الحريري أمام فرصة الحل أو المواجهة

يعود اليوم الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا مجدداً، من دون أي آمال بإمكان إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية المستمرة
يعود اليوم الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا مجدداً، من دون أي آمال بإمكان إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية المستمرة


يعود الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا مجدداً، من دون أي آمال بإمكان إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية المستمرة. لا تزال الأمور على حالها. بالنسبة للحريري سبق أن قدم التشكيلة وهو ينتظر ملاحظات رئيس الجمهورية عليها. هو يبدي استعداده لمناقشة الاسماء والحقائب لكنه لن يتراجع عن رفض حصول أي طرف على الثلث المعطل. حتى الآن لا تظهر أي بوادر لحل الأزمة المستعصية، والتفاهم لا يبدو ممكناً من تدخل قوى دولية نافذة

المعيار الأساس لخروج الدخان الأبيض من قصر بعبدا اليوم هو أن يحمل الرئيس المكلف سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية ميشال عون تصوراً حكومياً كاملاً، يتضمن توزيع الحقائب مع موافقة الأطراف السياسية عليها. دون ذلك، لا حكومة اليوم، ويعني أن الحريري «لم يقرأ كلام رئيس الجمهورية الأخير ولا كلام السيد حسن نصر الله ولا مواقف النائب السابق وليد جنبلاط»، وفق مصادر معنية بملف التأليف.

بعد يومين من دعوة نصر الله إلى تأليف حكومة تكنو ــــ سياسية، ظل الصمت حليف الرئيس المكلّف. وحتى عندما سئلت مصادر مقربة من الحريري، اكتفت بالتأكيد أنه مصرّ على تأليف حكومة من اختصاصيين غير حزبيين مدعومين من الكتل النيابية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. لكن «الصمت الإعلامي» لم يكن هو نفسه في مناقشات أجراها مباشرة وبالواسطة مع الثنائي الشيعي. ومع تيقّن الحريري أن الاقتراح يعبّر عن اقتناع لدى حزب الله من دون أن يعني أي تراجع عن الاتفاق معه، صبّ عتبه على حليفه «المتردّد» وليد جنبلاط، الذي صدمه بزيارته للقصر الجمهوري، ودعوته الحريري الى التحاور مع جبران باسيل، وتراجعه عن دعم حكومة الـ ١٨ وزيراً. وحتى عندما شرح النائب وائل أبو فاعور للحريري خلفية الزيارة وأبعادها، مؤكداً أن جنبلاط لا ينقلب على التحالف معه، لكنه يرى الأفق مسدوداً ويخاف على السلم الأهلي ويفضّل التسوية، فإن الحريري لم يقتنع. وفسّر موقف جنبلاط بأنه «وقوع تحت الضغط». وزاد أمام من يهمّهم الأمر: «أنا أريد الحكومة، وأريد اتفاقاً مع رئيس الجمهورية، لكنني لا أريد حكومة تنفجر في جلستها الأولى، ولا أثق بجبران باسيل ولا أرى موجباً لحكومة سياسية تجعل الخارج رافضاً لأي تعاون معنا في معالجة الأزمة الاقتصادية».

إلى ذلك، لا يزال الحريري يتجنب الحديث عن التفاصيل الحكومية، وتحديداً حول توزيع الحقائب الرئيسية، ولا سيما حقيبتي العدل والداخلية. وهو يرفض أن يكون لعون أو باسيل تأثير عليهما. وهو إذ يبدي استعداده للتفاهم على أسماء وسطية، يرفض، في المقابل، أن يمنح رئيس الجمهورية، ومن خلفه باسيل، الثلث المعطل الذي يمكّنه من شلّ الحكومة في لحظة، فكيف إذا انضمّ حزب الله إليهما؟


الحريري عاتب على جنبلاط لدعوته إلى الحوار مع باسيل وتراجعه عن حكومة الـ 18

مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة المكلف، أشارت إلى أنه سيزور بعبدا للاستماع إلى ملاحظات رئيس الجمهورية على التشكيلة التي سبق أن سلّمها له في كانون الأول الماضي، مبدياً استعداده لمناقشة أي اسم أو حقيبة. المصادر كانت قد قللت من أهمية اللقاء ربطاً بالأجواء التي سادت خلال الأيام الماضية، والتي «تؤكد على ما سمعه الحريري من رئيس الجمهورية أنه يريد ستة وزراء من دون الطاشناق». هذا يعني بالنسبة إلى الحريري أن رئيس الجمهورية مصرّ على الحصول على الثلث الضامن في الحكومة المقبلة، وهو ما تؤكد المصادر أنه «خط أحمر» بالنسبة إلى الرئيس المكلّف.

على صدى هذه المناخات، لا يبدو التفاهم ممكناً من دون تدخلات من قوى نافذة. وليس واضحاً ما إذا كان الفرنسيون سيدعمون تفاهم «اللحظة الأخيرة» بين عون والحريري، ويعرضون ضمانتهم للحريري إزاء موقفَي الولايات المتحدة والسعودية، وإن كان الحريري نفسه يعلم أن باريس لا تمون على واشنطن ولا على الرياض. بل هو يسمع مناخات مختلفة من الجانب الأوروبي توحي بإجواء غير إيجابية تجاه لبنان إذا لم يلتزم قيام حكومة خارج نفوذ القوى الكبيرة، ولا سيما عون وحزب الله. إلا أن الرئيس المكلف يرفض، في الوقت نفسه، «المزايدات» من «صقور» يريدون منه الدخول في مواجهة انتحارية. وهو إلى الآن، يرفض فكرة الاعتذار أو الاستقالة من المجلس النيابي، لكنه كان شديد الوضوح في رسالة بعث بها إلى الرئيس حسان دياب بواسطة مستشار الأخير خضر طالب، ومفادها أنه لا يمكنه توسيع دائرة تصريف الأعمال وفق المنطق الذي يدعو إليه عون وحزب الله. وهذا ما يمهّد للاعتقاد السائد بأن الحريري أمام ساعات حاسمة، يقرر فيها إما عقد تسوية تقود إلى حل سريع أو إلى مواجهة لا يعرف أحد كيف ستكون البلاد معها.


منصّة سلامة

إلى ذلك، عاودت اللجنة الحكومية المعنيّة بملف الدعم اجتماعاتها للوصول إلى قرار حاسم في مسألة ترشيد الدعم. والأمر نفسه يتوقّع أن يناقش اليوم في اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان، الذي يلتئم خارج الموعد الأسبوعي، إلى جانب مسألة المنصة التي أعلن حاكم مصرف لبنان أنه سينشئها لتنظيم عمليات الصرافة. بالرغم من أنه ينظر إلى هذه الخطوة إيجابياً، إلا أن تأخيرها لأكثر من سنة سمح بأن يدفع الناس أثماناً باهظة لمكابرة رياض سلامة وإصراره على عدم تنظيم قطاع الصيرفة.

وبحسب مصادر مقرّبة من حاكم مصرف لبنان، فإن التحضيرات لإصدار القرار المتعلق بالمنصة ستنطلق هذا الأسبوع، زاعمة أن آلية العمل في المنصة الجديدة ستعطي دولاراً لكل من لديه مبرر للحصول عليه. وهو ما يسمح عملياً لكل التجار والمستوردين بالاستعانة بالمنصة، بعدما كانت منصة الـ ٣٩٠٠ ليرة محصورة بمستوردي المواد المدعومة. ورغم أن المنصة الجديدة ستستقطب نسبة كبيرة من الساعين إلى شراء الدولارات، إلا أن حصرها بالنظام المصرفي وبمن له حاجة فعلية إلى الدولار سيعني حكماً استمرار السوق السوداء لتلبية الطلب الإضافي على الدولار، وإن يتوقع أن يكون محدوداً وبأسعار لا تزيد كثيراً على سعر المنصة.



عون: لا مساومة على الثلث والدا خلية

نقولا ناصيف

في اجتماعهما المقرر اليوم، يُفترض أن يحمل الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية مسوّدة متكاملة بحكومته، فضلاً عن الخطوط العريضة لمهمتها. سوى ذلك، إذا تبادلا إدارة الظهر وتمسّك كل منهما بشروطه كحالهما الآن، فسيمرّ وقت طويل قبل الاجتماع التالي

في لقائهما الأخير، السابع عشر، الخميس الفائت (18 آذار)، ختم رئيس الجمهورية ميشال عون الحديث بالقول: «آمل أن ننتهي في المرة المقبلة». اقترح الرئيس المكلف سعد الحريري الموعد التالي بعد يومين، السبت، إلا أن عون مدّده الى الاثنين. ما لم تكن أمامهما اليوم، في الاجتماع الثامن عشر، المسوّدة المتكاملة، وزراء وحقائب وتوزيعها على المذاهب، بما يفصح عن الكتل والقوى التي اختارت بنفسها مرشحيها، كي يناقشاها ويتّفقا نهائياً عليها، لن تساوي زيارة الحريري قصر بعبدا أكثر من فنجان قهوة.

ما يبدو واضحاً في موقف عون ويقوله، قبل دخول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على خط سجال الرئيسين وبعده، أنه قدّم التنازلات القصوى لإنقاذ تأليف الحكومة، لكن من ضمن التزامه صلاحياته الدستورية: تخلّى عن تمثيل أكبر كتلة نيابية في البرلمان وأكبر كتلة مسيحية فيه هي كتلة التيار الوطني الحر، قَبِلَ بـ 18 وزيراً بعدما كان قد طالب برفع عدد الوزراء الى 20، لا يزال يتمسك بستة وزراء مسيحيين زائداً إليهم وزيراً أرمنياً. ما يقوله الرئيس: «الوضع الحاضر يجبرني على أن أسمّي أنا الوزراء المسيحيين لأن كتلهم الكبرى ــــ خلافاً لسائر الطوائف والكتل ــــ غائبة او مغيّبة عن الحكومة». وهو قال للرئيس المكلف سابقاً: «أنا أسمّي المسيحيين مثلما تسمّي أنت السنّة، والشيعة يسمّون وزراءهم، والدروز كذلك».

هنا يقوم أكثر من خلاف أساسي بين الرجلين:

1 - يتصرّف عون على أن الوزير الأرمني الوحيد في حكومة الـ 18 (والمقصود وزير حزب الطاشناق) مستقل. فالطاشناق سمّى الحريري رئيساً مكلفاً، فيما أحجمت كتلة التيار الوطني الحر عن تسميته. في المقابل، يعدّ الحريري الوزير الأرمني جزءاً لا يتجزأ من الكتلة تلك. الوزير المسيحي السابع، في حساب الرئيس المكلف، هو وزير الثلث + 1، فيما عند عون هو وزير حزب الطاشناق الذي يتخذ مواقفه وقراراته انسجاماً مع خياراته، ولم يكن دائماً في صلب اتجاهات كتلة النائب جبران باسيل، وإن كان حليفاً انتخابياً له. يُغضب عون أن الحريري يريد إعطاءه ستة مقاعد من ضمنها الوزير الأرمني، على أن يحتفظ بحقه هو في توزيع المقاعد المسيحية الثلاثة المتبقية: واحد له، واثنان يختار أحدهما النائب السابق سليمان فرنجية والآخر الحزب السوري القومي الاجتماعي، إضافة الى استئثاره بتسمية الوزراء السنّة الأربعة. ذلك يعني حصول الحريري على الثلث + 1 قبل حاجته الى التعويل على وزيرَي رئيس البرلمان نبيه برّي ووزير النائب السابق وليد جنبلاط.

2 - لدى رئيس الجمهورية ملف من الأوراق والقصاصات تحوي خيارات مختلفة لتوزيع الحقائب، سلّمه إياها الرئيس المكلف، كل منها تلغي سابقتها. في معظم الأوراق هذه، خانات بيض للحصة المفترض أنها لرئيس الجمهورية، بينما الأخرى ملأها الحريري بأسماء وزراء محتملين، من بينها أربعة أسماء شيعية: يوسف خليل وجهاد مرتضى على أنهما اختيار برّي، ومايا كنعان وإبراهيم شحرور على أن حزب الله سمّاهما. كلما سأل عون عن الأخيرين، أجابه الحريري بأن حزب الله طلبهما، وهو متفاهم معه. وعندما يراجع رئيس الجمهورية بعد المقابلة الحزب عن صحة تسميته الاسمين، يأتيه الجواب بالنفي. كذبتان لا واحدة: أولى لا علم لحزب الله بالاسمين، وثانية ليس هو مَن اختارهما ولم يسلّمه أي اسم. في المقابل، يقول الحريري إن برّي زوّده باسمَي مرشحَيه.

3 - يختلف الرئيسان على نحو جوهري على حقيبتَي الداخلية والعدل. كلاهما يريدهما لنفسه، والآخر يرفض. أما مقاربة الحقائب الأخرى فتبدو قليلة الأهمية.

في 16 تشرين الثاني 2020 حضر الحريري الى قصر بعبدا حاملاً الى عون حصة من ثلاث حقائب فقط، هي: الدفاع والداخلية والمهجرين، فرفضها الرئيس واعتبرها ناقصة. في 9 كانون الأول 2020 حمل إليه مجدداً لائحة مختلفة، فيها حقائب الدفاع والتربية والتعليم والشباب والرياضة ولا ذكر فيها للداخلية، فرفضها أيضاً. من بعد اللائحة تلك، قبل الوصول الى آخر اللوائح في 23 كانون الأول، صيغة جمعت حقائب الدفاع والطاقة والتربية والتعليم والبيئة والصناعة والثقافة. رفضها الرئيس أيضاً لخلوّها من حقيبتَي الداخلية والعدل. في 23 كانون الأول، تسلّم عون لائحة جديدة فيها الداخلية والطاقة والعدل والاتصالات والشؤون الاجتماعية والصناعة. لكن سرعان ما تخلّى عنها الرئيس المكلف وعاد الى المطالبة لنفسه بحقيبتَي الداخلية والعدل، بعدما كان رئيس الجمهورية قد اقترح عليه ثلاثة أسماء لحقيبة الداخلية: ضابطان متقاعدان هما: موريس سليم وجان فريحة، ومدني هو الأستاذ الجامعي عادل يمّين. غداة هذا الاجتماع، حضر الحريري الى قصر بعبدا حاملاً معه ملفاً، فيه صور ليمّين مع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر، ليقول إن مرشحه ليس اختصاصياً بل حزبي مكتوم.

عندما يُسأل رئيس الجمهورية عن كل هذا المآل من المسوّدات المقترحة المتراكمة فوق طاولة مكتبه، لا جواب قاطعاً عنده سوى تأكيده أن لا مساومة على حقيبة الداخلية، ولن يتنازل عن التمسك بها. لا يوصد الباب على مناقشة تتصل بحقيبة العدل، منفتح على التخلّي عن حقيبة الاتصالات. وهي حقائب حملها إليه الحريري بنفسه في مسوّدة 23 كانون الأول.

بيد أن عون يضيف: «لا أحد يفرض على رئيس الدولة التنازل عن المعايير الدستورية الحتمية لتأليف حكومة متوازنة. بحسب الدستور، أنا مؤتمن على بناء السلطة الإجرائية. أُجري الاستشارات النيابية الملزمة، أسمّي الرئيس المكلف، أشارك في التأليف من خلال مراجعتي الصيغة الحكومية المقترحة عليّ، أصدر مراسيمها، أقبل استقالة رئيس الحكومة وأوقّع إقالة الوزير».

عون: عندما تكون الداخلية والعدل والمدعي العام التمييزي لرئيس الحكومة فذلك يعني سيطرته على الأمن والقضاء

يكمن امتعاض عون في أن الحريري يمنع عن الكتلة المسيحيّة الكبرى في مجلس النواب ما يتبرّع به للكتلة الشيعية الكبرى والوحيدة المتمثلة في الثنائي الشيعي، إذ يمنحها ما تصرّ عليه وهي حقيبة المال، ويطلق يديها في اختيار وزرائها، وكذلك يفعل مع النائبين السابقين جنبلاط وفرنجية في تسميتهما وزيريهما. هذه المرة، بحسب ما يقول الرئيس، «ستكون حقيبة الداخلية عندنا. عندما تكون حقيبتا الداخلية والعدل عند رئيس الحكومة، أضف إليهما المدعي العام التمييزي، فذلك يعني وضع الأمن والقضاء في عهدته. يكبس على الزر ساعة يشاء ويُطفئه ساعة يشاء».

ما يقوله رئيس الجمهورية الآن، وأعاده على الرئيس المكلف مراراً، إن تأليف الحكومة «ليس شغلتي. اذهب الى رؤساء الكتل واحكِ معهم، ثم ائتِ إليّ بمسوّدة. أراجعها، أدقّق فيها، أناقشها وزيراً وزيراً ثم أوقّع أو لا». سوى ذلك، لا تبصر أيّ حكومة النور.

مع أن البعض يشيّع أن اجتماع اليوم قد يكون فرصة أخيرة، بيد أن الصواب أن ليس في لبنان فرصة أخيرة. بل دائمة مفتوحة على الأزمات والتسويات.


عون: لا أحد يفرض على رئيس الدولة التنازل عن المعايير الدستورية لتأليف حكومة متوازنة (دالاتي ونهرا)
عون: لا أحد يفرض على رئيس الدولة التنازل عن المعايير الدستورية لتأليف حكومة متوازنة (دالاتي ونهرا)


تعليقات: