الجريمة تسابق الكورونا وتستبيح البلاد والعباد!


لا يقتصر الإنفلات الذي يعيشه اللبنانيون على الوضع الصحي نتيجة إنتشار جائحة كورونا، أو الوضع السياسي والاقتصادي بسبب تعنت الطبقة السياسية وإصرارها على وضع مصالحها الشخصية فوق كل إعتبار ولو أدى ذلك إلى إنهيار إقتصادي كامل وعلى كل الاصعدة، بل أيضا على الصعيد الامني الذي يزداد خطورة ودلالة على أن بلاد الارز وساكنيها يعيشون ما ذكره إبن خلدون في مقدمته عن أسباب إنهيار الدول بأن “الترف والفساد هما السبب الاول والابرز في سقوط الدول عن طريق النخبة الحاكمة التي ترفل في النعيم ناسية آلام شعبها”.

هذا التوصيف ينطبق على حالة لبنان التي تُعتبر المحاصصة والطائفية هي “الفيروس الاول” الذي سيتسبب بموته وُيضاف إليه تراكم الازمات التي لها علاقة بالفساد المستشري والإنهيار المادي والاقتصادي الذي أدى إلى الآن إلى عوز وحاجة شريحة واسعة من اللبنانيين، وخروج اللصوص والقتلة من جحورهم بالرغم من حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ آذار العام 2020، ليعيثوا سرقة ونهبا وإحتيالا وقتلا وعنفا في كافة المناطق ، غير عابئين بالطوق الامني المضروب لإجبار المواطنين على التقيد بحالة الاقفال العام التي تعيشها البلاد بسبب إرتفاع حالات الاصابة بفيروس كورونا، بل نجدهم يتفننون في إختراع الاساليب التي تمكنهم من الايقاع بضحاياهم .

كل الاحصاءات والارقام الصادرة عن قوى الامن الداخلي تشير إلى إرتفاع معدل الجريمة في لبنان منذ إندلاع الازمة الاقتصادية والسياسية في البلاد ( أواخر العام 2019)، لكن القاء نظرة على الجرائم التي حصلت في شهر كانون الثاني الحالي والذي لم ينقض إلى الآن، يتبين أن قوى الامن الداخلي أعلنت في 15 كانون الثاني الحالي عن توقيف عصابتين، الاولى في طرابلس أبطالها شابين يوهمان الضحايا برغبتهما بشراء دولارات بأسعار عالية، لكن المبالغ التي يدفعونها لزبائنهم بالليرة اللبنانية هي مزورة، والعصابة الثانية موجودة في منطقة الحمرا و مسرح عملياتهم هي المواقع الالكترونية التي تبيع on line بحيث يوهمون ضحاياهم برغبتهم بشراء البضاعة على أن يكون التسليم قرب مستشفى الجامعة الاميركية وحين يتسلمون البضاعة يفرون إلى جهة مجهولة، كما أن هذه العصابة لم تتوان عن النصب على محال المأكولات( 40 طلب) إذ يتم طلب الديليفري منهم (بإسم اطباء يملكون عيادات في مركز طبي في الحمرا ) وحين يستلمون الوجبات يفرون إلى جهة مجهولة وعلى الطبيب الذي تم الطلب بإسمه دفع الحساب.


الكثافة في عمليات السلب والقتل من المرجح أن تتفاقم في ظل إنسداد أفق الحلول السياسية

من العينات الاخرى لإرتفاع عدد الجرائم في لبنان هو إعلان قيادة الجيش في 8 من الشهر الحالي عن توقيف مواطنين لبناني وسوري في منطقة الطيونة كانا يروجان المخدرات في جونية ومنطقة سليم سلام ، وفي 7 من هذا الشهر أيضا قُتل جندي في الجيش في منطقة الفرزل ( بلباس مدني) بعد محاولة سلب تعرض لها بعد خروجه من أحد محال الصيرفة، وفي 6 كانون ثاني تعرضت مواطنة لعملية سلب 10 آلاف دولار على يد سائق في منطقة الدورة ، وفي اليوم نفسه سجل مقتل شقيقين من آل جعفر في منطقة جرود الهرمل على يد عصابة إقتحمت منزلهما بهدف السرقة، وفي 5 كانون قتل مواطن في عكار على يد سارقين سلبوه 15 مليون ليرة ، ومنذ يومين تمّ توقيف الرأس المدبر لعصابة تستبيح مناطق الضاحية الجنوبية وطريق صيدا القديمة بعمليات سلب للمواطنين بقوة السلاح وفي وضح النهار.

هذه الكثافة في عمليات السلب والقتل من المرجح أن تتفاقم في ظل إنسداد أفق الحلول السياسية وتنفيذ الاصلاحات الإدارية وعدم وقف الهدر والفساد، لذلك يصير السؤال مشروعا ألا يمكن للقوى الامنية أن تقوم بعمليات إستباقية لمنع حصول هذه الجرائم و أن تعلن حالة طوارئ أمنية، على غرار ما تفعل لمنع تفشي فيروس كورونا بصورة أكبر(تتولى البلديات هذه المهمات لتتفرغ القوى الامنية لتطويق المجرمين واللصوص)؟

يجيب قائد عملية فجر الجرود العميد فادي داوود “جنوبية” على هذا السؤال بالقول:”الجيش هو المعني الأساسي بأي حالة خطر تتهدد البلاد، واذا كان المسوغ القانوني موجود فيمكن لأصحاب القرار اللجوء إلى القدرات الأكثر فعالية – مقارنة مع اي مؤسسة أخرى- وهذا ما تتميز به مؤسسة الجيش”.

ويلفت إلى أنه “في ما يتعلق بتطبيق حظر التجول، فهذا الامر هو من مسؤولية وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية وقوى الامن الداخلي، إنما لا شيء يمنع هذه القوى من طلب المؤازرة من الجيش او الإستعانة بالقدرات والوسائل العسكرية، وهذا الأمر ينص عليه المرسوم الاشتراعي رقم ١٠٢ أي قانون الدفاع ويرعى تفاصيله التنفيذية”.


العميد داوود: زيادة معدلات الجريمة يستدعي تكثيف العمل الأمني

يضيف:” أعتقد أن على الوزارات المعنية بفيروس كورونا أن تقوم بمسؤولياتها تجاه المواطن وان تطلب مساعدة الجيش في حال كانت إمكاناتها لا تكفي، لا أن تُقفل هذه الوزارات وتُلقي بالمهمة على المؤسسة العسكرية التي هي ليست صاحبة الاختصاص”.

ويرجع داوود “سبب إرتفاع معدل الجرائم والاخلال بالامن في لبنان إلى أمرين، الاول هو عند تعاظم مهمات القوى الامنية وتوجيه أفضلية اهتمامها لأمر ما، فستعمد فئة من المخالفين للأمن الى الاستفادة من هذا الفراغ الامني الجزئي في بعض المجالات لصالح الأفضلية الاولى، للقيام بنشاطهم الاجرامي”، مشيرا إلى أن “السبب الثاني هو سبب اجتماعي ناتج عن تدني مستوى الخدمات الصحية والتقديمات الطبية وتردي الوضع الاجتماعي الذي ينتج عنه فقر مدقع، فتتحول الجريمة إلى وسيلة لتحقيق الحاجات الملحة، فنشهد سرقة صيدليات وافران، وسرقة عناصر الدليفري، والاعتداء على العجزة في المنازل والاشخاص الضعفاء في المناطق المعزولة بهدف السرقة”.

هل يستدعي هذا الارتفاع في معدلات الجريمة الاعلان عن حالة طوارئ أمنية؟ يجيب داوود:”أعتقد أن ما وصلنا إليه يستدعي تكثيف العمل الأمني مثل الدوريات الراجلة أو المدولبة وإقامة الحواجز الظرفية بالرغم من قرار عدم التجول كما إقامة نقاط مراقبة في أماكن معينة ونقاط حساسة”.

ويختم:”نحن ولا شك أمام حالة طوارئ وطنية إنما طابعها ليس عسكريا كالتي ينص عليها قانون الدفاع (لها مفاعيل أخرى متل مصادرة الممتلكات وتوقيف الاشخاص وسوقهم الى المحاكم العسكرية وإقفال المرافق الحدودية ووضع كل مقدرات الدولة تحت يد السلطة العسكرية العليا التي تمارس سلطتها وتُفيد المجلس الأعلى للدفاع).

قائد عملية فجر الجرود العميد فادي داوود
قائد عملية فجر الجرود العميد فادي داوود


تعليقات: