إلى إيرفد ثانياً


في محاضرة ألقاها في فندق فينيسيا عام ١٩٦٢، وسط جمهور من النخب اللبنانية، وبحضور أركان السلطة، أعلن الأب لويس لوبريه أن لبنان ليس بحاجة إلى رساميل و أموال، لتحقيق نهضته وتطوره، بل هو بحاجة في الدرجة الأولى إلى فريق حاكم يتحلى بروح وطنية واحدة، وينظر إلى الأمور كافة بمنظار التجرد و النزاهة، ينكب على العمل لحل المشكلات العديدة التي يتخبط بها لبنان على اكثر من صعيد.

و للتذكير فإن الاب لوبريه هو رئيس بعثة إيرفد التي استدعاها الرئيس فؤاد شهاب في أوائل الستينات لإجراء مسح شامل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من خلال دراسة مكثفة للبنى الأساسية، والموارد الطبيعية، وقطاعات الإنتاج والخدمات، و من خلال استطلاعات وتحقيقات ميدانية، تناولت جميع مستويات الحياة، أدت كلها إلى وضع برنامج إنمائي هو الأول من نوعه في لبنان، غير أن ما بدأت به بعثة ايرفد هي دراسة خصائص البلد و قيمه وعاداته استنتجت أنها ليست كلها إيجابية، فاستخلصت ستة مفاهيم سلبية أنقلها عن السيد جبرايل يونس كبير معاوني بعثة ايرفد خلال عملها في لبنان، التي أوردها في كتابه"بعثة ايرفد الفرصة الإنمائية الضائعة"، وهي:

أولًا: يعيش اللبناني في حالة خداع مع نفسه، بسبب نجاحه في حقلي الأعمال والصفقات المالية، ما جعله يسلك سبلا غير مضمونة النتائج على المدى البعيد، بالمقابل فإن الاستثمار في مشاريع صناعية و زراعية طويلة الأمد لا يغري اللبنانيين، كما لديهم اعتقاد خاطئ أن الغرب لن يتخلى عنهم، وهذا تفاؤل غير مبرر.

ثانيًا: يتخلى اللبناني في مناطقه عن عاداته و تقاليده الموروثة، ويحلم بالوصول إلى مستوى عيش شبيه بما هو عليه في المدن، ما يشكل عامل نزوح إلى العاصمة الكثيرة الازدحام، فيزيد من كثافة السكان و يفرغ الأرياف من طاقاتها العاملة .

ثالثًا: تسيطر على اللبناني الروح الفردية، و هو أمر يتنافى مع إمكانية إقامة مؤسسات لها طابع الديمومة.

رابعا: تكمن مأساة اللبنانيين في ولائهم لطوائفهم على حساب الولاء للوطن.

خامسا: يطلب الناس من الحكومات تحمل أعباء كل عمل ذي طابع عام، فإذا تدخلت الدولة يعد تدخلها افتراء على حقوق الناس و إذا لم تتدخل تعد متقاعسة.

سادسا: إن لبنان بلد معقد التركيب سواء على الصعيد السكاني أو على الصعيد الاقتصادي، له ميزاته و خصائصه المعينة التي تؤثر على مسار الحكم.

في الخلاصة، برأيكم هل تخلصنا من هذه السلبيات أم لا تزال موجودة؟ ألا يجدر بنا إجراء دراسة جديدة نضع اقتراحاتها للحلول موضع التنفيذ؟


تعليقات: