أموال المانحين تتعثر في طريقها من الحكومة... إلى الجنوب

مضى أكثر من سبعة أشهر على انتهاء حرب تموز. لم تدفع الحكومة عبر الهيئة العليا للإغاثة سوى بدلات ترميم قسم من المنازل المتضررة في الجنوب، أما المنازل المدمرة فلم تصلها التعويضات حتى الآن، باستثناء ما يقارب إحدى عشرة قرية حصلت على جزء ضئيل من تلك التعويضات، بعض القرى لم يبدأ دفع تعويضات الترميم لها سوى منذ أسبوعين، كما هي الحال في بلدة زبقين.

يبدي الأهالي الذين لحقت بهم الأضرار قلقهم الشديد من أنه إذا سارت وتيرة التعويضات على ما هي عليه الآن، سوف تصرف بدلات الإيواء التي حصلوا عليها من مؤسسة جهاد البناء قبل عودتهم الى منازلهم.

وفي القرى التي تدفع فيها التعويضات وتشهد ورشة إعمارية، كنموذج عيتا الشعب والخيام، فإن الأهالي قلقون من المناخ السياسي الإقليمي ومما يتردد عن إمكان تجدد الحرب في الصيف المقبل، لكن قلقهم لا يؤثر على قرار الإعمار، وذلك ما يفاجئ زوار الجنوب من العرب أو الأجانب.

تعتبر السعودية والكويت وقطر هي الدول المانحة الثلاث التي تدفع القسم الأكبر من تعويضات المنازل المهدمة والمتضررة، بالإضافة الى مساهمتها في تأهيل المؤسسات والبنى التحتية.

وصل المبلغ الإجمالي المدفوع كتعويضات من الدول المانحة، باستثناء قطر، بناء لما أعلنه مجلس الوزراء الى 327 مليار ليرة، فيما أعلن مجلس الجنوب أن الاموال المدفوعة وصلت إلى 300.177 ليرة لبنانية، من أصل التقديرات الأولى لكلفة إعمار الجنوب والتي بلغت ألف ومئتين وثمانين مليار ليرة.

لم تعلن السعودية عن حصتها من المبلغ المدفوع حتى الآن، بينما وصلت المبالغ السعودية المرصودة لمساعدة لبنان، استنادا الى الجدول الخاص بالدول المانحة الذي وضعته الهيئة العليا للإغاثة، الى أكثر من خمسمئة مليون دولار.

أما الكويت فقد دفعت حتى الآن اثني عشر مليون دولار فقط، من اصل مئة وتسعة ملايين دولار مخصصة للمنازل، وهي تشكل جزءا من المساعدات التي قدمتها الكويت للبنان وتبلغ ثلاثمئة مليون دولار، كما أفاد ممثل صندوق التنمية الكويتي في لبنان محمد صادقي، في حين أوضح نائب رئيس المشروع الإماراتي لإعمار لبنان محمد الغفلي أن الامارات لا تتبع سياسة الاعلان عن المبالغ التي تدفعها كمساعدات في مشاريع الإعمار، لكنه أشار الى أن القروض التي اقرتها الامارات للبنان في مؤتمر باريس ثلاثة بلغت قيمتها ثلاثمئة مليون دولار، هي قروض خاصة بمشاريع تنموية لا علاقة لها بالمنازل المتضررة.

قطـر تدفـع

ثلاثمئة وخمسين مليون دولار

أما قطر، فقد دفعت حتى الآن المبلغ الأكبر من المساعدات ووصل، كما أعلن مدير مشروع الاعمار القطري في الجنوب خالد الهتمي، إلى ثلاثمئة وخمسين مليون دولار، بينما كان المبلغ المرصود في نهاية الحرب مئتي مليون دولار.

واستنادا الى الجدول الذي أعده مجلس الجنوب فقد تبنت السعودية إعادة إعمار ما يقارب المئة قرية، بينها ثمان وعشرون قرية حصلت فيها اضرار كبيرة، بلغ فيها عدد المنزل المهدمة ألفين وخمسمئة وتسعة وثلاثين منزلاً، بينما بلغ عدد المنازل المهدمة بشكل جزئي سبعمئة وأربعة وأربعين منزلاً، والمنازل المتضررة خمسة عشر الفا وتسعمئة وتسعة وثمانين منزلاً متضرراً.

أما الكويت فقد تبنت خمساً وعشرين قرية يوجد فيها ألف وثلاثمئة وثمانية وثمانون منزلاً مهدماً، وخمسمئة وأربعة منازل مهدمة يشكل جزئي، وستة آلاف وتسعمئة وثلاثة وأربعين منزلاً متضرراً.

يتبين أن البلدات التي تبنتها قطر يوجد فيها أكبر عدد من المنازل المهدمة مقارنة بالقرى والبلدات التي تبنتها باقي الدول المانحة، ويبلغ عددها ثلاثة آلاف ومئة وسبعة وثلاثين منزلاً، بينما يبلغ عدد المنازل المهدمة والمتضررة بشكل جزئي ستة آلاف وثمانمئة وأربعة وثمانين منزلاً.

يمكن وصف التجربة القطرية في الجنوب بأنها غير مسبوقة في تاريخ التعويضات التي دفعت للمنطقة خلال الحروب مع اسرائيل. تتولى دولة مانحة للمرة الأولى دفع تعويضات مباشرة عبر ممثليها وليس عبر الجهات الرسمية في الدولة اللبنانية. اختصرت تلك الطريقة في دفع التعويضات الكثير من الوقت، لأنها جنبت ممثلي مشروع الإعمار القطري الدخول في الإجراءات التي تتبعها الحكومة، وهي تبدأ بكشوفات مجلس الجنوب ثم التدقيق فيها من قبل الشركة الاستشارية الخطيب وعلمي، ثم إرسال الكشوفات الى الهيئة العليا للإغاثة، ثم إلى الجهة المانحة وفي المرحلة الأخيرة يبدأ دفع التعويضات.

يقول مدير مشروع الإعمار القطري خالد الهتمي إن المبالغ التي تدفعها قطر في مشاريع الإعمار وإعادة التأهيل قد تصل إلى خمسمئة مليون دولار وربما أكثر. إلا أن القرار القطري بمساعدة أهالي الجنوب يعتبر من المفارقات في سياسة دولة قطر التي تقيم علاقات مع إسرائيل من جهة وتساعد اللبنانيين الذين دمرت إسرائيل منازلهم من جهة ثانية.

يضيف الهتمي أنه قرر اعتماد كشوفات خاصة بالمشروع القطري في بلدة عيتا الشعب بالاتفاق مع رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، بعدما وصلت نسبة الاعتراضات لدى الأهالي في عيتا على الكشوفات التي قام بها المجلس الى مئة في المئة.

أما في بلدة عيناتا فقد تقررت إعادة الكشوفات بعد رفض رئيس البلدية أحمد خنافر مسوحات مجلس الجنوب وإجراء البلدية مسوحات خاصة بها، لكن المشروع القطــري لم يعتمد كشوفات البلدية بوصــفها خارج الآلية الرسمية المتبــعة لدفع التعويضات.

بناء عليه قرر الهتمي عبر المكتب الاستشاري القطري في بيروت دفع التعويضات استناداً الى كشوفات قام بها المهندس المعماري موسى شمس الدين بتكليف من المكتب، معرباً في هذا الإطار عن تقديره لجهود شمس الدين وقد جرى تكليفه مؤخراً بتدقيق كشوفات في كل من بنت جبيل والخيام حصلت فيها التباسات في تقدير المساحات أو الأضرار.

يوضح مدير مشروع الإعمار القطري أن قطر تكفلت بترميم كامل دور العبادة في الجنوب من مساجد وحسينيات، وعددها ثلاثمئة وستة عشر داراً، كما تكفلت بترميم المدارس والمؤسسات في البلدات الأربع التي تبنتها وتأهيلها، ويبلغ عدد المدارس فيها أربعاً وعشرين مدرسة، بينها سبع مدارس مهدمة تجري مناقصات لإعادة بنائها، بينما يبلغ عدد المؤسسات أربعاً وثلاثين مؤسسة، وقد تكفلت جمعية ايادي الخير نحو آسيا التابعة للشيخة مياسة بنت حمد آل ثاني بتجهيز المدارس بالمفروشات والقرطاسية ووسائل التدفئة.

من المعروف أن إسرائيل دمرت خلال محاولتها اجتياح بنت جبيل المدينة القديمة بشكل خاص، وهنا يوضح الهتمي أن قطر تبنت إعادة بناء المدينة القديمة بما يتناسب مع شكلها التراثــي، وتوجــد حالياً ثلاث دراسات لاعادة إعمــارها سوف يجري اختيار واحدة منها ، كما تبنت مشروعاً لإعادة بناء السوق التجــاري، ووضعت بانتظار بناء السوق مئتين وأربعة وثمانين محلاً من المنازل الجاهزة قرب بركة بنت جبيل لإقامة سوق مؤقت فيها.

يقول مدير المشروع القطري إن حجم الدمار الذي رآه في الجنوب لم يشهد مثيلاً له من قبل. أيضاً «يكفي أن أهل الجنوب يعيشون قرب اسرائيل من دون أن تعتدي عليهم لكي تكون حياتهم في مثل ذلك القلق فكيف إذا اعتدت عليهم»، بينما يقول المسؤول الإعلامي في المشروع القطري ياسر المناعي إن أكثر ما لفت نظره لدى أهل الجنوب هو عزيمتهم، لم يستسلموا للدمار الذي لحق بهم إنما نهضوا بسرعة لإعمار منازلهم.

السعودية والكويت..

بين الدفع والتأخير

خصصت السعودية مبلغ ثلاثمئة وخمسين مليون دولار من الهبة البالغة خمسمئة مليون دولار، لدفع التعويضات في الجنوب وفي الضاحية الجنوبية، فيما أفاد مسؤول الشؤون الاقتصادية في السفارة السعودية في بيروت فيصل المنديل أن السعودية دفعت بالإضافة الى تلك المبالغ عشرين مليون دولار بدل رسوم مدرسية للتلامذة، وسبعة وعشرين مليون دولار جرى جمعها كتبرعات من السعوديين وعشرة ملايين دولار لتجهيز المستــشفى الميداني، كما خصصت للبــنان خمسة ملايين دولار ضمن برنامج الغذاء العالمي، لكنه لم يعلن عن الأموال التي اصبحت مدفوعة فعلياً للمتضررين حتى الآن قائلاً إن الحكومة السعودية هي التي تعرف ما الذي دفع من أموال.

من ناحيته أكد مسؤول الصندوق الكويتي للتنمية محمد الصادقي إن الكويت دفعت حتى الآن اثني عشر مليون دولار فقط من أصل مئة مليون دولار مخصصة كتعويضات للقرى التي تبنتها في الجنوب. يعيد سبب التأخر في عمليات الدفع الى الإجراءات المتخذة في الهيئة العليا للإغاثة، ويقول إنه عندما تجري مراجعة الهيئة بشأن التعويضات يكون الجواب إنه يجري التدقيق في الملفات التي ترد اليها، موضحاً أن الصندوق يقر أي ملف يجهز لدى الهيئة في فترة لا تستغرق يوماً واحداً، وعندما سئل عن شكاوى الأهالي من تأخر دفع تعويضات بدل الهدم أجاب إن الصندوق ملتزم بالاتفاق مع الهيئة العليا للإغاثة ولا يوجد لديه توجهات بدفع التعويضــات مباشرة لأن الوقت تأخر على ذلك القرار، متمنياً أن تدفع التعويضات بطريقة أكثر سرعة.

يضيف الصادقي إن قسماً من الهبة الكويتية ويبلغ خمسين مليون دولار مخصص للإعمار في الضاحية الجنوبية وقسماً آخر لمشاريع تنموية تمتد من الجنوب الى عكار في الشمال. ويقول إن الكويت بصدد القيام بمشاريعها في الجنوب ابتداءً من حزيران المقبل، بعد اختيار الشركات الاستشارية التي ستشرف على المشاريع.

تعليقات: