طرح الحياد استبدال لمحور بآخر


عندما نتحدث عن دولة حيادية، فإننا نقصد الصفة القانونية لبلد ما يمتنع عن المشاركة في أي حرب أو نزاع بين البلدان الأخرى، ويلتزم مسافة واحدة من جميع الأطراف المتحاربة، مع ضرورة اعتراف الدول الأخرى بنزاهة وحيادية ذلك البلد.

هل تنطبق هذه الصفة القانونية لمفهوم الحياد على بلد مثل لبنان؟

اولا، إن لبنان شارك في حرب عام ١٩٤٨، في فلسطين ، ولم تتوقف اعتداءات الكيان الصهيوني عليه منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.

ثانيا، كانت السلطة اللبنانية تراهن على حلف بغداد في عهد الرئيس كميل شمعون، الذي أدى الى نزول للمارينز على الشواطئ اللبنانية.

ثالثا، انتقل لبنان من الولاء للنفوذ النفوذ العراقي، إلى النفوذ الناصري، ثم إلى النفوذ البعثي السوري بالتضامن مع النفوذ السعودي، حتى وصل مؤخرا إلى النفوذ الإيراني "القوي".

رابعا، امتد الانتداب السوري المباشر على لبنان من عام ١٩٧٦ إلى عام ٢٠٠٥، أي طوال ثلاثة عقود متواصلة، فقد خلالها لبنان استقلاليته وسيادته.

خامسا، تشكلت مقاومة إسلامية شيعية ناضلت طوال عقدين حتى دحرت إحتلال العدو الصهيوني في جنوب لبنان، وهي اقوى اليوم من سابق عهدها.

سادسا، يتعرض لبنان حاليا إلى حرب كونية لتجويعه، بحجة محاربة حزب الله، اليد الطولى للدولة الإيرانية التي هي في صراع مع الولايات المتحدة الأميركية، ودول الخليج العربي، حتى يومنا هذا.

عن أي حياد للبنان يتكلم بطريرك الموارنة، بشاره بطرس الراعي خلال هذه الأيام، وأين يصب طرحه الإعتصام بالحياد، في خضم هذا الصراع السافر بين دولة إقليمية كبرى، هي إيران، وبين دولة كبرى، هي اميركا التي تريد المحافظة على امتيازاتها ومصالحها في البلدان العربية الغنية بالنفط والغاز؟

نعم، جرى توافق بين الأطراف اللبنانية، بعد انتهاء الإنتداب الفرنسي، على أن لا يكون لبنان ممرا أو مقرا، لأي نزاع بين الدول العربية، لكنهم لم يتوافقوا صراحة على مبدأ حيادية الدولة اللبنانية، الغارقة منذ حينه في وحول وصراعات المحاور العربية والإقليمية، بل كان لبنان مقرا وومرا لكثيرين من زعماء المعارضة في دول عربية متعددة.

لا أرى سببا لتبني مفهوم الحياد على لبنان، أبعد من توفير غطاء ماروني للتدخل الغربي، الأميركي والفرنسي، على شاكلة تفاهم مار مخايل، بين حزب الله والعونيين، من أجل تسهيل انفتاح لبنان على العالم، والتخلص من مفاعيل تطبيق "قانون قيصر" الجانبية عليه، كون ذلك يخفف من ندرة الدولار، التي تتبناها اميركا حتى تودي بكل الشعب اللبناني إلى الهلاك!

لم يشهد لبنان منذ استقلاله "الصوري" عن الإنتداب الفرنسي وحتى يومنا هذا، سوى امتدادا متواصلا للوقوع في المحاور والغرق في صراعاتها!

* سعد نسيب عطاالله

تعليقات: