«كوخ البلد» حلم مهندس ممنوع من العمل


«لو أعطوني ملايين الدولارات لن أتخلى عنه». لا تفاجئ إجابة المهندس الفلسطيني مصطفى خليفة أحداً. كوخه، الذي بناه من الصفر، مصدر رزقه. بالنسبة له، هو أشبه بشجرة الزيتون التي احتضنتها مسنّة فلسطينية في تلك الصورة الأيقونية فيما كان جيش الاحتلال يحاول اقتلاعها.

ابن مخيم عين الحلوة الذي عمل وهو طالبٌ في الحدادة والنجارة والكهرباء وتصميم طاولات البلياردو، باءت محاولاته لإيجاد فرصة عمل بشهادة الهندسة التي يحملها، بالفشل. واصطدم بعبارة لم يستطِع فكَّ شيفرتها: «منعتذر حضرتك فلسطيني».

أدرك خليفة أن جنسيته ستقف عائقاً أمام عمله، وأن شهادته لن تنفعه في سوق العمل اللبناني. عاد إلى البيت وبحث بين خرائطه الجامعية عن ورقة شكّلت حلماً أراد تحقيقه يوماً ما. التقطها، فأعاد تنقيحها، ثم أعاد دراسة المشروع الذي حلم به ووضعه على طاولة التنفيذ.

كان الحلم «كوخاً». ساعدته دراسته وسنوات عمله والمساعدة التي قدمها أصدقاؤه على تطبيق فكرته من دون أيّ كلف مادية. انتهى العمل في «كوخ البلد»، ومن ثم استأجر خليفة عدة «الشغل»؛ برادات بوظة وآلة لصنع القهوة.

يقف المهندس أمام كوخه، بألوانه الفاقعة وشكله القروي، الذي جعله نقطة جذب واهتمام للمارين، في حي الزيب في مخيم عين الحلوة.

يقول خليفة لـ«الأخبار»، إن «اختيار المكان جاء بعد دراسة لأنه يتوسّط أحد مواقف السيارات، وكلّ مَن يدخل لركن سيارته لا بدّ أن يخرج مِن باب المشاة ويشرب فنجان القهوة». ويضيف: «نسبة كبيرة من أبناء المخيم تمر بجانب الكوخ ليلاً ونهاراً بسبب موقعه الرابط بين المخيم وخارجه».

يشرح خليفة إنه استوحى الفكرة من الـ«food truck» التي انتشرت في صيدا. أراد تطبيقها في «عاصمة الشتات»، في محاولة منه لكسر الصورة السلبية عن المخيم، ومحو ما رسخ في أذهان البعض على أنه بؤرة إرهاب. يؤكد أنه «من رحم المعاناة يولد الإبداع».

بات كوخ البلد لكل أبناء المخيم، لأطفال يخبّئون مصروفهم المدرسي لشراء البليلة (فول وحمص وحامض مع رشة كمون)، ولعشاق مشاهدة كرة القدم ومحبي الألعاب الترفيهية المجانية مثل الشطرنج وطاولة الزهر والورق.

بدل أن يمضي الشاب وقته في أحد المقاهي خارج المخيم ليلاً، يستطيع قضاءه في الداخل بين أصدقائه. يمكنهم أن يمزحوا ويفضفضوا عن همومهم حتى لو اكتفوا بطلب فنجان قهوة بـ 500 ليرة، يكفيهم أن يستمعوا أحياناً إلى حديث مَن يكبرهم في السن عن جمال فلسطين ومرارة لجوئهم، يقول مصطفى.





تعليقات: