جسر «سليم سلام»: سرقة 77 % من قيمة العقد!


صفقة فساد أخرى أبطالها رئيس مجلس بلدية بيروت جمال عيتاني وقسم كبير من الأعضاء، إضافة الى المحافظ السابق زياد شبيب بلغت قيمة الهدر فيها نحو 7 ملايين دولار من أصل 9 ملايين دولار أنفقت لتأهيل جسر سليم سلام. طريقة إعداد الصفقة التي حقق فيها ديوان المحاسبة ليست استثناءً، بل نهج معتمد في البلدية. هي نموذج صغير عن طريقة سرقة الأموال العامة

لم يعد الفساد وهدر المال في بلدية بيروت أمراً يدعو إلى المفاجأة ولا هو يحتاج الى «تدقيق جنائي» لكشفه. ففضائح الصفقات والمخالفات تتوالى، آخرها صفقة تلزيم إعادة تأهيل جسر سليم سلام. قيمة الهدر، بحسب ديوان المحاسبة الذي ينظر في الملف، تصل إلى نحو 7 ملايين دولار، من أصل 9 ملايين دولار أنفِقت على الصفقة (أي أن نسبة الهدر تصل إلى نحو 77 في المئة من قيمة العقد)، وبموافقة كل من رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني وغالبية أعضاء المجلس ومحافظ بيروت السابق زياد شبيب وتواطؤ الموظفين في الإدارة.

بدأت القصة بتاريخ 23/2/2017 حين اتخذ مجلس بلدية بيروت برئاسة عيتاني قراراً تحت الرقم 152 بالموافقة على تلزيم إعادة تأهيل جسر سليم سلام في مدينة بيروت بطريقة المناقصة العمومية بعد موافقة شبيب على دفتر الشروط، وقد صُدّق القرار من قبل وزير الداخلية نهاد المشنوق (تاريخ 1/6/2017). تلا ذلك، اجتماع لجنة المناقصات في البلدية لإعلان العارض، «شركة أنطوان مخلوف للتجارة والمقاولات ش.م.ل»، ملتزماً مؤقتاً لهذه الصفقة لقاء مبلغ قدره 13 ملياراً و273 مليون ليرة، أي ما كان يعادل 9 ملايين دولار آنذاك. أما القطبة المخفيّة هنا، بحسب المعلومات، فهي تنازل شركة مخلوف عن المبالغ المالية لمصلحة «بنك ميد» المملوك من عائلة الحريري.

الصفقة تمت على أساس الكلفة المُضخمة، رغم أن شركة «دار الهندسة نزيه طالب ومشاركوه»، وفي شهر حزيران من عام 2017، أي قبيل شهر من اجتماع لجنة المناقصات، صححت الخطأ المتعلق بالقيمة الإجمالية لكلفة المشروع الوارد في دفتر الشروط لتصبح 7 ملايين دولار بدلاً من 9 ملايين دولار. رغم ذلك، عُقِدت الصفقة بـ 9 ملايين دولار! يُضاف إلى ذلك أن ديوان المحاسبة وضع تقريراً يؤكد فيه أن كلفة المشروع لا تتعدى 2 مليون دولار! علماً بأن عيتاني كلف الاستشاري، من دون موافقة المجلس، ثم عقد معه اتفاقاً بالتراضي في المرحلة الثانية، بموافقة المجلس، وحددت قيمة العقد بنسبة 2.5% من كلفة الالتزام وهو ما رفضه ديوان المحاسبة بسبب وضع العقد موضع التنفيذ قبل عرضه على رقابة الديوان المسبقة. لكن رئيس المجلس البلدي والأعضاء كما محافظ بيروت ولجنة المناقصات تجاهلوا ما سبق، كما تجاهلوا تصحيح كلفة المشروع، وتعمّدوا السير بالقيمة المُضخّمة وهدر الأموال العامة.


لم تنفّذ الشركة المتعهدة سوى 25 في المئة من أعمال المشروع ولزّمت الباقي لشركات أخرى

نتيجة ما حصل، أُحيل الملف على الرقابة القضائية بموجب قرار ديوان المحاسبة الرقم 1985/ر.م تاريخ 26/11/2019 وتم تكيلف الخبير ميشال الحلو بتاريخ 6/2/2020 معاينة أشغال التأهيل والصيانة التي طالت جسر سليم سلام. تبين وفق تقرير المهندس أن ثمة فضيحة هدر تقارب نحو 7 ملايين دولار بعدما قدّر الحلو قيمة الأعمال بـ 3 مليارات ليرة لبنانية، أي 2 مليون دولار يومها، في حين أن تلزيم المشروع الى شركة أنطوان مخلوف تمّ بقيمة 13 ملياراً أي 9 ملايين دولار (وفقاً لتقرير الخبير، الدولار الأميركي كان يعادل حينذاك 1508 ليرات لبنانية).

قاطرة الفساد لا تتوقف هنا، فشركة مخلوف سلّمت الأعمال والمشتريات والتلزيمات الى شركات «بالباطن»، بحسب الحلو. وقد عمدت إحدى الشركات وهي شركة درويش حداد الى التعاقد بدورها مع شركات بريطانية بعقد قيمته 602 ألف دولار ومع شركات لبنانية. تجدر الإشارة هنا، الى أن تلزيم التلزيم الى شركات باطنية تعمد بدورها الى تلزيم شركات أخرى، بات منذ زمن نهجاً معتمداً في البلديات وداخل كل الإدارات والمؤسسات العامة. في حالة جسر سليم سلام، بلغت كلفة مشتريات المتعهد وتلزيماته من الباطن والمؤيدة بمستندات ثبوتية 1 مليون و274 ألف دولار، أي ما يعادل 1 مليار و920 مليون ليرة. أما شركة مخلوف، فقد قامت بأعمال توازي 475 مليون ليرة. وبالتالي، يذكر التقرير، أن النسبة المئوية للأعمال التي قامت بها الشركة المتعهدة لا تتخطى 25% من قيمة الصفقة.

ويكشف تقرير الخبير أن ثمة أشغالاً تمّ احتسابها في الكشوفات التي صرفت للمتعهد، لكنها لم تنفذ، وأخرى نُفذت خلافاً للأصول، فضلاً عن عدم التقيد بمهلة التنفيذ حيث تبين أنه وبعد عامين من العمل لم يكن المتعهد قد أنهى أعمالاً بسيطة. كذلك قام المتعهد بإلغاء بنود من الأعمال بعد التلزيم، بموافقة محافظ بيروت، بعدما تقاضى كلفة تنفيذها.

نتيجة الهدر المحقق في عملية التلزيم، حمّل ديوان المحاسبة المسؤوليات إلى كل من: 1- المجلس البلدي وعلى رأسه جمال عيتاني، ونائب الرئيس إيلي أندريا والأعضاء: يسره صيداني، عبد الله درويش، راغب حداد، أنطوان سرياني، محمد سعيد فتحة، ماتيلدا خوري، هدى الأسطة، إسحاق كيشيشيان، خليلي شقير وهاغوب ترزيان، فيما تحفّظ بعض أعضائه وهم: كبريال فرنيني وجوزيف طرابلسي وسليمان جابر ورامي الغاوي وإيلي يحشوشي. 2- المحافظ السابق زياد شبيب. 3 - المهندس حسان الحريري وهو أمين سرّ لجنة المناقصات ورئيس لجنة التدقيق في التلزيمات. 4- لجنة الاستلام.

وطلب الديوان من أعضاء المجلس البلدي ورئيس البلدية جمال عيتاني كما محافظ بيروت السابق زياد شبيب والمهندس حسان الحريري بيان دفاعهم عن الإهمال والتقصير وإلحاق الضرر بالمال العام. كذلك طلب من أعضاء المجلس والحريري وأعضاء لجان الاستلام بيان دفاعهم عن عملية التلزيم من الباطن، وذلك ضمن مدة شهر من التبليغ. وتجدر الإشارة الى أن قرار الديوان صدر بتاريخ 16 آذار الماضي وقد ترأست الهيئة التي أصدرته القاضية جمال محمود.

تعليقات: