نهاية الـ1500 ليرة: تحرير سعر صرف الدولار قريباً؟

يعود تاريخ ربط العملة بنحو 1500 ليرة للدولار إلى عام 1997 (مصطفى جمال الدين)
يعود تاريخ ربط العملة بنحو 1500 ليرة للدولار إلى عام 1997 (مصطفى جمال الدين)


سلط تقرير صادر عن صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الضوء من جديد، على ما يمكن تسميته ثلاثية القيود التي تحكم الاقتصاد اللبناني: الفقر والمجاعة، الاضطرابات الاجتماعية، إضافة إلى انهيار قيمة العملة وانعكاساتها.

التقرير الذي تناول شهادات حية من سكان مدينتي طرابس وبيروت، عارضاً ظروفهم الاجتماعية، من خلال مقاربة قدراتهم المعيشية في ظل انهيار أسعار العملة مع الوضع المتدهور منذ عامين، يشير إلى أن اللبنانيين باتوا أقرب اليوم من حافة المجاعة، مع انهيار أسعار الصرف، وارتفاع الأسعار، وعدم قدرة العاملين على تأمين المستلزمات الأساسية. وحسب التقرير، تحدث صاحب مقهى شعبي في مدينة طرابلس عن صعوبة تأمين المستلزمات الرئيسية لعائلته. يروى للصحيفة "أنه يعمل طوال اليوم، لبيع ما بين 70 إلى 80 فنجاناً من القهوة، بمبلغ يصل إلى 20 ألف ليرة، ما يوازي نحو دولارين ونصف تقريباً، بعد انهيار قيمة العملة بأكثر من 80 في المئة، ويسأل كيف يمكن لدولارين يومياً من إطعام عائلتي؟".

في السابق، كان صاحب المقهى وغيره من اللبنانيين، يستطيعون العيش بمبلغ 20 الف ليرة يومياً، ما يوازي 13 دولاراً. لكن اليوم، في ظل غياب معظم السلع، وارتفاع الأسعار، لم يعد هذا المبلغ كافياً لشراء أي منتج.

غياب السعر الموحد

انهيار العملة في لبنان في ظل غياب سعر موحد، وتعدد أسعار الصرف ما بين الرسمي، والمصرفي، والمنصة الإلكترونية، إضافة إلى سعر السوق السوداء، يفتح المجال واسعاً أمام إعادة النقاش عن مدى قرب تحرير سعر الصرف وجدواه. فهل يمكن في ظل هذه الظروف أن نتجه فعلاً إلى تحرير سعر الصرف؟ وكيف يمكن أن تؤثر هذه السياسة على الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان؟

يؤكد الخبير المالي والاقتصادي نسيب غبريل في حديث لـ"المدن"، أن مجرد فتح النقاش عن تحرير سعر الصرف في هذا التوقيت بالذات، "يعد أمراً كارثياً، ويفتح المجال أمام انهيار أكبر لما هو حاصل اليوم. فالأوضاع المعيشية باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام، مع فقدان العديد من اللبنانيين وظائفهم، وتآكل قيمة الرواتب. لذا، فإن مجرد تحرير سعر الصرف، سيؤدي إلى حصول فوضى اجتماعية، وكارثة حقيقية، لا تطال الاقتصاد وحسب، بل المنظومة الاجتماعية ككل". وعلى الرغم من رفضه هذا التوجه في الوقت الحالي إلا أن غبريل، لا ينفي اعتماد هذا السيناريو، لابل حتى حتميته في المستقبل.

يقول غبريل "إحدى أبرز شروط صندوق النقد الدولي، هو الوصول إلى تحرير سعر الصرف، مع وضع ضوابط. إذ لا يمكن الوصول إلى هذا الشرط، قبل المرور بخطة اقتصادية -نقدية متكاملة، ومن ثم تكوين احتياطات مالية في البنك المركزي، على أن يتبعها بعد ذلك، الاتجاه نحو تحرير سعر الصرف برقابة المصرف المركزي". ويؤكد غبريل أن ترك سعر الليرة من دون ضوابط وتدخل من المركزي، لن يؤدي الى تحقيق الغاية من التحرير.

دائرة التخبط

يتفق رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد، مع غبريل في جزئية ضرورة وضع خطة اقتصادية متكاملة. لكنه يرى أن العبرة ليس في وضع الخطط، بل في تنفيذها. يقول لـ"المدن": الحديث عن خطط أو علاجات جزئية للأزمة المالية في لبنان، لن تكون أكثر من مجرد حلول مؤقته وحتى يمكن أن يكون لها نتائج عكسية، لذا، يسعى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى عقد سلسلة من اللقاءات والحوارات، لوضع خطة محكمة للنهوض من الأزمة، بالاشتراك مع جميع القوى الفاعلة، من قطاع عام وخاص، وإلا فإن الاستمرار بالعقلية السائدة، واعتماد سياسة الهروب الى الأمام، ستبقي لبنان في دائرة التخبط".

العودة إلى الوراء

حسب الخبير المصرفي نسيب غبريل، فإن لبنان دخل مرحلة جديدة في سعر الصرف، ولا ينفع معها العودة الى السعر القديم للدولار (1500 ليرة). ووفق غبريل: "القدرة الشرائية، وارتفاع الأسعار، وشح الدولار، عوامل فرضت واقعاً جديداً في لبنان. وحتى مع إمكانية إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أو الجهات المانحة بعد تشكيل الحكومة، فإن الوضع المالي والاقتصادي، وخصوصاً فيما يتعلق بالليرة اللبنانية، لن يعود كالسابق، لأن هذه العوامل فرضت واقعاُ على الجميع التأقلم، والتعايش معه".

وبالعودة إلى تقرير فايننشال تايمز، فإن أزمة العملة في البلاد، أدت إلى انهيار المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً وأن أسعار التضخم شهدت ارتفاعاً يناهز 200 في المئة، فبين كانون الأول 2019 وكانون الأول 2020، ارتفع متوسط أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 402 في المئة، وفقًا للإدارة المركزية للإحصاء.

ويعود تاريخ ربط العملة بنحو 1500 ليرة للدولار إلى عام 1997. ودافع البنك المركزي بصرامة عن هذا الربط للحفاظ على القوة الشرائية اللبنانية، والحفاظ على انخفاض سعر الواردات، في بلد يعتمد بشكل كبير على السلع التي يتم استيرادها من الخارج، بما في ذلك 80 في المئة من الاحتياجات الغذائية. ولكن مع بدء تجفيف السيولة الدولارية للبنوك في منتصف عام 2019، بدأ ربط العملة بالدولار في الانزلاق. في حين أن السعر الرسمي لا يزال قائماً، لا يمكن لأحد سوى عدد قليل من المستوردين الأساسيين الحصول عليه، فيما وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 9500 ليرة.

تعليقات: