالزامي.

تؤكّد مصادر لـ«الجمهورية»، انّه جرى في اللقاء الاخير الذي جمع رئيس الحكومة في حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الاتفاق على تأجيل البت بموضوع ترشيد الدعم الى ما بعد شهر رمضان، على ان يُفتح هذا الملف على مصراعيه في حينه، اي بعد شهر من اليوم، وعلى مسافة ايام، مما سبق لوزير المالية غازي وزني ان أعلنه كموعد لنفاد أموال الدعم التي ستنتهي آخر ايار. فكيف تتمّ الاستعدادات لمرحلة ما بعد رفع الدعم؟ وما البدائل المتوفرة؟ وكيف يمكن تفسير ظاهرة السلع المدعومة المفقودة من الاسواق؟

في السياق، أكّدت مصادر في وزارة الاقتصاد لـ«الجمهورية»، انّ السلع المدعومة غير مفقودة من الأسواق، انما غالبية التجار ما عادوا يرغبون بتقديم ملفاتهم للحصول على الدعم، بسبب تأخّر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات. والملاحظ انّهم خففوا من الكميات التي يطلبون استيرادها، كما انّهم لا يقدّمون طلبات استيراد جديدة، طالما لم يقبضوا ثمن الاستيراد السابق من مصرف لبنان. والملاحظ انّ عدداً كبيراً من التجار يطلبون من الوزارة سحب ملفاتهم ويفضّلون شراء الدولار من السوق لتسيير أعمالهم.

ولفتت المصادر، الى انّ السلة الغذائية لا تزال على حالها، انما أُزيلت منها فقط السلع او المواد المتعلقة بالصناعيين، وذلك بناء على طلبهم، لأنّهم يرغبون بالتصدير الى الخارج.

ورداً على سؤال عن المدة التي سيبقى فيها المدعوم متوفراً في السوق بعد انتهاء الدعم، اشارت المصادر، الى انّ التجار وقّعوا على تعهّد مع وزارة الاقتصاد يقضي بمواصلة بيع السلع المدعومة في السوق بعد رفع الدعم حتى ينتهي مخزونهم منها، متوقعة ان تمتد هذه الفترة الى شهرين.

من جهة أخرى، أكّدت المصادر، انّ احتكار السلع والتقيّد بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن الوزارة لا يزال قيد المتابعة، ولكن وجود 70 مراقباً في السوق على اكثر من 20 الف نقطة بيع، يجعل من مهمّتهم صعبة. وفي السياق نفسه، تشكو المصادر من تقاعس البلديات عن لعب دورها الفاعل في مراقبة السوق المعنية به. ألا يمكن لكل بلدية ان ترسل شرطياً لمراقبة مدى تقيّد اللحام بسعر كيلو اللحمة الرسمي على سبيل المثال؟ بالطبع تستطيع، انما يتخاذلون طمعاً بأصوات انتخابية.


بحصلي

بدوره، عزا نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ»الجمهورية» النقص في توفّر السلع المدعومة في السوق بشكل أساسي، الى التأخّر في البت بالملفات من قِبل مصرف لبنان، ما يرتب على التاجر الذي قدّم ملفاته لنيل المدعوم بالتأخّر في توفيره في السوق. وأكّد اننا اليوم في مرحلة الترشيد المقنّع، بحيث انّ الدعم قائم رسمياً أي كل تاجر يستوفي الشروط المطلوبة لا يزال يحصل على موافقة وزارة الاقتصاد للحصول على الدعم، كذلك عندما يرفع التاجر ملف الاستيراد الى مصرف لبنان يوافق الاخير عليه، انما المشكلة تكمن في الوقت الذي يستغرقه التاجر قبل ان يقبض امواله، والذي غالباً ما يحصل بتأخير 4 اشهر.

ورداً على سؤال، اكّد بحصلي انّه قانوناً حتى لو توقف الدعم، على كل تاجر ان يواصل بيع السلع التي اشتراها على السعر المدعوم، ويحق للمصرف المركزي مراجعة التاجر ومساءلته حتى لو توقف الدعم، لأنّه يفترض ان يسلّم البضاعة الى السوق بسعر الدولار الذي اشتراه فيه اي 3900 ليرة، وبالتالي لا يمكن تقدير المدة التي ستبقى فيها السلع المدعومة متوفرة في السوق انما بالتأكيد حتى نفاد الكمية.

وعن جديد توفّر السلع الإيرانية الصنع في السوق اللبنانية، يقول بحصلي: «من ناحية المنافسة ليست المرة الاولى التي تدخل فيها بضائع من اسواق جديدة الى السوق اللبنانية». مؤكّداً انّ السوق تستوعبها. وشدّد على انّ الأهم اليوم ان تدخل السلع الى لبنان ضمن القنوات الشرعية، بغض النظر عن مصدرها، شرط الّا تكون مغشوشة ولا مقلّدة ولا مهرّبة، اي ألّا تتجاوز مرحلة التحاليل لمعرفة مدى مطابقتها لمواصفات معينة.


نصراوي

من جهة أخرى، ومع رفع الدعم المتوقع في المرحلة المقبلة، يتخوف المستهلك من ارتفاع جديد في أسعار السلع الغذائية، ولعلّ هذا هو الدافع اليوم وراء سعيه الى تخزين ما يُتاح من مدعوم وغير مدعوم، فكيف ستتأثر أسعار الصناعات الغذائية اللبنانية بعد رفع الدعم؟

يؤكّد نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين جورج نصراوي لـ«الجمهورية»، انّ الدعم المقدّم للصناعة الغذائية لم يؤت بالنتائج المرجوة منه، لذا رفضناه نظراً لانعكاسه السلبي على التصدير. وأكّد انّ أسعار غالبية المنتجات الغذائية اللبنانية الصنع لن تتأثر برفع الدعم انما بتقلبات سعر الدولار في السوق السوداء.

وأشار الى انّ قطاع صناعة الالبان والاجبان هو أكثر قطاع صناعي استفاد من الدعم، لا سيما من حليب البودرة، والقطاعات الغذائية التي تحتاج الى السكر. يبقى انّ التجار هم أكثر من استفاد من الدعم، لذا من البديهي ان تزيد اسعار هذه المنتجات متى رُفع الدعم، لاسيما أسعار الحبوب الى جانب السلع المستوردة المدعومة من السلة الغذائية.

وعن تقييمه لتجربة الصناعة الغذائية اللبنانية في خلال الأزمة، وعن مدى انتشارها وتوسّعها، يقول نصراوي: «انعكس تراجع حجم الاستيراد الناتج من الأزمة المالية ارتفاعاً في الطلب على الصناعات الغذائية اللبنانية، فعملت الصناعة على تغطية النقص، بخلق خطوط انتاج جديدة والتوسّع في السوق المحلي. انما عدم استقرار سعر الصرف خلق أزمة، خصوصاً عند الصناعيين غير المصدّرين الذين يؤمّنون الدولار من السوق السوداء».

أضاف: «انّ 90% من الصناعيين حافظت أعمالهم على استقرارها، لا بل زاد حجم انتاجهم».

وعن المنافسين الجدد للمنتجات اللبنانية والمقصود الصناعات الإيرانية المنشأ التي بدأت تغزو الأسواق اللبنانية، يقول نصراوي: «نحن نرفض هذه السوق. إذ يُفترض بأي منتج يدخل الأسواق اللبنانية بهدف منافسة الإنتاج المحلي (أي يُصنّع منه محلياً) ان يخضع للرسوم الجمركية. بهذه الطريقة نتجنّب الإغراق وفي الوقت نفسه يتأمّن مدخول إضافي للدولة هي في أمسّ الحاجة اليه. فالمنتجات الإيرانية الصنع مثل المنتجات التركية والسورية لا تخضع لهذه الرسوم. لهذا نطالب بتطبيق قانون حماية الإغراق الموجود في وزارة الاقتصاد. اما المنتجات المصرية التي تدخل الى لبنان فمشكلتها انّها لا تخضع الى شهادة التيسير العربية، أي انّ المنتجات المصرية تدخل الى لبنان من دون ان تخضع الى الجمارك، الّا اننا لا نلقى معاملة بالمثل، بحيث انّ الجانب المصري يضع إجراءات مكثفة وعوائق امام التصدير الى مصر».

تعليقات: