الإسلام.. والفنون التشكيلية!


لا شك أن هناك سوء فهم للموقف الديني الإسلامي من الفنون التشكيلية، بل ان هناك سوء فهم في معنى كلمة «صنم»، التي أكثر ما يتخيلها المسلمون بأنها تمثال على شكل جسد امرأة أو رجل أو حيوان، بل الحقيقة أن «الصنم» هو أي صخرة مشكلة أو غير مشكلة تعبد أو تقدس. ويذكر القرآن ثلاثة من أصنام العرب: «اللات والعزى ومناة»، قال تعالى: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20)» (سورة النجم). ومناة كان صنماً منصوباً على ساحل البحر بين مكة والمدينة، وكانت تقدسه الأوس والخزرج. وقد هدمه علي (رض) في السنة الثامنة للهجرة قبل فتح مكة. أما اللات، الذي كان مجرد صخرة مربعة في الطائف، فكانت تقدسه ثقيف وقريش. ووفقا للدكتور مصطفى السباعي في www.Islamicstory.com بتاريخ 2/12/2013 أن الرسول (ص) أمر أبا سفيان والمغيرة بن شعبة أن يهدماها، وبعد أن فعلا ذلك بكتها النساء قائلة: «واحسرتاه على التي كانت تدافع عنا وتدفع عنا البلاء، قد اسلمها اللئام للهدم، فلم يدافعوا عنها ولم يجالدوا بالسيوف في سبيلها». أما العزى فكان في مكة، وقد أمر الرسول (ص) خالد بن الوليد (رض) بهدمه بعد فتح مكة. فالصنم لا يعني بالضرورة ان يكون حجرا مشكلا على هيئة إنسان أو حيوان، فحتى الحجر غير المشكل ممكن أن يكون صنما مثلما كان اللات الذي كان حجرا مربعا. فالدور الذي يلعب فيه الصنم في حياة الإنسان الروحانية وليس شكله هو المحرم في الإسلام. لذا يتوقع من المسلمين ورجال الدين خاصة أن يراجعوا موضوع تحريم نحت التماثيل لأغراض فنية، أو تحريم الرسم والتصوير بحجة أن هذا سيولد ميولاً لدى المسلمين لتقديس الحجر أو الصورة، والذي أدى إلى فقر في تطور الفن التشكيلي بين غالبية المسلمين، حيث تقتل الموهبة مبكرا بحجة أن تشجيعها سينمي عبادة الأوثان أو الأصنام. فليس الحجر أو الصنم هما اللذان سيعيدان الوثنية، وإنما الدور الذي يلعبانه في حياة الإنسان. ولا بد من التذكير أنه منذ أن هدمت الأصنام في الكعبة لم ترجع الوثنية، حتى من ارتد من العرب بعد وفاة الرسول (ص) لم يناد بعودة الوثنية. هذا وأستغرب أن تتعطل أذهان المسلمين بعد أكثر من 1400 سنة غير مجددة الرؤية الإسلامية أو موقف الدين من الفنون التشكيلية. وهنا أود أن أتساءل عن صحة الحديث الشريف، الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود (رض) قال ان الرسول (ص): «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون». وأستغرب أن تتجمد عقول المسلمين التي لا تحلل الظروف الموضوعية التي دفعت الرسول (ص) لما رواه الترمذي عن ابن عباس (رض) أن الرسول (ص) قال: «من صور صورة عذبه الله حتى ينفخ فيها – يعنى الروح – وليس بنافخ فيها، ومن استمع إلى حديث قوم يفرون منه صب في أذنه الإفك يوم القيامة». وأتساءل اذا كان المصورون أشد الناس عذابا يوم القيامة، فماذا سيكون عذاب القتلة والمجرمين والمخادعين والمنافقين والخونة؟ إن آثار تحريم التصوير والنحت أدت إلى تخلف معظم المسلمين ليس في الفنون التشكيلية فقط، وإنما في العلوم كذلك. فلا علوم من دون تصوير، ولا علوم من دون نحت. والفصل بين ما هو علمي وبين ما هو فني يعجز تحقيقه أحيانا. فكيف ندرس علوم الأحياء من دون تماثيل، وكيف يكون هناك خيال علمي من دون تصوير. إن هذا التحريم الذي أدى إلى تراجع الفنون والعلوم لدى المسلمين يعتبر مشكلة ما كان الرسول (ص) يقصدها. فما قاله قيل بعد فتح مكة، كان بسبب ظروف موضوعية رأى فيها صلى الله عليه وسلم ضرورة ذلك ليبعد المسلمين عن الشرك وليعزز الوحدانية، وقوله سبحانه وتعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)» (الإخلاص) هو الذي شكل مسار المسلمين الروحاني والعملي من أجل تحقيق الوحدانية. أما تحريم التصوير والنحت فقد أدى إلى قتل الابداع الفني بين المسلمين. ويتضح هذا عندما نزور العواصم الأوروبية وتتفحص دور المتاحف فيها مقارنة بالدول الإسلامية، لتقارن بين مدن مثل برلين ولندن وباريس من ناحية، وأسطنبول من ناحية أخرى. لنقارن بين ما نجده في متحف برجامون واللوفر والمتحف البريطاني من جهة ومتحف توبكابي في أسطنبول من ناحية أخرى. في الثلاثة الاوائل نرى الابداع الإنساني على مدى ستة آلاف سنة، وفي الأخير توبكابي نشاهد تخلف المسلمين. في توبكابي نرى غنى وبذخا وأحجارا كريمة موضوعة حتى على محمل الأسهم الذي يستخدمه الخليفة العثماني. ونرى المسلمين ينتظرون أفواجا لمشاهدة شعرة يدعى بأنها شعرة من رأس الرسول (ص). هل أراد الرسول (ص) أن يقتل الابداع الفني والعلمي لدى المسلمين ليدعوهم للالتفات إلى شعرة من رأسه؟ بالطبع لا. لماذا تتحجر عقولنا نحن المسلمين بهذه السهولة؟ فتحجر العقول يقضي على التفكير الذي دعا له الله في المئات من الآيات. هل نحن نميل إلى قوله تعالى: «كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (البقرة: 242)، أم نحن أقرب ان نكون لقوله تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (البقرة: 171)؟!

* المصدر: alqabas

تعليقات: