متقاعدو «الأونروا» يشكون المصارف اللبنانية والوكالة: أين دولاراتنا؟


طاولت أزمة حجز الأموال في المصارف اللبنانية جميع المودعين، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان. من بين المتضررين كان المتقاعدون من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، الذين كانوا يعتقدون بأنهم سيتمكنون من النأي بأنفسهم ولو قليلاً عن ارتدادات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، لأن تعويض نهاية خدمتهم بالدولار. لكن من سوء حظّ هؤلاء المتقاعدين أن نهاية خدمتهم كانت في الفترة التي سبقت اختراع بدعة فتح حسابات الـ«فريش دولار».


750 متقاعداً لا يستفيدون من حسابات «الفريش»

بحسب تقديرات «الهيئة 302» للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، فإن هناك أكثر من 750 موظفاً متقاعداً من الوكالة في لبنان يعانون هذه الأزمة، علماً بأن «الأونروا» وبعد بدء أزمة سحب الأموال من البنوك بدأت بتحويل تعويضات المتقاعدين الجدد إلى البنوك كـ«فريش دولار»، وبناءً عليه يستطيع المتقاعد بعد هذا التاريخ الحصول على تعويضه كاملاً بالدولار.

وبعد محاولات عدة من قبل المتقاعدين للتواصل مع المعنيين في «الأونروا»، وتحديداً المفوّض العام فيليب لازاريني، والمدير العام للمالية في الأردن شادي العبد، ومدير الوكالة في لبنان كلاوديو كوردوني، كان هناك تأكيد من الأخير بأن حجز الأموال غير شرعي، وأن «الأونروا» تتابع هذا الملف، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن العملية معقدة وصعبة ويعاني منها الجميع. هذا الجواب كان أواخر عام 2019، بعد ذلك، أصبحت ردود الوكالة عبارة عن مماطلات وأعذار تتمحور حول السفر وظروف أزمة «كورونا» وما إلى ذلك.

يوضح مؤسس مجموعة متقاعدي «الأونروا» في لبنان، عمر سبيت، لـ«الأخبار»، أن «البنوك اللبنانية ترفض تسليمهم المبالغ إلا بالعملة اللبنانية بسعر صرف المنصة وهو 3900 وبمبلغ لا يتجاوز 500 دولار شهرياً (علماً بأن الدولار الآن تجاوز الـ 14 ألفاً في السوق السوداء). ويضيف: «بعد 40 عاماً من العمل، يعتمد المتقاعد على هذه الأموال للعيش مع عدم وجود أي مدخرات أو مدخول آخر لديه». وينبّه سبيت إلى تأثيرات حجز أموال المتقاعدين: «العديد منهم لا يستطيعون دفع أقساط الجامعات لأولادهم وإيجارات منازلهم، إضافة إلى دفع تأميناتهم الصحية والتي تبلغ قرابة 1500 دولار سنوياً وهم يعانون من أمراض مزمنة ومتعددة وأعمارهم جميعاً فوق الـ 60 عاماً».


«لا أستطيع دفع أقساط أولادي»

تروي إحدى الموظفات المتقاعدات من الوكالة، رفضت الإفصاح عن اسمها خوفاً من أي إجراء قانوني ضدّها، معاناتها بألم: «بعد تعب 42 سنة خدمة، أنا اليوم بدون مال». كانت تقبض الأموال «عبر شيك من بنك لبناني حيث فرض علينا فتح حسابات هناك»، ويوم التقاعد «ذهبتُ لفتح الحساب، استقبلنا مدير البنك وبدأ بتقديم اقتراحات لاستثمار أموال تقاعدنا، منها شراء سندات خزينة... لا علم لي بالأمر، لكنه أقنعني ووافقت. لم أعرف المدة الزمنية وما هي الاستحقاقات المفروضة عليهم». وتتابع: «أخبرني أنني في حال أردت شراء عقار أو سحب أموال، فهم يأخذون من حسابي على أن يخصموا نسبة بسيطة». بعد هذه الإغراءات، بدأت تستفيد كل 6 أشهر من بعض الأرباح، «لكن مع الأزمة الحاصلة لم نعد نستطيع سحب أي شيء، ولا أرباح، ولا أعرف ماذا أفعل بسندات خزينة». وحين حاولت التواصل مع البنك: «أخبروني بأن لا علاقة لهم بما يجري، ولا يستطيعون فعل شيء لنا... وأخبروني بأن سندات الخزينة هي لغاية 2030 وستحتجز لغاية 9 سنوات».

أمّا أبو محمد، الذي اكتفى بالإفصاح عن كنيته، فكان يعيش كأيّ موظف «كل يوم بيومه. أصرف راتبي من دون ادّخار شيء منه. حين أودعت الأونروا مستحقات تقاعدي، تركتها في البنك حتى أستطيع تعليم أبنائي ولأدفع أقساطهم الجامعية». ويضيف: «مع بداية الأزمة، احتجزت الأموال. واليوم لا أستطيع دفع أقساط أولادي، إضافة إلى تأمين تكاليف الحياة التي أحاول تغطيتها من خلال سحب المبلغ المسموح به من البنك على سعر المنصة بخسارة تتجاوز الـ 70% بعدما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء». هذا الواقع أجبر أبا محمد على استدانة المال من أحد أصدقائه، ما مكّنه من تسديد الدفعة الأولى من أقساط أولاده. لكن «لا أعلم ما الذي سأفعله في الفصل الثاني»، يقول، وبنظرة حائرة يضيف متسائلاً: «مين بدو يدينّي؟ الناس كلها أوضاعها تعبانة وأنا أصلاً ما بعرف كيف راح رجّع المصاري إذا البنك ضلّ حاجز على التعويضات».


الحلول ومسؤولية الوكالة

بعد نقاش مع عدد من مديري البنوك، يقترح المتقاعدون حلاً لمشكلتهم، يتمثّل في تحويل وإعادة الودائع إلى حساب «الأونروا» الرسمي عبر شيك مصرفي، على أن تقوم الوكالة بصرفه إمّا من خلال شراء معدات طبية وتعليمية، تقدّر قيمتها بملايين الدولارات، على أن تعيد إيداع تعويضات المتقاعدين كـ«دولارات طازجة» أسوة بالمتقاعدين الجدد.

يرى الكاتب المتخصص بالشأن الفلسطيني عارف أبو خليل، أن «على الوكالة الدولية التدخّل فوراً، فهي التي تتحمّل المسؤولية بسبب قانونها الذي يقضي بتحويل الأموال بشكل تلقائي عبر البنوك، ما يعني عدم وجود خيار آخر للموظفين»، مذكّراً بالولاية القانونية المباشرة التي تحظى بها الوكالة على اللاجئين «بالتوازي مع عملها الإغاثي والتشغيلي حسب القرار 302 سنة 1947 وامتلاكها دائرة قانونية فيها موارد بشرية كبيرة تمكّنها من إيجاد حل للمشكلة». إذ تعتبر أموال منظمات الأمم المتحدة «خارج القيود»، بمعنى لا ينطبق عليها ما ينطبق على مؤسسات أخرى، فموظفوها «يتسلّمون رواتبهم بالدولار، والمتقاعدون منها أو من يضطر إلى ترك عمله فيها يحصل على تعويضه بالدولار، وبالتالي لا مبرر للبنوك لعدم صرف هذه المستحقات»، وفقاً لأبي خليل.

في الماضي، كانت وظيفة في «الأونروا» مطمعاً كبيراً للاجئين، ولا سيما أن القوانين اللبنانية تمنع الفلسطينيين من العمل في معظم المهن الحرّة، لكن الآن أصبحت الوكالة الدولية بشخصها المعنوي غير مضمونة الاستمرارية. وما زاد الطين بلة، أزمة المصارف التي أثّرت سلباً على متقاعدي الوكالة وعائلاتهم.


تعليقات: