كيف قُتلت زوجته وابنه أمام عينيه

السيارة التي قتل فيها هيثم طبارة ووالدته
السيارة التي قتل فيها هيثم طبارة ووالدته


عائلة حسن طبّارة هي إحدى ضحايا المعارك التي شهدتها بيروت أخيراً، بفَقدِها الوالدة وأحد الأبناء، وإصابة ابنين لا يزالان يخضعان للعلاج. أما الوالد الذي قُتلت زوجته وابنه أمام عينيه، فلا يُعلن إلا الصبر والصمت

بدا الرجل الستيني حسن طبارة فائق الصلابة نسبةً إلى شخص فقد زوجته وابنه أمام عينيه في اليوم الأول من معارك بيروت، ولا يزال ولداه طريحي الفراش في المستشفى حيث يعالجان من إصاباتهما.

حسن عبد الغني طبارة قليل الكلام. والجُمَل المباشرة التي ينطق بها لا تُظهر سوى التسليم بما جرى له، وانتظار قيام ولديه «بالسلامة من إصابتيهما».

منزل طبارة في رأس النبع ـــ شارع متفرع من شارع الشعار ـــ يقابل أحد مراكز تيار «المستقبل» التي باتت بعهدة الجيش وينزل فيها جنوده. آثار لمعركة «محدودة» ظاهرة في ما خلّفه احتراق سيارة ودراجات نارية.

على باب المنزل، لا تزال زينة الحج مرفوعة: «أهلاً وسهلاً بضيوف الرحمن». وفي المنزل الهادئ رغم المصاب، يروي حسن طبارة لـ«الأخبار» تفاصيل الحادثة التي أثكلته ورمّلته في اليوم الثامن من أيار 08. يقول: بعيد الخامسة عصراً، اشتدت المعارك في رأس النبع، فقررنا الخروج من بيروت قاصدين الجبل. حملنا أغراضنا وركبنا في سيارتين. كانت السيارة الأولى بقيادة ابني الدكتور هيثم، وكانت والدته (آمال بيضون) إلى جانبه، وكانت معهما فتاة تعمل في المنزل. ركبت في الثانية ولحقت بهما، وكانت برفقتي الفتاة الثانية التي تعمل في المنزل أيضاً. توجهنا شرقاً، ووصلنا إلى رأس الشارع، حيث كان يقف أشخاص وجّهوا ابني ليسلك طريقاً بعكس وجهة السير، جنوباً (نحو الطريق الواصلة بين المتحف والبربير). عندما وصلت سيارة هيثم إلى التقاطع الذي يؤدي غرباً إلى طريق رأس النبع ـــ بشارة الخوري (منفذه مقابل محلات مؤذن)، أصابت قذيفة صاروخية سيارة فان كانت على التقاطع، فخرجت القذيفة من الفان وسقطت على السيارة التي كان يستقلها ابني وزوجتي. ترجلت من السيارة واقتربت لأرى أن زوجتي قد مالت باتجاه «تابلوه» السيارة، وكان رأسها مصاباً من الخلف. تناثر دماغها في السيارة. اقترب رجل لا أعرفه، وقاد سيارتي ظناً منه أن فيها جرحى، وكان يقصد إيصالهم إلى المستشفى. وعندما تنبه أن لا مصابين فيها، عاد إلي. بعد دقائق وجدت هيثم على الأرض. عاد الرجل الذي قاد سيارتي ليقود سيارة هيثم، وأوصل زوجتي إلى مستشفى أوتيل ديو. عاد بسرعة، فنقلنا هيثم إلى السيارة وأخذناه إلى المستشفى ذاته.

يتابع حسن طبارة: «بعد نحو ساعة، علم أحد أبنائي الآخرين أن والدته وشقيقه استشهدا، فأراد الذهاب مع شقيقه لملاقاتي في المستشفى. وصلا إلى النويري حيث كان مسلحون قد أقاموا حاجزاً. قال لهم المسلحون أن يمروا. لحظات وأطلِقَت عليهم النار من الأمام ومن الخلف».

ولدا طبارة، أيمن ورائد، لا يزالان يخضعان للعلاج في مستشفى الجامعة الأميركية. أحدهما مصاب في ظهره، والآخر في خاصرته. يرفض حسن طبارة اتهام أي جهة أو شخص بالوقوف خلف ما جرى لأفراد عائلته، ولا ينوي الادعاء على أحد: كل ما يهمني هو سلامة وَلَدَيّ.

يكرر خلال حديثه الكلام عن ابنه هيثم: «حصل هيثم على شهادة دكتوراه في القانون الدولي من فرنسا، وحصل على شهادة في التحكيم الدولي من جامعة كامبريدج. كانت طائرة خاصة تأتي لتقله من مطار بيروت». يشرع بتعداد الاتفاقات العالمية التي شارك ابنه بوضع صيغها القانونية، ثم ما يلبث أن يصمت، ليهز برأسه ويغمض عينيه مردداً كلمتين: «ماشي الحال. ماشي الحال».

الحال أمام غرفة أيمن ورائد حسن طبارة في مستشفى الجامعة الأميركية لا تشبه هدوء المنزل في رأس النبع. أمام الغرفة شابة متشحة بالسواد تبكي بصمت. وحولها عدد من الأصدقاء والأقارب. إنها زوجة أحد الشقيقين المصابين، أيمن. ينبهك الجميع إلى ضرورة أخذ الحيطة خلال الحديث مع الشقيقين، لأن أحدهما لا يعلم بما جرى لوالدته وشقيقه. بعد انتظار لدقائق، خرج الطبيب ليخبر أن رائد لا يزال تحت تأثير المخدّر، أما أيمن فكان قد استيقظ لتوّه ولا يزال بشكل بسيط تحت تأثير التخدير. أيمن رفض أن يتلفظ بأي كلمة عن الموضوع لناحية حقيقة ما جرى. زوجته التي سيطر الحزن على تعابير وجهها وكلماتها، حاولت إقناع زوجها بالتحدّث، لكنه أصر على الصمت.

أحد أصدقاء الشقيقين المصابين كان في المستشفى. قال إنه لم يكن معهما ساعة وقوع الحادث. ونفى معرفة الشابين بمطلقي النار، أو بالجهة التي ينتمي إليها هؤلاء. يرفض الصديق التعليق على ما جرى، ويكتفي بالاعتذار لعدم استطاعته تقديم أي مساعدة.

عدد من الشهود في منطقة رأس النبع رووا لـ«الأخبار» تفاصيل ما جرى، بشكل مطابق لما رواه حسن طبارة، الذي قال لـ«الأخبار» إن محققين من الأجهزة الأمنية الرسمية استمعوا لإفادات عدد من الشهود في القضية. وحتى اليوم، ليس هناك أي موقوف رهن التحقيق في هذه الجريمة، أو في الجرائم الأخرى التي وقعت خلال المعارك التي دارت في بيروت والجبل وصيدا والبقاع والشمال، باستثناء الموقوفين اللذين ادعى عليهما النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزف معماري، على الأول بجرم قتل شخصين وجرح عدد من الأشخاص في منطقة أرض جلول يوم 10/5/2008، وعلى الثاني بجرم التدخل بالجرم الأول.

تعليقات: