الدكتور شكرالله كرم.. شهيد الفقراء

الدكتورشكرالله كرم.. شهيد الفقراء
الدكتورشكرالله كرم.. شهيد الفقراء


لم يكُنْ الدكتور"شكرالله كرم"، الطبيبُ المُتَخَرِّجُ من "الجامعة الأميركيَّة" في العام 1933، بالنِّسْبَةِ للخيامِيِّين، طبيباً لمُعالَجَةِ المَرضى وحَسْبْ. فمُناهَضَتُهُ للإنتداب الفرنسي، ولهَيْمَنَةِ الإقطاعِ على مُكَوِّناتِ "لبنان"، أرضاً وشعباً، وبخاصَّةٍ في جنوبِه، ولاحْتِلال الصَّهايِنَةِ ل"فلسطين"، ومُقاوَمَتُهُ للتَّخَلُّفِ والجَهْلِ والحرمان والفقر، ورؤيتُهُ للإنسان كقيمةٍ، ومُنْشِدِ حُرِّيَّة، وصاحِبِ حقٍّ بالعيشِ الكريم، إضافَةً لتَفضِيْلِهِ الحياة معَهُم، في قريتِهِم النائِيَةِ الفقيرة، على الحياة المُتْرَفَةِ المُتاحَة لهُ في "بيروت"، كغيرِهِ من زملائِهِ الأطبَّاء، كل ذلك، كان كرَّسَهُ لدَيْهِمْ رمزاً إنسانيَّاً كبيراً، ما جعلَهُم، رغْمَ كونِهِم غالبيَّة مُسْلِمَة، يختارونَهُ رئيساً لإدارة مجْلِسِ بلديَّتِهِم، الأول، عام 1957، بصرف النَّظر عن كونِهِ ابن أقلِّيَّة مسيحيَّة في البلدة.

_ طالَما الدكتور "شكرالله كرم" بَعْدُو ب"الخيام" ما تِحِمْلي هَمّْنا_ كان أبي وأمي، كلما أُتِيْحَتْ لي فرصة للإتِّصالِ بِهِما، يُكَرِّران ردَّهُما هذا، على إلْحاحي عَلَيْهِما بالنُّزُوحِ عن بلْدَتِنا.

فصُمُودُ هذا الطبيب ("طبيب الفقراء" كما كان يُسَمَّى في بَلْدَتِنا وعموم قرى "مرجعيون" و"العرقوب") في "الخيام"، رغْمَ قِيامِ حكومَةِ "تل أبيب"، في فلسطين المُحْتَلَّة، بعدَ هزيمَتِها للعَرَبِ عام 1967، بجَعْلِ جنوب "لبنان"، ومنه "الخيام"، مَرْمَى وساحَةً لمَدافِعِها وغاراتِ طائراتِها، ورغْمَ تَحْوِيلِها لَهُ، في العام 1976، إلى ساحَةٍ مفتوحَةٍ لاجْتِياحاتِها المُتَكَرِّرَةِ، لِبَلْداتِهِ وقُراه، وما راحَتْ تَقْتَرِفُهُ بمُعاونَةِ عُمَلائِها ومرتَزَقَتِها، من نَسْفٍ وتدميرٍ لبِيُوتِه وحرقٍ لحدائقهِ وبساتينِه، وقتلٍ لأهْلِهِ، وفق خطَّةٍ مُبَرمجةٍ تهدِفُ لإخْلائِهِ من سكانِه، ورغْمَ تهديدات أولئك العُملاء والمُرْتَزَقَة، العديدة لَهُ، لإبْعادِهِ عن بلدَتِنا، كان يُعَزِّزُ من قُدْرَةِ والدَيَّ وكثيرين من أهلِها، على الصُّمُودِ فيها والتَّمَسُّكِ بعَدَمِ النُّزوح عنها.

ولِظنِّ مُعْظَمِ الخيامِيِّين، ومنهُم الدكتور "شكرالله كرم" نفسه، أنَّ مُحاوَلَةَ عُملاءِ "إسرائيل" قتلهُ، خلال عام 1976، هي مجَرَّد محاولَة لإرْعابِهِ، بُغْيَة تَهْجِيْرِهِ عن البلدة، لم يخْطُرْ ببالِ أحدٍ منهُم أن يجروءَ أولئِكَ العُمَلاء على اغتيالِهِ في عيادَتِه، بعد أشهر قليلةٍ على تلك المُحاوَلَة، بعدما كان، طيلَة حياتِهِ، الطبيب الوحيد الذي يقوم بمُعالَجَتِهِم ومُعالَجَةِ عائلاتِهِم، وبتَضميْدِ جراحِهِم، مجاناً.

ولم يكُنْ بحِسْبانِهِم أنَّ السابع عشر من شباط، من عام 1977، سيكون يوماً خياميَّاً أسودَ, أو أنَّ ما ورَدَ في رسالَةِ طبيبهِم، والتي كان كتبَها لعائلَتِهِ، صباح ذلك اليوم، وبما حرفيتُه:

(كيف أطمئنُ وحولي آلاف البائسين.. إذا ترَكْتُهُم فمن يقرأُ ميزان الحرارة ومن يتَسَمَّعُ نبضات القلب؟ لم يبقَ عندي أكثر من ذلك أُعْطيهُم أفَيَحُقُّ لي أن أمنعَه؟ الأمورُ في المنطقة تتَطَوَّرُ بسرعة وإلى الأسوأ. يفتعلون الحوادث لتخريب سلام متواضع رُصْنا عليه. رائحة البارود تعبق في الأجواء. أحس بأننا قادمون على مجزرة خُطِّطَ لها. مسكين إنسان هذي الحدود الجنوبية كم يتحمل من شقاء؟ أسيبقى من عبر الحدود مُصرين على إبادتنا؟ سيطلع فجرٌ وقد ارتاحَتْ الأرض من مُغْتَصبيها وأشرقت على وطننا شمس السلام. لا تفكروا بي مطلقاً وهذا يريحني. أقَبِّلُكُم فرداً فردا واكثِرُوا منها لعامر. ولكم مني عاطر السلام وأطيب الأماني وكل حبي.

من والد هو هكذا فهل تقبلُوْه؟)

سيَجْعَلُ اسمَهُ، بالإضافة لصِفَتِهِ كطبيب للفقراء، مُطَوَّباً في قلُوبِهِم، شهيداً للفقراء.

المحامية وداد يونس
المحامية وداد يونس


تعليقات: