أبناء الظروف والحظوظ

طعّان حبشي
طعّان حبشي


كما يقال عن أميركا ، بأنها البلاد التي تتيح للعابرين اليها كل أشكال الفرص ، سعيا” الى النجاح وتحقيق الأحلام . فما يقال بحق عن لبنان ، هو أنه بلاد الظروف والحظوظ ، لا ينازعه عليها منازع ، سوى نمط الحياة في الغابة ، القوي يأكل الضعيف , فلا حيّ يدب فيها ، الا وقد أفلت بحياته من عشرات المكامن والأفخاخ ، بفعل الصدف والظروف ، من براثن الموت غدرا”، بمخالب وأنياب القهر والغلبة .

والمضحك المبكي هو ، ان الفارق الأيجابي بينهما جاء لصالح الغابة ، اذ أنّ الظرفيّة فيها تنجي وتنقذ ، بينما في مجتمعنا فهي تقضي في غياب حماية القانون والنظام على النخبة من أبنائه ، وتشل عزائمهم وتشتت طاقاتهم ، فيما يعرف بهجرة الأدمغة الى أربع أصقاع الأرض ، ليبقى قلة منهم في الوطن ، وهم ضائعون وسط الجهلة والوصوليون والأنتهازيون الذين يتصدرون المجالس والمرافق والمؤسسات العامة .

فلا الكد والسهر ، ولا العمل الدؤوب ، ولا الكفاءات والقدرات ، ولا الشهادات والتقديرات كانت يوما” هي الطريق والمقياس للوصول الى الأهداف المنشودة من قبل شبابنا ، بل الظروف والحظوظ وما يتفرع عنهما من وساطة ، ووراثة ، ومحسوبيّة وتبعيّة ، هي التي تتحكّم بنا بل قل بمصيرنا ، والفضل يعود لها فقط في توزيع الوظائف للغالبيّة ممن تربعوا بالماضي ، ويتربعون الآن ، وسيتربعون بالمستقبل في أبراج أعلى المناصب والمراكز .

وكذلك نسبة كبيرة من الأغنياء وأصحاب الثروات والمصالح وأرباب المال ، في الحرب كما في السلم ، رافقتهم الظروف والحظوظ ، منذ أن كانوا هائمين على وجوههم وهامشيين ، ومنذ ان بدأوا بتحقيق انجازاتهم ، من فشل الى فشل ، من رشوة الى سرقة من سمسرة الى صفقة ، ومن حظوة الى حظوة ، وحتىانخراطهم في حلقة مقفلة تمطر فيها السماء عليهم شتى أنواع الألتزامات والمشاريع والتعهدات ، بدون رقيب أو حسيب .

المهم أنّ هؤلاء الظرفيين- المحظوظين ، وبعد أن دخلوا عالمهم الجديد ، وبعد أن أصبحوا ما أصبحوا عليه من المكانة والعزة والجاه ، فانهم لم يتمكنوا من مجاراة ومواكبة ، ثقافة وأخلاقيات وأدبيات وأصالة أمثالهم ، من الذين استحقوا عن جدارة شرف مراكزهم وثرواتهم ، فتراهم يجهدون أنفسهم ، محاولين التشبّه بهم ، تارة” بالتقليد ، وطورا” بالتمثيل , يتصنعون فينكشفون ، يتواضعون فيتكبرون ، يتكلمون فيثرثرون ، يضحكون فيقهقهون ، يسألون فيدّعون ويجهلون ، يسألون فيرتبكون ويحجمون .

بئسهم وبئس الظروف التي أتت بهم ، فأينما حلّوا أو تواجدوا ، فانهم يتركون وراءهم ، نفورا” واشمئزازا” وسخرية”، وقد خلفوا داخل المجتمع اللبناني مجتمعا”ركيكا” وهزيلا”، سقيما” وهجينا”.

ليصحّ فيهم هذا القول :

انّ حمارا” أعجب بالحصان

فأراد تحسين نسله

فاختلس لقاء” مع الفرس

فانجب بغلا”.


* المصدر: مجلة كواليس

تعليقات: