الموازنة تصوِّب على موظفي القطاع العام


تتعرّض الموازنة في هذه الحقبة للتشريح من قِبل اكثر من جهة وفريق. ولعلّ البارز فيها ما يتعلق بموظفي القطاع العام، ففي حين اعتبر البعض انّ البنود التي تتناول هذا الملف تتوخى الإصلاح، رأى آخرون انّها مجرد انتهاك لحقوق مكتسبة لا يمكن المسّ بها قبل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

عندما كان إصلاح القطاع العام ضرورياً وملحّاً ومطلباً رئيسياً للمجتمع الدولي منذ سنوات لتفادي وقوع الأزمة المالية الحالية، وعندما كان تقليص حجم القطاع العام وكلفة الرواتب والاجور وملحقاتها العامل الاساس لخفض نفقات الدولة، وبالتالي جزءاً كبيراً من عجزها المالي، لم تبادر أي من الحكومات الى اقرار موازنة تراعي هذا الإصلاح الاساسي، بل استمرّ التوظيف العشوائي في القطاع العام خلافاً للقانون، واستمرّ قبول طلبات التقاعد وصرف تعويضات نهاية الخدمة، وذلك قبل ان تشهد العملة المحلية انهياراً في سعر صرفها.

اليوم، بعد ان تحوّلت الكلفة الفعلية للإنفاق على موظفي القطاع العام من حوالى 5 مليارات دولار (وفقاً لسعر الصرف الرسمي) الى أقلّ من مليار دولار وفقاً لسعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء، هل تُعتبر البنود المتعلّقة بموظفي القطاع العام والواردة في مشروع الموازنة العامة لسنة 2021، إصلاحاً فعلياً أم لزوم ما لا يلزم؟

بدأت الاعتراضات تتوالى على مشروع الموازنة، خصوصاً المواد 98 و103 و105 و106 و107 منها، وانطلقت الدعوات للإضرابات، بعد ان اعتبر موظفو الادارة العامة انّ السلطة الحاكمة تعمل على سلب حقوق الموظفين والمتقاعدين. حيث تضمنت هذه المواد:

- عدم وجوب التعويض العائلي عند استفادة أفراد عائلة الموظف او المتقاعد المتوفي من حصتهم من معاش مورثهم التقاعدي.

- يستفيد موظفو الفئة الثالثة في الادارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات واساتذة التعليم الثانوي والجهات العسكرية من فئة نقيب وما دون من خدمات الاستشفاء على اساس الدرجة الثانية في المستشفيات الحكومية.

- يستفيد الموظفون الذين يباشرون عملهم بعد تاريخ نفاذ هذا القانون، عند انتهاء خدماتهم، من تعويضات الصرف من الخدمة وفقاً لأنظمة الضمان الاجتماعي.

- يُعتبر قابلاً للانتقال المعاش التقاعدي او تعويض الصرف او المخصصات والتعويضات، ويشترط لاستفادة افراد عائلة الموظف او المتقاعد او القائم بخدمة عامة، ان لا يحققوا اي دخل لحسابهم الخاص، مسقط للحق له طابع الاستمرار، أياً كان نوعه او مصدره، باستثناء الاولاد ما دون سن 18، ويوقف صرف كافة الحقوق القابلة للانتقال المخالفة لهذه الشروط بتاريخ نفاذ هذا القانون.

- يسقط الحق القابل للانتقال عن الزوج او الزوجة في حال زواجه مجدّداً بعد وفاة مورثته. كما يسقط هذا الحق عن الزوجة التي تزوجت بعد وفاة مورثها وأُعيدت الى خانته بعد طلاقها او ترملها.

- تخفيض تدريجي لعدد العمداء في الجيش، بحيث لا يتجاوز 120 عميداً.

الإتحاد.. ملاحظات واعتراضات

في هذا الاطار، اعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، انّ الاتحاد يعدّ تقريراً مفصّلاً حول ملاحظاته على مشروع موازنة 2021، مشيراً لـ»الجمهورية»، الى انّ البنود التي تطال موظفي القطاع العام لا تُعتبر اصلاحية بل هي مسّ بالحقوق المكتسبة مقابل منح اعفاءات كثيرة للهيئات الاقتصادية التي جنت الثروات في السنوات الماضية. وسأل: «هل الاصلاح يبدأ فقط من القطاع العام؟ أليس الأجدى ان يبدأ الاصلاح بإعادة الاموال المنهوبة او بتفعيل التحقيق الجنائي؟».

واشار الى انّ الاتحاد العمالي العام لديه ملاحظات حول البنود المتعلقة باستشفاء موظفي القطاع العام والتعويضات، التي اعتبر انّها تستوجب عقد حوار مع المسؤولين في القطاع العام قبل البتّ بها. لافتاً الى انّ تعديل نظام تعويضات الصرف من الخدمة للموظفين الجدد ليتبع أنظمة الضمان الاجتماعي، سيؤدي الى فقدان التعويض حوالى 50 في المئة من قيمته، لأنّ طريقة احتساب التعويض في الضمان الاجتماعي تختلف عن طريقة احتسابها في نظام التعاونية على سبيل المثال.

اضاف: «نحن من الجهات التي تدعم توحيد الصناديق الضامنة وتوحيد الأنظمة التقاعدية، وتوحيد أنظمة الاستشفاء والطبابة في لبنان، إلاّ انّ هذا الامر يحتاج الى حوار مسبق بين الاطراف المعنيّة» .

واعتبر الاسمر، انّ تلك البنود الواردة اعلاه ليست هي العوامل التي تهيّئ للإصلاح «رغم انفتاحنا الكامل على الحوار من اجل بنود اصلاحية تطال القطاع العام والهيئة التعليمية وتوزيع فائض الموظفين على الادارات الرسمية..».

وفيما شدّد على عدم تحميل القطاع العام وزر الانهيار الحاصل، قال: «لم نر في مشروع الموازنة سوى ضريبة «التضامن الوطني» وهي الضريبة الوحيدة التي تطال الاغنياء، عدا عن ذلك، كافة بنود الموازنة هي اعفاءات بإعفاءات»، لافتاً الى انّ الاتحاد العمالي يتفهم اعفاء بعض القطاعات الاقتصادية، كالصناعة، من الضرائب والرسوم وغيرها في فترات التضخم. ورأى الاسمر انّ الضريبة على الحسابات المصرفية لن تفي بالغرض منها، لأنّ ودائع الفئة المستهدفة تمّ تحويلها الى خارج البلاد او تمّ شراء العقارات بها.

* رنى سعرتي (اجازة في الاعمال الدولية والديبلوماسية واعلامية ومذيعة في مجال الصحافة الاقتصادية في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب)

تعليقات: