وزارة الزراعة تُبيد النحل والشجر معاً!


بهدف حماية شجر الصنوبر والسنديان من حشرات البق والجدوب، أطلقت وزارة الزراعة حملة رشّ مبيدات، تتضمن استخدام مادة «دلتاميثرين» (Deltaméthrine)، وهي مبيد حشريّ عالي السمّيّة، يؤدي، بحسب البيئيّين ومربّي النحل، إلى «تسميم وإبادة الصنوبر والنحل معاً، وتترك ترسّبات سامة في العسل، ما يؤثّر في جودته ويمنع تصديره»، كما تتسبّب «في أذيّة السنديان ونوع من الطيور يسهم في أكل حشرة البق وحماية الصنوبر».

مشكلة الحملة التي أعلنتها وزارة الزراعة بالتعاون مع عدد من البلديّات، وتبدأ مرحلتها الثانية بين 8 و12 الجاري، لا تقتصر على استخدام هذه المادة السامّة وحسب، بل تأتي في توقيت «خاطئ»، إذ «يفترض الانتظار حتى شهر آب حين يأوي النحل إلى القفير. ففي هذا الوقت تنهي حشرة البق (Leptoglossus) مرحلتي البيضة واليرقة، وتصل إلى مرحلة الحشرة الكاملة. لذلك، فإن الرشّ في هذا التوقيت خاطئ ومؤذ»، كما أكد لـ«الأخبار» رئيس جمعية حماية وتنمية تربية النحل في لبنان (APIS) أمال وهيبه، لافتاً الى أنه «كان يفترض التحرّك قبل هذه المرحلة، وتشكيل لجنة لتقييم الوضع في مناطق انتشار الصنوبر».

أما إعلان الوزارة عن تخفيف مقادير الـ«دلتاميثرين» في عمليّة الرش، فـ«غير نافع»، و«لا يلغي تسميمها النحل والشجر. كل ما في الأمر أن آثار التسمّم تظهر ببطء خلال أسبوع بدلاً من ظهورها بسرعة في غضون يوم واحد»، وفق وهيبه. وأكد «أن استخدام هذه المادة في مبيدات حشرات الصنوبر يتمّ للمرة الأولى، إذ لم تستخدم خلال عمليّات الرش التي جرت قبل ثلاث سنوات في فترة الجفاف، ولا نعلم سبب اللجوء إليها حالياً».

العلاقة بين النحل والصنوبر يختصرها وهيبه بالاشارة الى أنه «إذا أبيد النحل بسبب عملية الرش واستخدام الدلتاميثرين، فلن يمرّ في مرحلة التزاوج، وتتناقص عمليّة التلقيح الطبيعي بنسبة 70%، وتالياً لا يثمر الصنوبر». الضرر يشمل أيضاً غابات السنديان التي «لا خطر عليها ولا ضرورة لرشّها»... أما استهدافها بعملية الرش «فيعرّضها للاندثار»، والسبب هو «أنّ حشرة المنّ تساعد السنديان على إفراز مادة الندوة العسليّة التي تحدّ من تبخّر سائل الأشجار الغذائي»، وتعتبر هذه العمليّة «آليّة دفاعيّة للسنديان للحدّ من التبخّر، فيما يتناول النحل المادة العسليّة في الفترة الحالية». كما أن الصعتر المنتشر في أحراج الصنوبر، والذي يقترب منه النحل خلال شهر تموز «سيتأثّر حتماً، وعليه فإن الفترة الأفضل للرش هي في آب، من دون استخدام الدلتاميثرين بل أدوية أخرى صديقة للبيئة».

المرحلة الثانية من الحملة ستشمل مناطق انتشار شجر الصنوبر في أقضية بعبدا وعاليه والشوف والمتن وكسروان. وهي ستجري بواسطة طوافات تابعة للجيش. وقد طلبت البلديّات من مربّي النحل «إقفال قفرانهم خلال عمليّة الرشّ ولخمس ساعات بعدها، أو إقفالها لمدّة 3 أيّام متتاليّة»، وهو ما تعتبر الجمعيّة أنه سيؤدّي إلى «توقّف عمل النحل وتكاثره واحتمال اختناقه»، فيما لن تحمي عملية إقفال القفران النحل من التسمّم والموت، بل هي «فقط تبعد الموت عن النحل السارح، وبعد فتح القفران ستنفق بعض عاملات النحل في المراعي، فيما يعود بعضها الآخر برحيق وندوة عسليّة وحبوب لقاح مسمومة»، وهذا كلّه يؤدّي إلى «آثار سمّيّة طويلة الأمد على اليرقات والحاضنات واندثار بطيء يستمرّ لمدّة شهر على الأقلّ (مدّة تفكّك المبيد)».

حملة لرش مبيدات تتضمن مادة عالية السمّية في «توقيت خاطئ»

هذه الأسباب وغيرها، شرحتها جمعيّة حماية وتنمية تربية النحل في لبنان أمس، في رسالة مفتوحة إلى كلّ من وزير الثقافة والزراعة عباس مرتضى ووزير البيئة (وشؤون التنمية الإدارية) دميانوس قطّار. وفنّدت فيها أن «الدلتاميثرين مبيد حشريّ عالي السمّيّة يبيد الحشرات من خلال الملامسة أو الجهاز الهضمي. ولا ينحصر أثره على حشرة أو اثنتين، بل يتعدّاهما إلى كلّ الحشرات الضارّة والنافعة، وصولاً إلى العصافير التي تأكل الحشرات، ومنها البقّ». ولفتت الى أن مدّة تفكّك الدلتاميثرين «تصل إلى 8 أيّام على الأزهار و4 أسابيع على الأوراق، ما يؤدّي إلى تسمّم رحيق الأزهار (Nectar) وحبوب الطلع (Pollen) وإفرازات الأوراق، وخاصّة إفرازات المن على السنديان، وهو ما نسمّيه الندوة العسليّة (Miellat)، وهذه جميعها يجنيها النحل ويتسمّم بها». ترسّبات الدلتاميثرين تشمل «العسل وحبوب اللقاح المخزّنة في القفير، ما يؤثّر على معايير جودته وإمكانية تسويقه. لذلك، فإنّ العديد من الدول يمنع استعمال هذا المبيد خلال فترات الإزهار وفترات الندوة العسليّة»، وفق الرسالة.

وكان مرتضى أطلق حملة رش المبيدات لحماية أشجار الصنوبر والسنديان في 21 أيار الماضي، من قاعدة بيروت الجويّة بالتعاون مع الجيش اللبناني، بهدف «حمايتها من حشرات البق والجدوب». وأشار حينها إلى «تراجع إنتاج الصنوبر من 1200 طن الى 200 طن في السنوات الأخيرة، بسبب عدم حماية القطاع والثروة الحرجية». وهو ما يتفهّمه مربّو النحل، لكنّهم يطالبون بحماية التوازن البيئي وزيادة الإنتاج الزراعي بما يشمل إنتاج العسل والحدّ من التلوّث. وعليه، طالبت الجمعيّة في رسالتها بـ«إعادة النظر في عمليّة رشّ الدلتاميثرين على غابات الصنوبر والسنديان وتقويم آثارها على النحل».

«الأخبار» حاولت الاتصال بمدير التنمية الريفيّة والثروات الطبيعيّة في وزارة الزراعة شادي مهنا، إلا أن خطه كان مقفلاً.

تعليقات: