اليونيفيل تُحقّق بإغتيال لقمان سليم؟


إستبطنَ كلام أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله الأخير تحذيرات "سياسية" من مغبّة الدعوات إلى طرح "التدويل"، من خلفية الكلام حول مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة وما شاكل. طبعاً، لم يكن السيّد في صدد تهديد أحد ما، على عكس ما دأبت على إشاعته "جوقة الشتم والإتهام" منذ أن دخل التصريح المعجم السياسي، بل حضر الكلام في معرض الإنتباه والإتعاظ والتذكير بتجارب الماضي، ولأن في الداخل، من يسعى إلى تمرير هذه الأجندة وتكرارها، بخلاف الأسباب والظروف والحجج، ولاحقاً الأثمان والنتائج.

ورغم ذاك وذلك وتلك، بقيَ المتربّصون على نظرتهم التي تختصر اتهاماً للسيّد بأنه "يُهدّد بكركي"، وفي خلفية الإتهام مسعىً لزيادة منسوب تحريض المسيحيين تجاه الحزب، خصوصاً بعد تفجير المرفأ. وفي مقبل الأيام، سنشهد تعزيزاً لهذه الرواية من زاوية ما يُتوقّع أن تشهده بكركي من زيارات واستقبالات، وفي أثناء ذلك تجري الإستعدادات لـ"زَحف جماهيري ـ سياسي" إلى الصرح تحت عنوان عريض: "دعم مواقف بكركي"، بعدما اعتقد هؤلاء أنهم استثمروا في مجال القضية حتى أصبحت ناضجة وتصلح للإستخدام.

عملياً، نحن أمام حالة من الإستخدام السياسي غير البريء لكلام ورد في معرض إبداء الرأي والدعوة لتحمّل المسؤولية التاريخية، فحوّر لكي يصوّر على شكل هجوم يبرّر تحويل الردّ إلى أداة هجومية تجاه فئة ما، وتخرج من ذيول الحملة روائح طبّعت طائفياً، لا تقف خلفها بكركي، بل من يتربّص بالصرحين (بكركي والحارة) شراً، وهؤلاء نخبة تتوزع ما بين متملّقين ومتزلّفين ومنسيين سياسياً، ومتسلّقين "زحفطَونيين"، أرادوا من وراء إختراع المشهدية، "دقّ اسفين" في علاقة يشوبها الحذر عادةً.

لندع كل ذلك جانباً. من الملاحظ، أن الكلام حول التدويل ـ ومن بينه ما اخترعه نائب أثار الخشية من وضع لبنان تحت البند السابع ـ قد ارتفعَ بعيد اغتيال الناشط السياسي المعادي ل"حزب الله" لقمان سليم في الجنوب، ولكم هو ملفت اختيار التوقيت والمكان الجغرافي للعملية، وكأننا أمام مشهدية أعدت عبر سيناريو دقيق وإخراج مثالي، وهو ما أتاح للحزب قراءة المشهد من أكثر من زاوية تبعاً للظروف التي أحاطت بما جرى، ومنح لخصومه فرصةً لبناء فرضياتهم وفق ما شاهدوه على المسرح. وهنا، لا يمكن عزل كلام السيّد، عن المحاولات الجارية لتدويل التحقيق أو إلقاء الإتهام على حزبه، فكلامه حمّال أوجه، لا يتصل بجانب الإعتراض على دعوة التدويل من خلفية أسباب سياسية فحسب، بل من مقام التجربة ونتائجها بعدما جرّبت في أوقات سياسية لبنانية مختلفة.

بعيد حصول الإغتيال، ثمة من مرّر تلميحاً مقصوداً وغير بريء إلى أن العملية قد حصلت في منطقة عمل قوات "اليونيفيل" شمال نهر الليطاني، وقد أرادَ الإيحاء أن الجريمة وقعت ضمن نطاق منطقة القرار 1701. وذلك يعني أن ثمة من يريد تحميل المسؤولية إلى قوات "اليونيفيل" وخلفها للأمم المتحدة، مسؤولية أخلاقية طبعاً، لدفعها صوب اتخاذ قرارات ما، أو بالحد الأدنى إلزامها بالمسؤولية عن إجراء تحقيق ولو مستقل، بحكم بنود القرار "سيء الذكر" طبعاً.

فثمة وظيفة لليونيفيل منصوص عنها، تكمن في حماية المواطنين من الخطف والإعتداء، ومن غير المعلوم لماذا أُدرج هذا البند في قرار مهمته الأصلية "الفصل عسكرياً" بين جهتين متحاربتين. وأيضاً، يحفظ القرار للقوات متعدّدة الجنسيات المشاركة في حفظ أمن المنطقة. ولذا، ثمة من اعتبر أن الأفق مفتوح في سبيل الضغط لاستجداء خدمات تحقيق دولي، أو أقله مسؤولية دولية تجاه ما حدث.

أكثر من ذلك، وحين يبدو أن الدفع نحو تحقيق دولي معرّض للفشل الصريح لأكثر من سبب وسبب، من جملته غياب الموقف الواضح من السفراء الأجانب المفترض أنهم يدعمون تحقيقات مماثلة أو أنهم أعضاء في مجلس الأمن، هناك من يدفع صوب توريط قوات "اليونيفيل" في القضية على نحوٍ أوسع، من خلال دفعها مثلاً تجاه الشروع بتحقيق حول كيفية وأسلوب وطريقة الخطف في منطقة عملها، وذلك يأتي معزولاً عن التحقيق مثلاً في مسألة القتل الموجودة على طاولة القضاء اللبناني، وهذا يأتي في ظل التضارب في المعطيات بين الجزم في أن القتل قد حصل داخل منطقة شمال الليطاني أو جنوبها، وهذا ليس تفصيلاً بل أمراً قد يحدث فرقاً.

من الممكن الإستنتاج أن ما قصده السيد نصرالله، أعمق من تدويل المسألة السياسية، إن كان على مستوى تأليف الحكومة او التحقيقات بتفجير المرفأ أو التدقيق الجنائي أو غير ذلك، بل يُحتمل أن يصل إلى موضوع التحذير من إقحام "اليونيفيل" في التحقيق، في ضوء ما يمتلكه الحزب من معلومات ومعطيات، وفي ضوء الحراك الدائرة على أكثر من صعيد، والذي يعتقد أنه سيخرج إلى النور مع اختمار المطلب، وما نشهده لدى الصروح الدينية، لا ينمّ فقط عن نية في تأمين دعم سياسي لموقف منتظر، إنما تعزيزاً لتكريس شرعية لطرح يُعمل عليه ويجري تسويقه وتنتظر ساعة جني الأرباح بفارغ الصبر.

ثمة عدم وضوح في الموقف من جانب قيادة "اليونيفيل". حتى الآن لا يُعلم ما إذا كانت قد افتتحت محضر تحقيق داخلي ومن خارج الإعلام بما جرى أم لا، ثم إن موقفها من إمكانية مشاركتها في أي تحقيق على صلة بالجريمة، ومن أي نوع كان، ما زال مبهماً، سيّما وأنها تتعمد أسلوب الإبتعاد عن الدخول في أي تعليق حول الحادثة، إعلامياً أو غيره.

تعليقات: