فلك الرافعي: أضيفوا رفّ السنونو الى قائمة المفقودين

الكاتبة فلك مصطفي الرافعي (رئيسة مركز النهوض الإعلامي الثقافي الإقتصادي)
الكاتبة فلك مصطفي الرافعي (رئيسة مركز النهوض الإعلامي الثقافي الإقتصادي)


انا الصياد “مع وقف التنفيذ ” صابر ،اهوى الصيد “الكاذب ” او “الابيض”.نعم، أحمل سلّتي وشباكي وصنارتي وامارس هوايتي قبيل المغيب عند قدمّي مياه بحر تعانق مرفأ بيروت.

لم اصطد بحياتي ولا سمكة لأني ارمي الصنّارة “الطُعْم” بدون الإبرة التي تمزق خياشيم ثمار البحر فقط لتأكل وبعدها ارميها ثانية وهكذا بدون “ضحايا”.

يعجب مني الصيادون ويحسبون ان مسّاً خالط عقلي ،لم انسج مع احدهم صداقة لتباين الاهداف ،صداقتي فقط مع غروب اسيل على آخر وجه البحر وسمكة تأكل بامان ورف السنونو الابيض الموشى بكحل اسود ساحر كعبير المسك . وكان الرف فرادى الاّ من زوجين سنونو اطلقت عليهما اسم”قيس وليلى” ،يطيران معا ويصفقان بجناحيهما اطوارا كانها ابجدية العشق عند السنونو.

عشية المجزرة الفاجرة تخلّفت قسرا لإستقبال قريبي الذي اعتاد زيارتي كل شهر او اكثر ، حمل اليّ يومها اللبن الصافي المعتق برائحة الضيعة وخبز الذرة المشوي بحضن تنور حجري وبعض زوادة القرية. مددنا صحون العشاء الغالي مع شعور يسكنني بالوحشة والكآبة ربما بسبب عدم زيارة جزيرتي الصغيرة وعدم سؤآل السنونو عن آخر قصيدة قدمها “قيس المرفأ” لانثاه الغالية. وبعدها دخلنا في دوامة الموت والدم والركام والزجاج المزروع في وجوهنا واجسادنا وذهول، وتحطمت ايضا قصعة القرية ودفء غريب من دماء تسيل عشوائيا حتى على ما تبقى من جدران.

تلمست بعد غيبوبة إحساسي وتفقدت وسط الغبار قريبي وبعد صمت رهيب ادركنا كما تقول العامة “الذي له عمر لا تقتله شدّة”.. مرت الايام ثقيلة والليالي موحشة مبكية وانا بحنين لرفّ السنونو وعقدت العزم ان اغامر وارتاد مكاني المفقود قرب الامواج التي اعلنت الحداد وارتدت العشب الطحلبي الاسود .كان الرمل المُعشق بأشلاء الابرياء والحطام يستريح بوحشة غبيّة حتى صار هو المكان المؤرخ بتوقيع “نيرون ما ” .. ..لم ارَ غير ظل سمكة هرمة وسط الطَمى، ورحلت خائفا تجول عيوني بحثا عن تلك الرقصة الانيقة والتصفيق المتجانس لرف السنونو لم اجد لها اثرا والفضاء الفارغ يسمح للهواء المتعثر بعزف سيمفونية جنائزية إختفت تماما لعل الدوّي أرّقها فآثرت النوم غرقا في اعماق دامعة. راعني اني وجدت ريشة بيضاء تحاول الصراخ بحثا عن امها ،اكيد انها لطائر من النوارس ارسل ريشته قلما لتقديم العزاء ويكتب على سجل التعازي “لعلنا كنّا في البلد الخطأ”..

بكيت مدينتي ام الشرائع واهلي فكل الضحايا عائلتي المنكوبة..

بكيت بحرقة يتيمة ذلك العرس اليومي لطيور النورس”ياسمين وزنابق الفضاء ” يا ولاة بالصدفة، أضيفوا الى قائمة المفقودين رف السنونو الابيض الذي هجر سوادكم وظلمكم وتهاونكم وغيابكم عن مبادئ الف باء المسؤولية اليوم شموع في ذكرى مرور شهر على النكبة.. أضيئ للسنونو شمعة سوداء احتراما للونه الابيض الجريح ..


* فلك مصطفي الرافعي (رئيسة مركز النهوض الإعلامي الثقافي الإقتصادي)

* المصدر: منصّة فلك

تعليقات: