صبحي القاعوري: قضية القاضي محمد مازح قد تتسبب بإنهيار الدولة!


ارتفاع سعر صرف الدولار قد يكون عاملاً من العوامل التي تتسبب بإنهيار الدولة ، ولكن السبب الحقيقي لإنهيار الدولة تسيس القضاء .

تفاعلت قضية القاضي مازح وما زالت تتفاعل بسبب عدم وجود حلاً لها، تعيد الأمور الى نصابها .

القاضي مازح اصدر قرارا بمنع استصراح سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا التي تجاوزت المواثيق والأعراف الدولية بتدخّلها بشؤون لبنان وحرّضت اللبنانيين بعضهم ضد البعض الآخر، وهدّدت السلم الأهلي، مخالفة بذلك نص المادة 41 من اتفاقية فينا والتي تنص :

مادة 41

مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة.

وكان هذا القرار من الممكن ان يمر بسلام لو اتُبعت الأصول في اجراء المحاكمات والتسلسل في درجات التقاضي ، ولكن تدخل السياسة والإعلام في قرار قانوني استند اليه القاضي من وجهة نظره شأنه شأن اي حكم يصدر عن اي قاضي ، ولكن هذا القرار لم يسلك السبل والإجراءات القانونية ، وقفز الى عالم السياسة والإعلام .

واستناداً الى الضجة الإعلامية تقدم المدعي العام التمييزي بالطلب الى هيئة التفتيش القضائي احالة القاضي مازح للتحقيق معه بعدم "أهلية القاضي المؤهّل لممارسة مهماته"، بدلاً من الوقوف بجانب القرار لحماية القضاء من المتربصين به ، وكذلك حذت وزيرة العدل حذو المدعي العام التمييزي وتقدمت الى مجلس القضاء الأعلى بإحالة القاضي مازح الى هيئة التفتيش القضائي للتحقيق معه بعدم اهليته في ممارسة مهمته اصدار الأحكام .

ومن المؤسف ان المجلس استجاب الى الطلب واستدعى القاضي مازح لإحالته الى هيئة التفتيش ، والواضح أن التدخلات السياسية كانت وراء هذا الإستدعاء تنفيذاً للرغبة السياسة والإعلام ، وبالتالي تعتبر إحالة القاضي مازح الى التفتيش القضائي حكماً مسبقاً بعدم أهلية القاضي لممارسته اعماله ، وهذا ما يترتب عليه الآتي :

اولاً : من حق اي متضرر من احكامٍ سابقة اصدرها القاضي مازح خلال وظيفته مدة 23 سنة على اي من الخصوم الذين تخاصموا لديه اقامة الدعوى ضد الحكومة مطالباً بتعويضه المادي والتعويض الأدبي والتعويض النفسي له ولأقاربه حتى الدرجة الثانية أستنادا الى القاعدة القانونية "مساءلة المتبوع عن اعمال تابعه "، حيث أن اعلى سلطة قضائية اقرت بعدم اهليته للفصل في النزاعات .

ثانياً: اكد قرار الإحالة بأنه قرار سياسي بحت لا يستند الى اي سند قانوني مخالفاً بذلك تسلسل درجات التقاضي، وهذا القرار كان يجب اتخاذه فيما لو صحت اغراضه السياسية بعد انتهاء درجات التقاضي .

ثالثاً : لقد وضع الإعلام المتضرر من قرار القاضي مازح مجلس القضاء الأعلى في موقف حرج ،حيث اعترض على القرار بعد تقديم استقالة القاضي مازح وهذا ما كان يجب فعله ساعة تبلغ جهات الإعلام بالقرار ، وليأخذ مجراه

الطبيعي من تسلسل درجات التقاضي ، ولكن الإعلام فعلها لغرض في نفس يعقوب .

رابعاً: في قضية مثل هذا الحجم والذي روج لها الإعلام واصدر حكمه على القاضي مازح مسبقاً، يرتضي القضاء نظر المعارضة من قاضي آخر بنفس الرتبة .

كان من الواجب على مجلس القضاء :

أ - عدم الموافقة على نظر الدعوى من قبل قاضي آخر قبل البت في استقالة القاضي مازح قبولها من عدمه ، حيث أن المعارضة في القرار تنظر من قبل القاضي الذي اصدر القرار طالما لم تتم قبول استقالته وفي هذه الحالة يجب عدم قبول الإستقالة ،وتجميد قرار الإحالة والطلب من القاضي مازح النظر في المعارضة .

ب- في حالة عدم تطبيق (أ) على المجلس تعين غرفة من ثلاث قضاة يرأسها القاضي الأكبر سناً للنظر في المعارضة .

ج- لا يجوز لا قانوناً ولا عرفاً نظر معارضة من قاضٍ. آخر طالما القاضي الذي اصدر القرار مازال حياً ولم تقبل استقالته ، ويعتبر قانوناً ما زال على رأس عمله .

كل هذه الأمور تدل على التقصير من المجلس الأعلى وهيئة التفتيش ممارسة اعمالهم لمراقبة الأحكام ، خاصة وأن القاضي مازح مارس المهنة 23 عاماً ، وليس من المقبول بين عشية وضحاها أن يصبح غير مؤهل لممارسة مهمته .

وحتى لا تتفاعل هذه الأزمة ويزداد الوضع سوءاً بسبب عدم معالجتها من الناحية القانونية ، وكما قلنا انهيار الدولة يبدأ بإنهيارالقضاء وليس بإنهيار العملة ، لأن أمر العملة يعالج ، ويعالجه القضاء . وحتى تعود الأمور الى نصابها يجب :

1- عدم قبول استقالة القاضي مازح ، والغاء امر الإحالة ، وإلغاء قرار القاضي غطيمي للسبب الذي ذكرناه، وإعادة القاضي مازح للنظر في المعارضة ، ولتسلك القضية الطريق القانوني بالتسلسل القضائي في اصول المحاكمات .

2- في حالة عدم تنفيذ ما ورد في الرقم (1) نتوجه الى مجلس النواب .

على مجلس النواب تقديم مشروع قانون من مادتين :

أ- اقالة وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى ومدعي العام التمييزي من مناصبهم ، وإعادة هيكلة القضاء من جديد على أن لا يكون خاضعاً للسياسة .

واذا لم يحصل هذا، على مجلس النواب اصدار قانون بتشكيل محكمة من خارج الجسم القضائي او من قضاة مشهود لهم بالنزاهة والإستقلالية على أن لا يكون فيها اي عضو اعطى رأيه قبل التشكيل وعلى المحكمة النظر في قانونية القرارمن عدمه وعلى أن يكون النقاش علناً مع اعطاء الحق للقاضي صاحب القرارتقديم مرافعته وكذلك محاميه ،وكذلك اطراف الدعوى ،المدعية ومحاميها والجهات المتضررة ومحاميها .

على الجهات المعنية اخذ الموضوع على محمل الجد حيث أن الوضع ذاهب الى التأزيم ، والبلد لا يحتمل أزمة جديدة على هذا المستوى ، تضاف الى الأزمات الذي يعاني منها .

* الحاج صبحي القاعوري - الكويت

تعليقات: